إيلاف من بيروت: إتبعت إدارة مهرجان البندقية السينمائي إجراءات صارمة لتطبيق التباعد الاجتماعي وفرض وضع الكمامة الإلزامي، مما يجعل رواد الدورة السابعة والسبعين يبقون كلّ في فقاعته تفادياً لتفشّي فيروس كورونا المستجد.
بهدوء، تقف ابنة البندقية غلوريا غاربيسا في الطابور منتظرة دورها عند إحدى نقاط التفتيش بالقرب من "قصر السينما"، حيث يتولى عناصر الشرطة قياس درجة حرارة الداخلين، والتأكد من كونهم يضعون الكمامات، إضافة إلى التحقق من بطاقات الدخول.

لا أحاديث جانبية.. والكمامة طوال الوقت
وتقول غاربيسا التي تتابع المهرجان منذ 24 عاماً "أعلم أن هذه التدابير لمصلحتنا، ولكن يحزنني أن أرى حريتنا تضيق".
وتتابع وهي تعدّل كمامتها تحت نظارتيها الشمسيتين الضخمتين "كنا سابقاً نذهب حيثما نشاء، من دون تدقيق، من دون شرطة. من غير الطبيعي أن نرى بزات عسكرية".
ويوجّه شرطي ملاحظة إلى رجل سبعيني قائلاً له بانزعاج "إرفع كمامتك لتغطّي أنفك أيضاً". وعندما يردّ عليه الرجل معترضاً "لكننا في الخارج"، يبادره مؤكداً ضرورة وضع "القناع طوال الوقت، في الداخل والخارج".
وإذا كانت الكمامات تخفي الأفواه، وبوجود مسافة متر واحد على الأقل في طوابير الانتظار، وكرسي فارغ بين كل كرسيين في صالات العرض، من الصعب على الحاضرين أن يتبادلوا الأحاديث، إلا ربما لتوبيخ شخص قد يكون اقترب من غيره أكثر من المسموح به، أو آخر يحتال على الإجراءات نازعاً كمامته بمجرد إطفاء الأنوار في صالة العرض.
السجادة الحمراء "محصنة".. وبلا جمهور
أما السجادة الحمراء الممتدة أمام "قصر السينما"، فمحصّنة بجدار رمادي يمنع احتشاد الفضوليين.
ويلاحظ ألبرتو بيتسولي، وهو مصوّر يغطي منذ سنوات مهرجان البندقية ومنافسه مهرجان كان، أن "الجمهور هذه السنة ليس هنا، فكل شيء أبعِد عنه وعُقِّم".
ويضيف بيتسولي "لا يوجد جمهور، لذلك نفتقد مجموعة كاملة من الصور التي كنا نلتقطها في الماضي عندما يقترب الممثلون من الناس لإهدائهم تواقيعهم".
ويتذكر بيتسولي هذه اللحظة التي يصفها بأنها "مهمة"، عندما "كان الممثلون الكبار ينشغلون بالتواقيع ما بين عشر دقائق و15 دقيقة، ويقفون عند وصولهم لالتقاط بضع صور سيلفي ذاتية".
ويضيف متأسفاً "عندما يمشي الممثلون في الشارع، لا نستطيع أن نتعرف عليهم على الفور لأنهم يضعون كمامات".
ويشير ألبرتو إلى أنه اضطر لشراء كمامة سوداء اللون فرضتها إدارة المهرجان، بالإضافة إلى البزة الرسمية المعتادة المطلوب من المصورين الذين يتمركزون على جانبي السجادة الحمراء ارتداؤها.
وليس الوضع أكثر يسراً لدى الصحافيين والنقاد الذين يفترَض بهم أن يحجزوا أماكنهم في العروض والمؤتمرات الصحافية عبر موقع إلكتروني مخصص لهذا الغرض، وكلها مقاعد مرقّمة، ومن المستحيل تالياً أن يجلسوا حيثما شاؤوا ليكونوا بالقرب من زملائهم. وفي كل الأحوال، يجدون الصحافي نفسه دائماً محاطًا بمقعدين فارغين.
وحتى في صالات العروض، يتولى رجال الأمن، بتهذيب ولكن بحزم، اقتياد كلّ شخص إلى مكانه المحدّد، ولا يخلو الأمر من اعتراضات بعض الممتعضين وكلمات تعبّر عن تذمرهم.
تناول المثلجات بمثابة "جريمة"
ولا هدنة حتى في المساء، في محيط موقع المهرجان، وقد يكون الأبلغ تعبيراً عن هذا الواقع المشهد التالي في شارع قريب من القصر: ضابط شرطة ينبّه شابتين تتناولان المثلّجات فيما تمشيان بقوله "سيداتي، القناع رجاء"، وعندما تردّان "لكننا نأكل الآيس كريم"، يأتيهما الجواب النهائي "كان عليكما أن تفعلا في محلّ بيع المثلجات!"
في أرض الـ"جيلاتو"، غيّرت جائحة كوفيد-19 كل شيء، فحتى تناول المثلجات يكاد يكون جريمة.