إيلاف ndash; الرياض: حينما تزور المرأة طبيبها بعد تجربتها المرة الرابعة للإجهاض فإنه يعطيها تشخيصاً مفاجئاً وهو الإجهاض النفسي الجسدي. لقد فقدت الأجنة بسبب الضغوط في حياتها الشخصية, وخاصة المخاوف حول التزامها الديني أو تخلي زوجها عنها في القيام بالأعمال المنزلية. وكانت نصيحة الطبيب المعالج هي مجموعة من الفيتامينات والعلاج عن طريق التحليل النفسي لاكتشاف اضطرابات مرحلة الطفولة والمشاكل الأخرى. بعد ذلك استطاعت المريضة, حسب طبيبها الدكتور كارل جافرت طبيب الولادة في جامعة كورنيل كلية الطب, أن تضع حملها ثلاث مرات بصورةٍ سليمة.يتناسب التشخيص والمعالجة مع الأوقات التي تكون فيها. ففي بداية الخمسينات من القرن الماضي كان حقل العلاج النفسي الجسدي في أيام عنفوانه, حيث ارتكز على نظرية أن عديداً من الأمراض الجسدية ترجع إلى أصولٍ عاطفية.

على مر التاريخ, افترض الأطباء والمرضى على حدٍ سواء أن الانفعالات العاطفية تؤثر في الصحة, وبقي الأمر على ذلك حتى منتصف القرن العشرين عندما أثبتت المحاولات أن العلاقة بينهما تزداد. وكانت القوة الدافعة وراء اكتشاف العلاج النفسي الجسدي هو الطبيب فرانز ألكساندر, عالم النفس الذي تدرب على إرشادات فرويد.ربط الدكتور ألكساندر ndash; الذي تلقى تعليمه في جامعة شيكاغو ndash; بين شخصياتٍ محددة وأنواعٍ من المرض, كارتفاع ضغط الدم وقرحة المعدة والربو. وأيقن أن الاضطرابات العاطفية المزمنة تؤدي إلى سلسلةٍ من التغيرات في أعضاءٍ مختلفة من الجسد, وبالتالي سلسلةٍ من الأمراض.

وابتكر أتباع الدكتور ألكساندر عباراتٍ في وصف الحالات العاطفية للأشخاص الذين يعانون من أمراضٍ معينة. فعلى سبيل المثال, فإن المريض بارتفاع ضغط الدم يشعر quot;بأنه مهدد بالأخطار وعليه أن يكون مستعداً لأي شيءquot;, حسب قولهم. بينما المريض بقرحة المعدة يشعر بأنه محرومٌ مما يستحقه.وركزت مجموعة أخرى من المدافعين عن العلاج النفسي الجسدي, وهم المتخصصون في علم النفس الأحيائي, على أن بعض الأحداث العاطفية في حياة الإنسان, كوفاة أحد المقربين أو خسران العمل, تؤدي إلى تغيراتٍ حيوية.

في الخمسينات من القرن الماضي كان الموضوع العاطفي الأكثر ارتباطاً بالمرض هو القلق, وهو العامل الذي كان سائداً قبل عِقدٍ من الزمان, إذ كان يصيب بخاصة الجنود وعائلاتهم والسجناء في معسكرات الاعتقال. كانت الحرب الباردة سباً لمزيدٍ من الاضطرابات.اعتقد الدكتور جافرت أن هذا العالم الذي تتزايد فيه الضغوط هو السبب وراء حالات الإجهاض, التي تسمى بالإجهاض التلقائي. وقد جعل المحقق جافرت مهمته الشخصية مقاومة حالات الإجهاض التي أسماها بـ quot;المشكلة الصحية الأولى في البلاد.quot;وكان اهتمام الدكتور جافرت متركزاً على النساء اللاتي يعانين من quot;حالات إجهاضٍ متكررةquot;, أي ثلاث مرات أو أكثر, واعتقد أن المشكلة الرئيسية مع هؤلاء النساء هي quot;الخوف من الحمل وعلى الطفل.quot;

وهذه المخاوف تقود بدورها إلى quot;الاضطراب العصبي المسبب للإجهاضquot;, الذي وُصف في كتاب الدكتور جافرت في العام 1957 quot;الإجهاض التلقائي والمتكررquot; على أنه أخطبوط أسود يحيط بالمرأة.كيف يمكن للمخاوف والاضطرابات العصبية أن تقود إلى الإجهاض؟ ولتوضيح هذا, اتجه الدكتور جافرت إلى نظرية متعلقة بعلم النفس الأحيائي, مناقشاً مسألة أن الضغط يسبب زيادة في إفراز الأدرينالين, ويتسبب هذا الهرمون بدوره في انكماش للرحم قبل الأوان, مما يتسبب في الإجهاض التلقائي.

وتُعدّ النظرة الشاملة للعلاج مركزية بالنسبة لنظريات الدكتور جافرت, والتي تحاول الكليات الطبية اليوم تدريسها. وكان قد كتب: quot;إن العلوم المتخصصة بعلم الجسد وعلم النفس تُطبق في معالجة المريض كوحدةٍ كاملة.quot; وأصبحت النساء اللاتي تمكن من الإنجاب بنجاح بعد اجتيازهن العلاج بالتحليل النفسي يظهرن ولاءهن الشديد له.ولكن المعاملة الأبوية التي كان يقدمها الدكتور جافرت, وهي النموذج السائد لمهنة الطب الذكورية في الخمسينات, لن تلقى صدىً واسعاً في أيامنا هذه. وكان قد كتب أن على quot;الطبيب الكاهنquot; أن يُفيد من تبعية المرضى له حين تقديم نصائحه.

وناقشت كاثلين دكسون, الفيلسوفة في جامعة بولينغ غرين ستيت والتي درست سيرة الدكتور جافرت, أن تركيزه على مخاوف واضطرابات النساء يجعل اللائمة عليهن بشكلٍ غير مُنصِف. وقالت الأستاذة دكسون أيضاً أن بيانات الدكتور جافرت كانت مثيرة للشكوك. فالتقديرات الرجعية لمستويات الضغط من المحتمل أن تكون خاطئة, كما أنه لم يختبر أبداً نظامه المكوّن من الفيتامينات والعلاج بالتحليل النفسي في أي مرحلةٍ من تجربته الطبية غير المتحيزة.وقد أخفقت الدراسات اللاحقة في إثبات مكتشفات الدكتور جافرت الذي توفي في العام 1981. فقد وجد في دراسة نُشِرت في سجلات علم الأوبئة في العام 2003, بواسطة ديبورا نيلسون المتخصصة في علم الأوبئة في جامعة بنسلفانيا, أنه لا توجد أي علاقة تربط الضغط النفسي وخطر الإجهاض التلقائي.

وبالتأكيد سينتج عن هذه الدراسة عددٌ من الدراسات. ومع أن العلاج النفسي الجسدي لم يعُد له ذلك الطابع المميز الذي اكتسبه يوماً ما, إلا أن الأبحاث في مجال ارتباط العقل بالجسد في العلاج ما زالت مستمرة, بحثاً عن إثباتٍ لمقولةٍ تُنسَب إلى هيبوقراط: quot;أن تَعلَم أي نوعٍ من الأشخاص يصيبه مرضٌ ما أكثر أهمية من أن تعلم أي نوعٍ من الأمراض يصيب شخصاً ما.quot;