د.مزاحم مبارك مال الله: إضافة الى ما هو معروف عن واقع الريف في حرمان المرأة من التعليم سواء لعدم وجود المدارس أو بسبب بعدها عن السكن أو بسبب أعراف وتقاليد هذا المجتمع وقد أدى هذا الحرمان الى تفشي الجهل والأمية وبالتالي الى عدم وجود وعي صحي أو تدني مستواه بين الناس وتحديداً لدى حجر زاوية العائلة ألا ّ وهي المرأة فلازالت الأعراف والتقاليد العشائرية تحكم وتتحكم بأرواح المواطنات العراقيات الريفيات،وقد سببت هذه الأعراف الكثير من حالات الوفيات أو العوق بينهن.وإن جوهر هذه الأعراف يتلخص بنسبْ كل ما يتعلق بأمراض النساء الى الشرف والعفة والكرامة والعورة و..الخ ،ولدينا العديد من الأمثلة المستقاة من الواقع الذي عاشه الأطباء وسجلوها كحالات لاتثير فينا إلاّ الشفقة على هؤلاء النسوة واللاتي كل خطيئتهن إنهن ولدن ويعشن في مجتمع تحكمه تقاليد لاترى الى درب نور العلم أي منفذ :ـ
1.حالة الشابة (التي تبلغ أي بين عمر 12 ـ 15عاماً) ـ
حيث من المفترض أن تعاودها الدورة الشهرية،ولكن (في بعض الحالات بسبب الطبيعة الجسدية ) وبسبب عدم نفاذية الغشاء نرى إن هذه الشابة تعاني وفي كل شهر من آلام في أسفل البطن نتيجة لتجمع الدماء، أضف الى ذلك جهل الشابة نفسها لأنها لاتعرف ولاتعلم شيئاً عن هذه الحالة الفسيولوجية الطبيعية مضاف إليها عدم وعي الأم،وبالنتيجة فهذه الفتاة تعاني ما تعاني الى أن تصل في يوم لاتطيق تلك الآلام وربما تفقد الوعي بسببها،وإذا أضطر أهلها نقلها الى المستشفى فستحتاج هذه المسكينة الى عملية تتسبب في فقدان غشاء البكارة لأجل أن يخرج الدم الفاسد من بين أحشائها،والسؤال كم نسبة هؤلاء الأهالي والذين تحكمهم الأعراف إياها في أن يعطوا موافقتهم على إجراء العملية ؟ ورغم وجود بعض هؤلاء الناس الطيبين ممن يوافقون إلاّ أنهم قلائل جداً،وهنا نقترح بوجوب إستصدار قانون ينظّم إجراءات هذه الحالة الطبيةـ الصحية ـ الإنسانية.
2.الزواج المبكّر ـ
دأبت الغالبية من العوائل الريفية على تزويج بناتهن بوقت مبكر،لأن حيثما بلغت الفتاة فناقوس الزواج يقرع،ومعروف طبياً ونفسياً إن الزواج المبكر للفتيات له مردودات سلبية عديدة بحكم جهلهن النسبي بالحياة وحتى الغرائزية منها وبذلك تتحول تلك الفتاة شاءت أم أبت الى آلة ميكانيكية تؤدي الخدمات التي تؤمر بها.لقد أثبتت البحوث والتي أقيمت على ضوء النتائج السلبية الناتجة عن هكذا زواجات إن العديد منها قد أفضت الى التفريق،أو الى أمراض نفسية معقدة،إن تزويج الفتاة بعمر مبكر سيغتال طفولتها وتُنتزع إنتزاعاً من الحبل السري الذي يربطها بحياة بسيطة خالية من التعقيد والمشاكل والمسؤولية.
3.الزواج بفارق العمر الكبير ـ
وهذه حالة مؤلمة أخرى موجودة في مجتمعنا الريفي حيث شهدت بعض الزيجات فارق بالعمر بين الفتاة وزوجها الذي أختاره لها أهلها كبيراً وفي بعض الأحيان يكون هذا الفارق غير مقبول ولامعقول مما يتسبب بكل تأكيد الى فقدان الأركان الأساسية لإنشاء العائلة فإعتراضنا ينصّب على عدم وجود وشائج التفاهم أو الإنسجام بين الطرفين،والفتاة ستعاني من الصراع النفسي الناتج عن إزدواجية الإحساس بين ما هوأبوي وبين ما هو زواجي أو بين ما هو مرفوض في مشاعرها وأحاسيسها ككائن بشري ،أضف الى ذلك فأن الإقتران الجنسي هو الآخر سيعاني من المشاكل والتي في بعض الأحيان تكون من القساوة بحيث يلجأ هذا الرجل الى إستخدام القوّة ضد الفتاة المسكينة والمحسوبة زوجته !،هذا الضرب أدى في العديد من الحالات الى إنتهاك حرمة الجسَد وأدى الى حصول حالات مرضية وعاهات،ثم عملية إلغاء الرأي والإحساس والمشاعر في تزويج الفتاة تُعد من الأمور القاسية بمعاملة المرأة في الريف،وبالتالي فإن المشاكل الناجمة عن هكذا زيجات هي بالحقيقة جزء من المشاكل النفسية التي تنعكس على المرأة بشكل عام وعلى أطفالها بشكل خاص.
4.حالة عدم الحمل ـ
الكثير من النساء ولأسباب عديدة منها هورمونية أو تشريحية لايحملن،وهناك الكثير جداً من الحالات التي يكون سببها الرجل في فشل الإخصاب وأيضاً ربما تعود الى حالات هورمونية أو مرضية،وبسبب الأعراف والتقاليد العشائرية تجد إن أهل الرجل أو حتى الرجل نفسه يبدأ مباشرة بالبحث عن المرأة البديلة،وفعلاً يتم الزواج الثاني بكل ما يحمل من مشاكل إجتماعية ونفسية عكسية وربما تعاد نفس المشكلة،وربما يحدث زواج آخر.كل ذلك يتم لأن الزوج يرفض إجراء الفحوصات والتحاليل (لأن ذلك يدخل بتجريح الرجولة !) بل يرفض حتى ذهاب زوجته الى الطبيبة لأجل كشف السبب والذي في الغالب من الأحيان يكون بسيطاً،وهذا الأمر الى حدٍ ما ينطبق على ما يتداوله القرويون ويطلقون عليه مصطلح الـ ((جَبسة أو المرة مجبوسة )).
5.حالة الإسقاط المتكرر ـ
ومرة أخرى فهي حالة مرضية معروفة حيث وفي الكثير من الأحيان يكون السبب لاعلاقة له بالمرأة نفسها حيث تلعب الظروف البيئية والصحية وقلة الوعي بحصولها ومثال ذلك الإصابة بمرض القطط (توكسوبلازموسز) وهو مرض يسببه أحد أنواع الجراثيم المَرضية والذي يؤدي الى حصول الإجهاض أو وجود مشاكل بعنق الرحم ،وأيضاً فإن التقاليد والعادات المتخلفة تدفع الزوج للأسف الى الإقتران بإمرأة أخرى (بحجة أن الطفل لم يثبت في بطنها !).
6.ختان البنات ـ
ورغم إنحسارها بالوقت الحاضر إلاّ إنها حقيقة جريمة تقوم بها بعض العوائل الريفية وتحيل البنت من إنسانة يحق لها أن تستمتع بما خُلقت عليه كباقي البشر الى جسد بلا إحساس بل أكرهت على فقدان الإحساس الآدمي الطبيعي،إننا هنا نشبّه هذا الأمر بما يشبه التمثيل بجسد الإنسان الحي وليس الميت إنها تعدي صارخ على حق الأنثى الطبيعي لاتقره أي شريعة سماوية أو وضعية.
7.المرأة هي خادمة تحت الطلب ـ
دأبت العادة أن تكون الأنثى في مجتمعنا بشكل عام وفي ريفنا بشكل خاص بالمرتبة التالية بعد الرجل دون أن نجد التفسير المنطقي لإطلاق هذا الحق،المهم إن الرجل تخدمه المرأة شاءت أم أبت،وبالتالي فإن المعاناة الجسدية والنفسية التي تواجهها المرأة ستكون مضاعفة،هذه المعاناة هي سبب تعرض المرأة الى ضعف الأمراض التي يتعرض لها الرجل.هذا من جانب البيت والزوج والأطفال،ولكن ما يُزيد من الجهود التي تبذلها المرأة أيضاً هو ما يجب أن تقوم به من الإهتمام بالحيوانات الداجنة التي بحوزة العائلة،أضف الى ذلك ما تبذله من جهد جسدي في الزراعة.
8.زواج إبن العم والنهوة ـ
أثبتت البحوث والدراسات العلمية العالمية وعلى مدى عقود إن زواج الأقارب يُعد أحد الأسباب الرئيسة للإصابة أو(على الأقل) لحمل العديد من الأمراض والتي تنتقل عن طريق وبواسطة المورثّات الجينية التي تحملها الكروموسومات،وإن هذه المورثات تشمل كل شئ وأي شئ في جسم الإنسان سواء لون الجلد أو طبيعة الشعر،الطول،الصوت،شكل القدم،وغير ذلك من ملايين الصفلت الوراثية وكذلك فقد إكتشف العلماء أن هذه المورثات تشمل العديد من الأمراض الوراثية فهناك الأمراض التي يكون الإنسان حاملاً لها وليس بالضرورة مصاباً بها وينقلها الى ذريته ولكن تظهرعلى شكل صورة مرض لديهم وخصوصاً إذا كان الطرف الآخر (أي الزوج أو الزوجة) قريباً له كإن يكون إبن عم أو إبن خالة أو إبن خال،فقد لاحظ العلماء إن العديد من هذه الأمراض قد إنتقلت فعلاً الى ذرية العديد من الأزواج الذين هم أبناء عمومة،ولما كانت أعرافنا وتقاليدنا العشائرية تقوم على أساس أن بنت العم يجب أن تتزوج إبن العم لأنه أحق بها (ولانعلم ما مصدر هذا الحق)،وإن إبن العم أولى بها (ولانعلم أيضاً من شرّع هذا العرف)،لذا نجد ووفق الإحصاءات المتاحة إن الأمراض الوراثية بين أطفال الأبوين (أولاد العمومة) أكثر بكثير منها بين أولاد أبوين غريبين عن بعضهما،وما أقسى أن يتعامل بعض الناس ولغاية هذا اليوم مع ما يسمى بالنهوة وهي من العادات والتقاليد البالية التي تستلب حق المرأة أولاً وإجبارها على الزواج من رجل ربما لاترغبه أو غير مؤهّل أو نزولاً عند رغبة العشيرة مع إهمال أي حساب لمشاعرها وأحاسيسها وما يترتب على ذلك من ضغوط نفسية وعصبية تظهر على شكل أمراض جانبية عند المرأة ـ الضحية ـ تؤثر بهذا الشكل أو ذاك على الإستقرار العائلي.

واقع المرأة الصحي في الريف العراقي(1)

يتبع