باريس: في مطلع يناير/كانون الثاني 2012، تقدمت غرينبيس بشكوى جنائية للادعاء الفرنسي طالبة منه التحقيق في اتهامات نشرتها صحيفة quot;جورنال دو ديمانشquot; بأن شركة quot;أريفاquot; النووية العملاقة في فرنسا ـ أكبر شركة لصناعة الطاقة النووية في العالم ـ أوكلت إلى شركة استشارية التجسس على أنشطة غرينبيس. وقد نشر الخبر بعد تغريم شركة كهرباء فرنسا quot;إيه دي أفquot; مليون ونصف المليون يورو والطلب إليها دفع 500 ألف يورو كتعويض عن الأضرار التي ألحقتها بغرينبيس في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد أن ثبت أنها تتجسس عليها. وحكم أيضاً بالسجن على الموظفين الأربعة بالشركة المتورطين في القضية، بينهم اثنين من المسؤولين التنفيذيين.

ولكن لماذا قد يفعلون ذلك؟ حسناً، إن الأمر كلّه يتعلّق بالاختلاف بين كيف يريد القطاع النووي أن نراه وبين ما هو عليه فعلياً. ففي القصص النووية المصوّرة (البيانات الصحافية للقطاع والبروباغندا الخاصة به)، تصوّر الطاقة النووية كبطل خارق ذي فك مربّع يضع قبضتيه على وركيه وينظر صوب المستقبل، مستعداً لإنقاذ العالم من أشرار التغيّر المناخي. تمالك نفسك أيها الاحتباس الحراري! ستنخفضين يا غازات الدفيئة!

ولكن وراء هذا المظهر الكاذب، ليست الأمور كما تبدو عليه. فالطاقة النووية هي في الواقع رجل في الستين من العمر مصاب بأوهام العَظَمة، ولا يزال يعيش مع والدته ويعتمد على مساعداتها. إنه شخص يجعل المكان نتناً ويحتاج فعلاً إلى رعاية، متسبباً بحوادث محرجة تتطلب من والدته أن تنظّف وراءه. ولكنه يكابر ويتجاهل الأوجاع والآلام كي يخرج محاولاً القتال ولكن من دون جدوى. فهو منهك. غير أنه يخبر كل من يرغب في الإصغاء إليه، عن أمجاده وانتصاراته السابقة التي تبدو في الوقت الحاضر مشكوكاً فيها. وإذا كان صادقاً مع نفسه، فسوف يلاحظ انه على مدى سنوات قام بما ضر أكثر مما نفع. أليس من الممكن فعلاً أنه كان وغداً خارقاً ولم يكن بطلاً خارقاً كل الوقت؟

لا يتوقف الأمر عند هذا، فالطاقة الشمسية والتوربين الهوائي وفٍرَقهما، تتسابق لهزيمة الشر بهدوء ولجعله يبدو سيئاً، وكلما ظهرت يهلل لها الجمهور بالآلاف ويصفّق لها. ولكن حين تظهر الطاقة النووية، يبدو عليها جميعاً عدم الارتياح وتقول إن عليها أن تغادر المكان.

تعرف الطاقة النووية في قرارة نفسها أنها خاسرة ولكنها لا تعترف بذلك ولا تستطيع الاستمرار. وتفكر في عالم من دونها وترتعد. ماذا يمكنها أن تفعل؟ ما الذي تخطط له الطاقة الشمسية والتوربين الهوائي وفرقهما؟ ما الذي سيفعلانه لاحقاً؟ كيف يمكن للطاقة النووية أن تمنعهما وتستعيد مجدها؟ تحتاج أن تعرف. كي تغش وتتسلل وتتجسس. تحاول أن توقف الناس عن الحديث بالأمور السيئة التي فعلتها. ومن ثم يقبض عليها متلبّسة لأنها ليست ذكية كما تعتقد وينتهي الأمر بها لتبدو أكثر إثارة للشفقة.

يحتاج القطاع النووي أن يعي الحقيقة، فقضية الطاقة النووية يجب أن تعبّر عن نفسها ولكنها لا تستطيع. وإذا كان القطاع صادقاً بوعده أن تكون الطاقة النووية نظيفة وآمنة وزهيدة الثمن وقادرة على محاربة التغيّر المناخي، فما كان ليحتاج إلى الاعتماد على الخداع الرخيص والمراوغة والبروباغندا والأعمال الإجرامية ليعزز أجندته.

وفي حين يقال إن الطاقة النووية، الموجودة منذ زمن بعيد، هي قطاع ناضج، تُظهر تكتيكاتها كل شيء عدا ذلك.

حان الوقت لتنضج يا صاح!