رافقت إيلاف عددا من الغوّاصين الجزائريين برحلة غوص في أعماق البحر لاكتشاف سحره عن قرب.

الجزائر: يبدي الكثير من الجزائريين ولعهم الشديد بالبحر، ويعبّرون عن ذلك بالسباحة وصيد الأسماك وركوب القوارب الشراعية، بيد أنّ عددا متزايدا يتجه الآن بحرفنة وتألق نحو الغوص في البحار لاستكشاف تموجهات أخرى والاستمتاع بما تزخر به المنظومة البحرية من أعاجيب تسحر الألباب.

مع أولى تباشير صباح خريفي متقلب، وعلى متن قارب لا يزيد طوله على التسعة أمتار، شددنا مع حمزة (34 عاما) بائع أثاث، مجيد (31 عاما) العامل بورشة خاصة، أمين (29 عاما) موظف في بنك خاص، وأبو بكر (26 عاما) صاحب محل للعطور، الرحال إلى شاطئ منطقة شرشال الساحلية (80 كلم غرب الجزائر العاصمة) للغوص هناك.

ومن دون خوف ولا رهبة، تناوب الأربعة على الغوص مثنى وفرادى، وأوعز أمين أنّ ما يتصل بالطقس وكذا اتجاه الرياح ومدّ الأمواج لا يمثّل إشكالا بالنسبة لمحترفي الغوص خلافا للهواة الذين يفتقرون للخبرة اللازمة في مثل هذه الحالة، في حين لاحظ أبو بكر وزملائه أنّ الغواصين المتمرّسين صاروا يشكّلون مصدر ثقة لجمهور الصيادين والسياح، إذ صاروا بمثابة مرجع حي يقدمون لهم يوميا عرضا مفصّلا عن أحوال البحر وعن مده وجزره وتياراته وحكايات من يحاول تحديه.

وعلى منوال الكثير من مواطنيهم، يجد هؤلاء الشباب الأربعة في الغوص فرصة لا متناهية لاستكشاف أسرار البحر، وينفقون أوقات فراغهم في معانقة عوالمه العميقة التي تظلّ بنظرهم مجهولة وتنتظر من يكتشف سحرها الدفين، بهذا الصدد، يشير حمزة أنّه بدافع من عشقه البحر حتى الثمالة، فإنّه يستغل مراودته بانتظام للاعتناء بالنباتات البحرية، وكذا الطحالب المتواجدة بين الصخور خصوصا وأنّها مادة لصنع مستحضرات تقليدية وطبيعية للتجميل تساعد على وضاءة الوجه ووقايته من أشعة الشمس.

ويكشف أمين عن تخصص بعض الغوّاصين في البحث عن كائنات بحرية نادرة مثل quot;حصان البحرquot;، quot;نجمة البحرquot; والمحارات الكبيرة التي يتم جمعها في أحواض خاصة تلقى إقبالا من قبل السياح وبعض العوائل المحلية.

من جهته، يبرز أبو بكر العارف الكبير بخبايا البحر وأسراره، أنّ هوايته المفضلة مكّنته ولا تزال من معايشة البحر والارتماء في أحضان بيئة ظلت مجهولة بالنسبة إليه وفريق من مواطنيه، بينما يبدي مجيد انزعاجا من استمرار فريق من الصيادين في الصيد بواسطة quot;الديناميتquot; رغم تعارض ذلك مع الأخلاقيات وروح القوانين، تبعا لتأثير هذا الأسلوب سلبا على الأسماك، وإمعانها في تلويث السواحل.

ولا يخفي أمين حقيقة مثيرة مفادها أنّ أحسن الغواصين كانوا في البدء يخشون البحر، غير أنه وبعد تبديدهم حاجز الخوف، برزت لديهم رغبة لامتناهية في اكتشاف المزيد عن عالم الأعماق، وهو عامل يركّز الغوّاصون القدامى على نقله لنظرائهم المبتدئين، أمثال محمد (22 سنة) الذي يدرس بكلية الطب، وكريم (21 سنة) المتخرج حديثا من معهد الحقوق، حيث انضما إلى ناد متخصص في تلقين الغوص.

ويسجّل محمد أنّه ارتضى منذ صباه شق عباب البحر لانبهاره بعظمة هذا الموروث الطبيعي، معتبرا الغوص تجربة فريدة من نوعها تمكن المرء من اكتشاف عالم ساحر لا يزال يحافظ على نقاءه، في حين يلفت كريم إلى أنّه أحّس بنفسه دخيلا على مملكة مقاليد الحكم فيها في يد الأسماك والكائنات البحرية.

ويرى quot;سيد علي غربيquot; مسير نادي quot;ليسبادونquot; للغوص الذي ينشط منذ سبعينات القرن الماضي، أنّ تعليم فن الغوص وممارسته أسهما في تعاط أفضل لمواطنيه مع البحر، ويضيف غربي أنّ الـ40 ناديا الموجودة في بلاده، تعمل على تكريس تعاليم الحفاظ على البيئة البحرية والحفاظ على محيط خال من أي شوائب أو عوارض صحية، وهو ما لقي صدى إيجابيا لدى المئات من متربصين تتراوح أعمارهم ما بين 14 و60 سنة.