كتبت سارة الرشيدان

تابعت مسلسلاً يهودياً يتناول فئة من المتطرفين اليهود الحريديم وكلمة حريدي تعني (التقي أو المعتزل للناس)، والذين يعيشون في عزلة حتى عن بقية اليهود العلمانيين، عزلة فرضتها أفكارهم المتشددة، نساء بسيطات التعليم، وقليل منهن من يعملن فغالب من في المسلسل ربات بيوت، ورجال لا يتجاوزون التعليم الديني في اليشيفا ويرفضون العلمانية وتعلم العلوم.

الأسرة الرئيسة في المسلسل مكونة من أب ترمل قريبا ومازالت خيالات زوجته الصبورة دفوعا تطوف بالبيت وأهله خاصة ابنه الصغير أكيفا الذي أصبح شابا يبحث عن عمل.

للأسرة ابنه تودع هي وأطفالها الأربعة زوجها المسافر بحثا عن عمل في أوروبا، تأخذها الحياة منحى آخر عندما ينبهر الزوج بحياة الغرب ويتخلى عن أفكاره التي عاش عليها.

الوالد ستيشل يعمل في مدرسة دينية تعلم الصغار التوراة، وكذلك ابنه الأكبر يتبحر في تعاليم الدين اليهودي.

يمكن تمييز حاخامات العمل كالأب وأبنائه الذكور من خلال الملابس واللحية والخصلتين اللتين تميزان اليهود، والنساء يتميزن بالمحافظة في ملابسهن.

الأب رجل شره، لا يكاد يفارق كأس الشاي حتى في أحد أحلامه نجده حاضرا، والتدخين صفة ملازمة له هو وابنه خاصة عندما تحيطهما الأفكار والحيرة في اختيار زوجة أو عمل.

المرأة مهمة جدا في هذا العمل، وتحديدا لحضور أفكارها التي تشربتها أو فرضت عليها.

للأسرة جدة تعيش في دار المسنين، شخصية بسيطة غير معقدة، شديدة الحنان متسامحة، في بداية العمل تطلب مشاهدة التلفزيون ووضعه في غرفتها وتتابع بشغف المسلسلات وفي صلواتها تدعو لأبطال أعمالها المفضلين.

لا يرضى ابنها الحاخام بوجود التلفزيون عند أمه وتضطر لاحقا للتخلي عنه ولكنها لم تتخل عن رغبتها في متابعة أحداث مسلسلها وهنا يتصادم الفن مع التطرف الرافض له عند الحريديم.

صورة أخرى لولديّ الأسرة الأكبر تسفي آري كان مغنيا حسن الصوت في صباه، تخلى عن الغناء لطلب العلم في دينه اليهودي ولم تفارقه رغبته في أن يصبح فنانا أبدا، وتتفق زوجته معه في أن يتبع شغفه لكنه لا يفعل في النهاية ويستسلم لحياته البائسة!

كما أن الولد الأصغر أكيفا هو محور الأساس في صدام الفن بالتطرف طيلة العمل كونه يمتلك موهبة الرسم التي يطوعها حينا لتحمل ما يراد، وتخرج الأمور عما يراد حين يرسم والدته ويغضب والده الحاخام منه.

التناقض بين القول والفعل، أو الفعل أمام الناس والفعل في الخفاء يظهر في أكثر من صورة فالأب الحاخام الذي يحرص على ألا ينظر ابنه للنساء من حداثة سنه وربما قبل بلوغه، لا يتورع هو عن زيارة النساء في بيوتهن والحديث معهن واستغلالهن، حتى تأتي إحداهن لزيارته في المنزل ونرى الدهشة البالغة على وجه ابنيه ليضطر للقول إنها خطيبته!

لنسأل هنا هل التقوى ظاهرية أم أن التشدد يضعف عندما تزداد الرغبة؟!

المرأة في المسلسل ممثلة في الأم المتوفاة تحضر في مواقف الذكريات كما تحضر في الخيالات لنكتشف أنها كانت تصارع تشدد زوجها وتقدم التضحية تلو الأخرى تماما كأمه.

والابنة المتطرفة التي تخشى كلام الناس عن زوجها وتعمل لتخفي حقيقة تخلي زوجها عنهم، وتدفعه لاحقا للعلم والتكفير عن أخطائه وتتميز نظرتها بحدة موقف لا يتفوق عليها فيه إلا ابنتها التي تختار زوجها المتدين بعد مراقبته وهو ينفق وقته في التعلم وتدفع ثمن اختيارها ألما وانتظارا ممتدا في فترات لاحقة.

هناك رسالة بدت من المسلسل ألا وهي أن التطرف يزداد حدة مع الأجيال، وأن المرأة المحرومة من التعليم الديني المتاح للرجل في اليهودية تتباهى بزوجها سواء في الشخصيات التي ذكرت أو سيدة عجوز أخرى صديقة للجدة في دار المسنين لا تفتأ تذكر زوجها الراحل وأفكاره وتصادم الجدة بها وتتباهى عليها بأن زوجها كان مديرا للمدرسة الدينية!

عليزا غفيلي سكرتيرة المدير نموذج لسيدة بسيطة ومخلصة في عملها، يستغل الحاخام ستيشل إعجابها به ويحضر لمنزلها لتناول الطعام باستمرار، وتحيا على أمل أن يلتفت لها ويطلبها للزواج تحاول أن تفهم لكنه يضحي بها من أجل امرأة بعد امرأة حتى يطردها من عملها لتفيق على حقيقة أنه لا مكان لها عنده رغم أنها تركت فراغا فشل من جاء بعدها في سده!

المرأة في العمل مجرد ظل للرجل ربما تتحايل لتخرج من ضيق ما يُفرض عليها، أو تنصاع له كما فعلت ابنة العم التي تعيش في أوروبا وتعود مع والدها للبحث عن زوج متدين وتصدمنا حين ترفض الرسم كمهنة لزوجها فلا تختلف عن غيرها من النساء.

العمل ممتع ومن خلاله يمكن ملاحظة أن أفكار التطرف موجهة ضد النساء، فلا تختلف اليهوديات المهمشات والمستغلات عن نساء المتطرفين في كل مذهب ودين في كونهن مجرد حضور لتلبية رغبات رجل يصعب إرضاؤه!

سارة الرشيدان