يعاني قصر الأخضير وسط بادية العراق من الاهمال ووزحف التعرية نحوه برغم بقائه مئات السنين شاهدا على تاريخ المكان.

وسيم باسم من كربلاء: يتخلل منظر بادية كربلاء الرتيب (105 كم إلى الجنوب الغربي من العاصمة بغداد،) قصر تهدمت أركانه وتآكلت أساساته، لكنه يظل شاهقا بأطلاله التي تهددها تعرية الرياح وتأثيرات المياه الجوفية. انه قصر الأخيضر الذي يبعد مسافة 45كم الى الجنوب الغربي من كربلاء، بمعالمه الشاخصة للعيان من بعيد، من بيوت وأروقة وأيونات، جاذبا أنظار الرحالة، والمختصين في علوم الآثار.

قصر الأخيضر

سهيل حسين بأصوله البدوية، يسكن قرب المكان ويتردد عليه بين الفينة والأخرى، يقول، انه شاهد على سقوط أركانه عبر السنوات، ومازال الأمر مستمرا، لاسيما وان جدران القصر متينة وعريضة وتصعب على الجهود الفردية ترميمها او تقويم الأضرار فيها.
وفي صحراء مترامية الأطراف أصابت الرياح الشديدة من أركان القصر مقتلا، فقد تعرت أطرافه، وسابت نهاياته،
في دلالة واضحة على غياب يد الصيانة والإدامة التي لم تلمس طابوق القصر من سنين.

وبينما جرت محاولات عبر السنوات لتطوير المكان وجعله مرفقا سياحيا، وإحاطته بحزام أخضر، لتقليل تأثيرات البيئة الصحراوية على المكان والزائرين، الا ان ذلك لم يسفر عن نتيجة، وكل الترميمات التي حصلت ارتجالية لا تتمتع بالديمومة، بل هي جولات تستمر لعدة أيام ثم لا تلبث ان تتوقف من دون نتائج على المدى البعيد.
ويقول الباحث الاثاري كامل حسين ان مثل هكذا صرح عظيم يمكن ان يعود لمدينة كربلاء بعوائد مالية اذا ما جرى تأهيله كمرفق سياحي لاسيما وان الكثير من العراقيين والعرب والأجانب يقصدونه.

ويضيف : على الحكومة المحلية ان تشرع في تأهيل القصر فورا، وأن لا تنتظر برامج وزارة الثقافة او الجهات السياحية الأخرى، لانها لم تفعل شيئا عبر سنوات.
ويشير كامل ان مدينة كربلاء تضم حوالي 400 موقعا اثريا وسياحيا واغلبها مطمور تحت رمال الصحراء..

يتابع كامل: القصر في تخطيطه وعمارته يشبه قصور العباسيين في سامراء، وينسب إلى الأمير العباسي عيسى بن موسى الذي أقام في هذه المنطقة عام 778م.
ويتابع: بنية القصر تتألف في اغلبها من الحجر والطابوق المفخور و الجص، وهذا ما زاد من أضرار الرطوبة والمياه الجوفية، لان هذه المواد لها قدرة كبيرة على الامتصاص.
وقادتنا جولتنا داخل القصر الذي يتيه فيه المرء، اذا لم يكن هناك خارطة طريق أو دليل مرافق، قادتنا الى دهاليز مظلمة وآبار وكهوف، حتى بدى القصر وكأنه عالم قائم بذاته.
واذا كانت بنية القصر تبدو من الخارج متراصة بعض الشيء، فان التجول في داخله يريك حجم الكارثة التي تنتظر هذا الصرح العظيم، فقد تهدمت الكثير من سقوفه الداخلية، ولم تبقى صامدة بوجه الزمن سوى الجدران المتينة.

ويصف المرافق لنا محمد الكعبي كيف ان القصر رمم في السبعينات في بعض جوانبه، لان أصحاب الاختصاص وقتها اشترطوا أن تكون الترميمات جزئية والا فقد القصر رصيدا من قيمته التاريخية، ثم أفتتح كأثر سياحي،يقصده الزوار وتقام فيه المهرجانات، و نظمت وزارة الاعلام في ذلك الوقت مهرجان الاخيضر، الذي استمر لبضع سنين.
و أكثر ما يتهدد القصر انتفاخ الطابوق وانكماشه المتناوب بفعل الحرارة الشديدة والرطوبة، مما أدى الى ظهور العديد من الشروخ. كما أدت الأملاح الى تفتت قواعد البناء وتحللها. كما فعلت عوامل التعرية الطبيعية أثرها في الصرح، إضافة الى ارتفاع منسوب المياه الجوفية.

ضعف الثقافة الأثرية

وعدا ذلك فقد تعرض القصر الى الكثير الإضرار من قبل البشر نتيجة ضعف الثقافة الأثرية وغياب الحماية والمراقبة لهذه المعالم التاريخية.
وفي كثير من الأوقات استخدم القصر من قبل البدو لأغراض شتى تبدأ بالسكن إلى الاحتماء، أو قيام جماعات مسلحة بالاختباء فيه، لاسيما في فترة الاضطراب الامني منذ الام 2003 والسنوات التي تلته.

ويقول الكعبي ان سلوكيات المواطنين تهدد بقاء ذا القصر، ففي بعض الأوقات استخدم لأغراض شخصية من دون الالتفات الى ضرورة المحافظة على بيئته التاريخية، فالبعض يدخل الدهاليز المترامية الاطراف ليتناول المشروبات الروحية ويرمي القناني والعلب وبقيا الفضلات في ردهاته، اضافة الى انه استخدم من قبل البعض للقيام بمغامرات جنسية، حين تبعد ثنايا القصر المتشعبة الأعين عنه.

ولاشك في ان هذه الانتهاكات دليل على الجهل بالأهمية الحضارية للقصر، كما أن الاهتمام بهذا الصرح العملاق لا يتناسب وأهميته التاريخية، وهو يحتاج إلى جهد مؤسساتي جمعي وشركات متخصصة تستثمر فيه.

ويقول حسين الذي رافقنا في الجولة انه عدا المياه الجوفية، فان اكثر ما يتهدد القصر هي العواصف الترابية التي تسبب تعرية الكثير من أجزائه لان جدران القصر الشاهقة أصبحت مصدا للرياح القوية المحملة بالغبار و الأتربة، وكان المفترض ان يكون هناك حزاما اخضرا كثيفا حول القصر لتقليل تعرية الرياح في قوامه الخارجي.