اعاد فريق من العلماء بناء التاريخ البيولوجي لنوعين من السرطان في اختراق وراثي يبشر بتحويل علاج المرض طبيًا

عبد الاله مجيد: اعاد فريق من العلماء بناء التاريخ البيولوجي لنوعين من السرطان في اختراق وراثي يبشر بتحويل علاج المرض طبيًا. ويكشف هذا الاختراق العلمي الأول من نوعه ، عن كل طفرة وراثية مر بها المرضى في زمن حياتهم متسببة في نهاية المطاف في تحول خلايا سليمة في أجسامهم الى اورام.

وتتيح الطريقة التي توصل اليها العلماء أن يلقي الأطباء نظرة متبصرة على الأسباب البيولوجية للسرطان عند المريض وتشكل علامة بارزة على طريق التقدم نحو علاجات quot;مشخصنةquot; ضد السرطان واستراتيجيات وقائية ضد المرض.
ونقلت صحيفة quot;الغارديانquot; عن مايك ستراتون الرئيس المشارك لمشروع جينوم السرطان في معهد ويلكم ترست سانغر قرب كامبردج قوله quot;ان هذه لحظة أساسية حقا في تاريخ ابحاث االسرطانquot;.

أخذ الباحثون خلايا مريضة من رجل في الخامسة والأربعين مصاب بسرطان الجلد الذي يسمى ورم الميلانوما الخبيث malignant melanoma ومن رجل في الخامسة والخمسين مصاب بسرطان الرئة ثم استخدموا آلات متطورة لترتيب السلسلة الجينية من اجل قراءة الخريطة الكاملة أو جينومات الخلايا السرطانية والأنسجة السليمة المأخوذة من نفس المرضى على السواء.
وبمقارنة البناء الوراثي للخلايا المريضة والخلايا السليمة وضع العلماء كاتالوجات لكل الطفرات التي لم يُعثر عليها إلا في الانسجة السرطانية. وغالبية هذه الأعطاب ليست مؤذية ولكن تحدث بين حين وآخر طفرة تسبب تلفا كبيرا يدفع الخلية الى الاقتراب من التحول الى خلية سرطانية.

ركز العلماء على سرطان الجلد والرئة لأن الأسباب البيئية اسباب معروفة في الحالتين. فان غالبية سرطانات الجلد ناجمة عن التعرض المفرط في الطفولة الى اشعاعات فوق بنفسجية في ضوء الشمس في حين ان التدخين سبب كل سرطانات الرئة تقريبا.
في حالة المريض المصاب بسرطان الرئة اكتشف العلماء 23 ألف طفرة في الخلايا المريضة حصرا. وكانت كلها تقريبا ناجمة عن 60 مادة كيمياوية أو نحو ذلك في دخان السيجارة تلتصق بالحمض النووي quot;دي ان ايquot; وتشوهه. وقال بيتر كامبل الذي قاد الجزء المتعلق بسرطان الرئة من البحث ان بالامكان القول quot;ان طفرة واحدة تُثبَّت في الجينوم عن كل 15 سيجارة يجري تدخينها. وهذا أمر مخيف لأن كثيرين يدخنون علبة في اليومquot;.

يتسبب سرطان الرئة في واحدة من بين كل سبع وفيات في بريطانيا ويكاد يكون عصيا على العلاج. وان اقل من 10 في المئة من المصابين به في بريطانيا يعيشون أكثر من خمس سنوات بعد تشخيص المرض لديهم. ويقل خطر الاصابة بالمرض بدرجة حادة لدى المدخنين الذين مرت اكثر من عشر سنوات منذ اقلعوا عن التدخين.
اما ترتيب التسلسل الجيني لخلايا سرطان الجلد فانه كشف عن 33 ألف طفرة سببها التعرض الى ضوء الشمس مباشرة.

لدى البشر 23 زوجا من الكروموسومات التي تحمل مادتنا الوراثية في شكل ثلاثة مليارات زوج من الحروف. ورأى العلماء لدى المريضين انواعا مختلفة من الطفرات أكثرها شيوعا الطفرات النقطية التي تغير حرفا من حروف الشفرة الجينية الى آخر. وكانت طفرات أشد تعقيدا ترتبط بتسلسلات مفقودة أو اضافية في المادة الوراثية. وكانت الكروموسومات تنشطر احيانا أو تندمج بطريقة خاطئة.

وقال ستراتون ان العملية شبيهة بالحفريات الأثرية. إذ تتوفر لديك مخلفات أو بصمات من كل هذه العمليات الجارية منذ عشرات السنين قبل ان يحدث السرطان.

وقالت صحيفة quot;الغارديانquot; ان من المرجح ان يسفر التقدم المتسارع في التكنولوجيا الوراثية عن تحول التقنية المكتشفة في هذا الاختراق الى طريقة اعتيادية في معالجة مرضى السرطان خلال السنوات العشر المقبلة. وقدَّر علماء معهد سانغر كلفتها بمئة الف دولار للفرد قبل أشهر قليلة ولكنهم يتوقعون ان تنخفض الى 20 الف دولار خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة.
هذا البحث هو الأول الذي تقدمه مجموعة عالمية تعكفغ على تحليل البناء الوراثي لخمسين نوعا مختلفا من انواع السرطان. ومن شأن المشروع الذي حُدِّد له عشر سنوات ان يساعد الاخصائيين بأمراض السرطان على معرفة طفرات معينة وراء كل نوع من الورم. وبفهم مواطن الخلل الوراثي في السرطانات الشائعة يأمل العلماء في انتاج عقاقير أشد فاعلية وأكثر دقة ضد السرطان. وعلى المدى القريب يتوقع الباحثون تطوير اختبارات للدم تلتقط اشارات الى عودة السرطان في مرضى أُخضعوا لجراحة أو العلاج الكيمياوي.
نُشرت نتائج البحث الجديد في مجلة quot;نيتشرquot; العلمية.