يُناقش الفيلم التونسي الدرامي العائلي "بيك نعيش"_ الذي يتمحور على سعي والدين إلى إيجاد كبد لابنهما المصاب في هجوم_ بعمق العلاقات العائلية وحدود الحريات الجديدة ما بعد ثورة العام 2011 في تونس.

و"بيك نعيش"، وتعني باللهجة المحلية التونسية "بك أعيش"، هو العمل السينمائي الطويل الأول للمخرج الثلاثيني مهدي البرصاوي وقد حاز جوائز عدة ونال استحسان النقاد والجمهور في تونس منذ بدء عرضه تزامنا مع ذكرى ثورة 14 يناير في البلاد.


"بوعجيلة"
"بوعجيلة" الذي يشارك بفيلم تونسي للمرةِ الثانية، بعد غياب قرابة عشرين عاماً، يقول لوكالة فرانس برس: "السيناريو زعزع كياني لما اتسم به من رصانة وذكاء في معالجة مواضيع حساسة جدا من خلال قصة إنسانية تدور احداثها وراء أبواب مغلقة". علماً أنه نال جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم بمهرجان البندقية السينمائي الدولي في العام الماضي.


بن عمار
ويؤكِّد رئيس "الجمعية التونسية لضحايا الأخطاء الطبية"، المحامي صابر بن عمار لوكالة فرانس برس "وجود عصابات مختصة في الاتجار بالأعضاء تنشط في السوق السوداء أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي في تونس".
ويشدّد على أن الجمعية "تلقت عشرات الشكاوى لمرضى اكتشفوا لاحقا فقدانهم لعضو" خلال عمليات جراحية أُجريت عليهم.

وفي السياق نفسه، يعتبر البرصاوي "من الواجب كسينمائي وضع الإصبع على هذه المشكلة الفظيعة ورفع الوعي بأهمية التبرّع"، متسائلاً: "هل هناك سخاء أفضل من إهداء جزء من الجسم من أجل انقاذ حياة؟"


"الاتجار بالأعضاء"
تدور أحداث الفيلم في اواخر العام 2011 في مدينة تطاوين (جنوب) حيث تتعرض عائلة تونسية ميسورة خلال جولة سياحية لهجوم مسلّح، فيصاب الابن عزيز ما يستوجب زراعة كبد له في أقرب وقت.

ولقد شكّلت شخصيتا الأب فارس الذي يجسدها الممثل الفرنسي التونسي سامي بوعجيلة والأم مريم (التونسية نجلاء بن عبد الله)، محوراً تدور حوله باقي الشخصيات في الفيلم ومن خلالهما يكشف المخرج قصصاً صادمة.


"البرصاوي"
وتتابع كاميرا "المخرج"، على امتداد ساعة ونصف الساعة، الزوجين في سباقٍ مع الزمن بحثاً عن متبرّعٍ لانقاذ الإبن. فتكشف حدود المؤسسة الاستشفائية في إيجاد الحلّ الفوري أمام "قائمة الانتظار الطويلة جداً" على حد قول الطبيب في الفيلم.

ويُبرز الفيلم ظاهرة الفساد التي تنخر القطاع الطبي من خلال مشهد تسريب ملف المريض إلى من يمتهن الإتجار بالأعضاء البشرية، وكذلك الأمن الذي يتلقى رُشى لتسهيل عملية تنقلهم.
ويتخلل الفيلم مقاطع صادمة وعنيفة تبرز الإنتهاكات التي تطال الأطفال، وتصل إلى حد استئصال بعض الأعضاء من أجسامهم لبيعها خلسة وبمبالغ كبيرة.

ويؤكد "البرصاوي" أن فكرة العمل "مستوحاة من مقطع فيديو صادم حول الإتجار بالأعضاء في ليبيا". في حين يعاني الكثير من المرضى أو يموتون بسبب قلة المتبرّعين في تونس كما في بقية دول المغرب العربي. والسبب وراء ذلك هو القوانين التي لا تسهل استئصال اعضاء الموتى إضافة الى المعوقات الثقافية أو الدينية، فضلاً عن مدة الانتظار الطويلة لإيجاد متبرّع.


"الطريق لا يزال طويلا"
وفي سياق الفيلم، يُفاجأ فارس بأن عزبز ليس ابنه الشرعي لكنه يستميت في انقاذه من الموت عوض "الثأر لشرفه" من زوجته مكسرّاً المحرمات.
وعن هذا، يقول "البرصاوي": من خلال الفيلم "أحاول اختبار حدود الحريات الخاصة" في هذه "المرحلة المفصلية" من تاريخ تونس.

ويتابع: "الشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم، إن كان الرجل أو المرأة، تقرران تحرير نفسها في مرحلة ما من العراقيل وتنتصران للحب الذي يجمعهما". لكنه يؤكد أن "الطريق لا يزال طويلاً، طالما لم يتحرر كل أفراد المجتمع من عقلية رجعية ونظرة إقصائية وقيود دينية وقوانين مدمرة للحريات".

ويضيف "المخرج": "من غير المقبول أن يستمر نظام الحكم في التدخل في الفضاء الخاص بعد الثورة"، في إشارة إلى القانون التونسي الذي يعاقب بالسجن خمس سنوات الأشخاص الذين يقومون بعلاقات جنسية خارج إطار الزواج. فيما تطالب منظمات غير حكومية تونسية باستمرار، البرلمان التونسي بإقرار مشاريع القوانين التي تحمي الحريات خصوصا الفردية منها، معتبرة أنها تشهد تجاوزات في مجتمع محافظ.

وينتمي هذا المخرج_ الذي وضع في رصيده ثلاثة أفلام قصيرة حتى الآن_ إلى جيل شاب من السينمائيين والمنتجين الذين تمكّنوا من إثارة مواضيع إجتماعية وسياسية كانت تخضع للرقابة المشدّدة قبل 2011، وهي تعمل لتقديمها في طرحٍ جريء. وهو يقول: "من أهم مكتسبات الثورة حرية التعبير. فقد كان يستحيل طرح هذه المواضيع في عهد بن علي، الذي حكم تونس لمدة 23 عاماً بيد من حديد وأطاحت به الثورة.

ويشير إلى أن فريق العمل تعرّض لـ"عراقيل" بسبب "خشية مسؤول محلي من أن يتم رفع العلم الجهادي أثناء عملية التصوير" وتم تغيير الموقع. علماً أنه وضع سيناريو ّبيك نعيش" الذي استغرق إنجازه خمس سنوات، بإنتاجٍ تونسي فرنسي مشترك وبميزانية مليون يورو.

هذا وحاز الفيلم 15 مكافأة في مهرجانات دولية منذ سبتمبر الماضي. وسيبدأ عرضه في أكثر من عشرين بلداً عربياً وأوروبياً، اعتباراً من شهر مارس المقبل.
ويختم "البرصاوي" إن نجاح الفيلم شكّل "فخراً لي ..ولبلدي" مضيفاً: "أنا سعيد بتصدير رؤية سينمائية في الوقت الذي تُعتبر فيه تونس الأكثر تصديراً للإرهابيين".