سوء التوافق الجنسي يزيد من الإصابة بالإكتئاب
الطلاق: نهاية حياة لم تعد قادرة على العطاء (1)


رضوى فرغلى: في لحظة، تتجمد فيها الحياة بين طرفين، ويتوقف نبض الحب، وتصمت المشاعر، ويعلو صوت الأنين والشكوى، يأتى الطلاق كنهاية طريق وحياة لم تعد قادرة على العطاء، حياة أصبحت عبئا على أصحابها بدلا من أن تخفف عنهم أعباء أخرى. حينما خلق الله الرجل والمرأة، خلقهما بعضًا من كل، يعودان ويتحدان مرة أخرى عن طريق علاقة هى من أخص العلاقات وأشملها، علاقة الزواج، وكأن مرة أخرى يعود بعضهم إلى الكل ليكونا نفسًا واحدة، تواجه الحياة بقسوتها ورقتها حلوها ومرها. قد يتعثرا أحيانًا، يلوم أحدهما على الآخر أحيانًا، يتعاتبان ويصفيان، يختلفان ويتفقان، ولكنها الحياة المشتركة التى تحتمل كل هذه المتناقضات، وتستمر طالما لدينا القدرة على الحب والتفاهم والتسامح، وتقوى العلاقة أكثر حينما يهبنا الله الطرف الثالث الذى يقوى بداخلنا حب الحياة، وهم الأطفال .

ولكن قد يحدث أحيانًا ألا يستطيع بعض الأشخاص الاستمرار فى علاقة الزواج لأسباب كثيرة ويكون الانفصال هو نهاية المطاف، سواء كان ذلك بالتراضى فيما بينهم، أم باللجوء للقضاء. ويبقى الطلاق كظاهرة تستحق الدراسة أو المناقشة من جميع الجوانب، لنقف على الأسباب المؤدية له، وهل يستعمل هذا الحق الذى منحه الله عز وجل للرجل بطريقة سليمة؟ وماهى آداب الطلاق؟ وما الآثار السلبية له على الزوجين والأبناء؟ وكيف تستمر الحياة بعد الطلاق بشكل محترم خاصة فى حالة وجود أطفال؟ وأخيرًا هل من سبيل لتفادي الوصول لحافة الطلاق فى بعض الحالات؟ هذا ما يحاول هذا المقال طرحه ومناقشته .

bull;الطلاق النفسى يحدث أولاً
كثير من العلاقات الزوجية تعيش حالة من الفتور العاطفى، وافتقاد المشاعر الدافئة، والتواصل الحميم بين الطرفين، واهتمام كل طرف بالآخر، قد يكون الدافع هو حفظ الهيكل الخارجى للعلاقة، وذلك لأسباب عديدة :
1.الخوف على الأطفال من التمزق بين الزوجين بعد الطلاق.

2.قد لا يكون للمرأة عائل آخر غير الزوج ويتعذر عليها بعد الطلاق الإنفاق على نفسها أو أن تجد من ينفق عليها أو مكان آخر تعيش فيه.

3. رفض الزوج لإتمام الطلاق لما قد يترتب عليه من أعباء مادية.

4.خوف المرأة وعدم قدرتها على مواجهة الحياة بمفردها خاصة وأن المطلقة فى مجتمعاتنا الشرقية تعتبر فرص زواجها مرة أخرى قليلة ويزداد الأمر تعقيدا إن كان لديها أطفال، فلا تجد المساندة الحقيقية إذا تم الطلاق.

5.رفض الأسرة من الطرفين، وخاصة أسرة الزوجة، لفكرة الطلاق وذلك لأسباب شخصية واجتماعية.
ومن هنا تقترب العلاقة الزوجية من الصفر على متصل العلاقات الحقيقية، التى يفترض أنها تدعم وتساند أصحابها نفسيًا، واجتماعيًا، وماديًا، وأخلاقيًا، وعاطفيًا، وتحقق لهم الاستقرار والنجاح والاشباع على كافة المستويات. ويحدث الطلاق النفسى بين الزوجين كمؤشر سلبي لموت العلاقة بشكل حقيقى، أو استمرارها كعلاقة ميتة موت اكلينيكى ـ إن جاز لي التعبير ـ لم تعد تمنح أيًا من الطرفين أي شيء إيجابي، وإنما تسير بقوة دفع الحياة لها . ولكن ما الذي أدى بالعلاقة إلى الوصول لهذا المنعطف الخطير؟

bull;الطلاق ... لماذا ؟
يحدث الطلاق حينما تتعذر الحياة بين الزوجين، كحل أخير لمواصلة كل فرد حياته بمفرده، والحقيقة أن قرار الطلاق لا يتم فجأة، وإنما يكون له أسباب مسبقة، وتراكمات نفسية أصبح من الصعب تجاوزها ، ومشكلات اجتماعية لا يمكن حلها. ومن أسباب الطلاق ما يلى:
1.عدم التوافق النفسى بين الزوجين، بمعنى عدم الانسجام والتناغم بينهما، وعدم التفاهم مما يؤدى لحدوث مشكلات كبيرة لأسباب تافهة وصغيرة .

2.تراكم المشكلات دون محاولة حلها أول بأول، مما يؤدى لبناء حاجز نفسى كبير بين الزوجين نتيجة أن كل طرف محمل نفسيا بشكل سلبى تجاه الطرف الآخر، أو أن يكون محاولة حل هذه المشكلات لا تتم بنجاح فتنتهى بشجار مثلاً أو إنهاء الموقف فقط .
3.أن يكون أحد الطرفين أو كلاهما ليس لديه القدرة على التسامح وصفاء النفس، فنجد أحد الزوجين يظل متذكرًا بشكل قوى كل التاريخ السئ للعلاقة، ومع أول مشكلة تبدأ في اجترار كل المشكلات السابقة، وهكذا فى دائرة مفرغة قد لا تنتهى

4.تحميل كل طرف سبب فشل العلاقة على الطرف الآخر، وعدم وجود شجاعة فى الوقوف مع النفس ومراجعتها بصدق، والاعتذار عما بدر منه .
5.إهانة أحد الطرفين للآخر، وتعمد معاملته بشكل جارح، ويزداد الأمر تعقيدًا إذا تم ذلك أمام الأبناء أو أشخاص غرباء، مما يجعل الآخر يحس جرحًا كبيرًا بكرامته، قد لا يستطيع غفرانه فيما بعد.
6.الخيانة الزوجية، وهى الأمر الذى يستحيل معه الحياة بين الزوجين غالبا، فالخيانة تحدث شرخا نفسيا عميقا فى العلاقة يصعب ترميمه .

7.كثرة القاء الرجل يمين الطلاق على زوجته، واعتباره ذلك أمرًا سهلاً، مما يشعر الزوجة بعدم الأمان، وبأنها خارج العلاقة فى أى لحظة وتحت أى ظرف.

8.عدم تحمل أحد الطرفين أو كلاهما للمسئولية كاملة وبشكل ناضج، وعدم وعيهما بأن علاقة الزوجية هى شراكة قائمة على الاختيار وبالتالى تحمل مسؤولية هذا الاختيار، وتحمل إقامة منزل وتربية أبناء ليس لهم أدنى ذنب فى علاقة فاشلة ويكونون هم الضحية الأولى لهذا الفشل .
9.عدم إلتزام كل طرف بما عليه من واجبات، فنجد بعض الآباء يسرفون فى نفقاتهم الخاصة ومتعتهم، متناسين تماما ماعليه تجاهم أسرتهم وأبنائهم .

10.فى ظل ظروف الحياة المتغيرة، وعمل المرأة ، أصبح بعض الزوجات ينظرن للواجبات الأسرية نظرة مختلفة، وأنه يجب على الزوج أن يشارك فى زوجته فى أعمال المنزل مثلاً، أو مذاكرة الدروس للأبناء، والانخراط أكثر فى مشكلات المنزل، بدلا من ترك كل شئون الأبناء والمنزل للزوجة وحدها. وحينما لايكون الزوج متفهما لطبيعة دوره العميق بالنسبة للأسرة والأبناء، وأن عليه تقاسم الحياة مع زوجته للوصول بالأسرة لبر الأمان، فإن ذلك يخلق شقاقًا كبيرًا بينهما، وحتى إن قبلت الزوجة مضطرة هذه الأدوار كلها وحدها تفاديًا لمشكلات كبيرة قد تحدث، تعيش الزوجة مضطرة، وتعاني ضغطًا نفسيًا كبيرًا ، يؤثر فيما بعد على العلاقة بكل جوانبها، لأن بداخلها صورة الزوج المتخلى عنها وعن واجباته كزوج وأب، وليس بنكًا للمال فحسب، خاصة وأنها أصبحت شريكة له فى جلب هذا المال .
11.هناك بعد آخر، لا يقل أهمية عما سبق، بل قد يزيد، وهو البعد الجنسى، أو عدم التوافق الجنسى بين الزوجين وهو غالبا ما يكون جانبا غير معلن من الطرفين كبقية الجوانب لأسباب كثيرة. فالعلاقة الجنسية بين الزوجين تتمتع بقدر كبير من الخصوصية والأهمية أيضا، ونجاحها أو عدم نجاحها يشكل عنصرا أساسيا فى استمرار العلاقة بينهما وأيضا فى درجة الرضا عنها وعن الحياة بعامة. ففى دراسة بريطانية متخصصة عن العلاقة بين التوافق الجنسى بين الأزواج والرضا عن الشريك والحياة بشكل عام، توصلت نتائجها إلى أن كلما ارتفع رضا الأزواج عن علاقتهما الجنسية، ارتفع بالتالى مستوى الرضا عن الحياة لديهما. وينعكس ذلك على التعامل اليومى بينهما، كذلك تنخفض بينهما الإصابة بالأمراض النفسية كالاكتئاب مثلاً مقارنة بالأزواج الذين يعانون سوء التوافق الجنسى بينهما، أيضًا تزداد لدى المتوافقين جنسيًا القدرة والكفاءة فى العمل ، وعلاقتهما بالآخرين. خاصة إذا ارتبطت العلاقة الجنسية بالعلاقة العاطفية القوية. ومن هنا نرى أن عدم رضا أحد الزوجين عن الآخر وعدم اشباعه جنسيًا، يزيد من التوتر اليومى بينهما، وتظل العلاقة ينقصها شيء مهم جدًا، قد لا يستطيع أحدهما أحيانا، وخاصة الزوجة، الإفصاح عنه، ولكنه يهدم البناء التحتى للعلاقة، وفى أحسن الأحوال يؤدى للطلاق. هذه وغيرها من الأسباب التى قد تجتمع لدى بعض الأزواج، فلا يستطيعون التعايش معها أو مواصلة حياتهم، فيفضلون الطلاق أو الإنفصال.

في الجزء الثاني للموضوع سيتم مناقشة:
1.الطلاق ... أحيانًا يكون سلطة فى يد من لا يستحق.
2.كيف يؤثر الطلاق على الزوجين والأبناء؟
3.آداب الطلاق.
4.كيف يمكن تفادي الوصول للطلاق؟

باحثـة ومعالجة نفسية
[email protected]