الكاتب والمفكر الفرنسي رونو جيرار في حديث خاص مع إيلاف حول كتابه الجديد:
حرب إسرائيل الفاشلة ضد حزب الله
نصر الله أصبح نجماً عالمياً وأعتقد أن الشخص الوحيد الذي يجب أن يكون مستاءاً وغاضباً من ذلك هو أسامة بن لادن


باريس من فهد الأرغا المصري: حرب إسرائيل الفاشلة ضد حزب الله عنوان الكتاب الجديد ل رونو جيرار كبير محرري يومية الفيغارو، وأشهر مراسل عسكري فرنسي، و الصحفي الأجنبي الوحيد، الذي رافق جنود لواء غولاني، خلال عملية التوغل العسكري الإسرائيلي في جنوب لبنان. جيرار والذي سبق له أن أثار زوبعة سياسية، وإعلامية، في كتاب سابق له، حمل عنوان quot;لماذا يقتتلون..؟ رحلات عبر حروب الشرق الأوسط quot; مدرّس القضايا الاستراتيجية في كلية العلوم السياسية في باريس، والمستشار الأعلى للمدير السابق لجهاز المخابرات الخارجية الفرنسية (التابع لوزارة الدفاع) ، والمصنف كأفضل صحفي في فرنسا العام الماضي، خريج المدرسة العليا للمعلمين، التي مر بها عدد كبير من مفكري فرنسا، مثل ريمون آرون، وجان بول سارتر، و خريج المدرسة العليا للإدارة، والتي تعتبر المصنع الحقيقي لرجالات السياسة الفرنسية، ومنها تخرج الرئيس الحالي جاك شيراك.
إيلاف التقت جيرار في حوار خاص للتعرف على مؤلفه الجديد الذي يروي فيه مشاهداته من واقع تجربته في معايشة الحرب الإسرائيلية التي لامس خلالها، وعن كثب تفاصيل رحى معاركها ضد حزب الله ، ويقدم الكاتب سبراً لمجريات المعارك، بنظرة الخبير السياسي، والإعلامي، وتحليله لواقع المنطقة سيما وأنه عايش كافة حروب العالم، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص على مدار ربع قرن:

إيلاف: لماذا فشلت إسرائيل في حربها ضد حزب الله ؟
رونو جيرار: لأن الأهداف التي أعلنت للمجتمع الإسرائيلي لم تتحق في هذه الحرب، فقد كان هناك هدفان من ورائها ففي 12 تموز 2006 أعلنت حكومة إسرائيل، أن هدفها الأول تحرير الجنديين الإسرائيليين اللذين احتجزهما حزب الله،عندما تجاوزت قواته الحدود الدولية أما الهدف الثاني، فقد تمثل،بتدمير كامل قوى حزب الله، وخلاياه، ونزع سلاحه، إلا أن الهدفين لم يتحققا،ولن يتحققا في المستقبل.اليوم الحكومة الإسرائيلية، لديها نظام جديد في هذه القضية، فهم طلبوا من الأمم المتحدة التدخل لإطلاق سراح الرهائن، مقابل تقديم بعض التنازلات .
شارون نفسه بادل حزب الله جثث ثلاث جنود إسرائيليين ومواطن إسرائيلي يتاجر بالمخدرات مقابل 430 معتقل لبناني.
أما بالنسبة للهدف الثاني، فإن حزب الله،لن يتخلى أبداً عن سلاحه، أو خلاياه، أو تنظيمه العسكري، فجنود حزب الله لن يتخلوا عن أسلحتهم، فيوماً يكونوا مدنيين، ويوماً عسكريين، ويتخفون بين نسيج الشعب دون أن يعرفهم أحد.، زميل لي خلال الحرب، سألهم هل ستتخلون عن سلاحكم؟ قالوا نعم ! ولكن للإمام الثاني عشر!!! عندما يظهر، وفقط للإمام الثاني عشر. يجب أن نأخذ نوعية مقاتلي حزب الله بعين الاعتبار، لأنهم تمكنوا من قتل 117 جندي إسرائيلي، إنه أمر يدعو للضحك سماع إسرائيل أنها ستقضي عليهم.
لقد اتبعت إسرائيل سياسة خاطئة بضرب البنى التحتية اللبنانية، لاعتقادها بأن ذلك سيجعل اللبنانيين يثورون ضد حزب الله، وينزعون سلاحه، لكن ما حصل العكس تماماً، فالشعب اللبناني تعاطف مع حزب الله ، وبدلاً من أن يتفرقوا، كانوا أكثر تمسكاً بوحدتهم.
إن القصف الوحشي للمدنيين بهذا الشكل عبر التاريخ لم يؤدي إلى نتيجة جدية أبداً، فنلاحظ أنه تمت تجربة ذلك في الحروب العالمية، ولم تعطي نتيجة، فعندما ضرب هتلر لندن، لكي يثور الشعب ضد حكومته حصل العكس، فتوحد الشعب الإنكليزي مع الحكومة ضد الألمان وانتصرت إنكلترا.
الإنكليز، والأمريكان ، حاولوا قصف ألمانيا، ولكن ذلك وحد الشعب الألماني أيضاً، وقاتل حتى النهاية. إذاً هذه كلها دروس من التاريخ، ولا ننسى أيضاً ،درس فيتنام ، فالحرب لم تعطي نتيجة أيضاً ، قنابل كثيرة ألقيت على فيتنام ، إلا أن الأمريكان ذهبوا، وبقيت فيتنام، والشعب الفيتنامي.

إيلاف : كيف كان قرار الحرب الإسرائيلية ضد لبنان كان سريعاً وسيئاً؟
رونو جيرار: القرار السيئ لإسرائيل، أنها ذهبت بحرب جوية، معتقدة بأنها ستأتي بنتائج، ولم تستفد من تعاضد، وتعاطف دولي كبير معها، وكانت غلطتها الكبرى، بالعجلة في هذه الحرب.الإسرائيليون جربوا عام 2000 الانسحاب من طرف واحد، ويعرفون تماماً قدرات حزب الله. إن حزب الله كان مستعداً للحرب منذ ست سنوات ، فالانسحاب الأحادي عام 2000 لم يكن ذا نتيجة مجدية، فحزب الله عدو خطر.
إن حزب الله ، هو الذراع العسكرية لإيران ، وهم لا يعترفون حتى الآن بوجود إسرائيل ، والآن تكتيكياً كيف سيقاتلون؟ هل ستؤدي دبابة الميركافا إلى نتيجة؟! يجب على الإسرائيليين إذا فكروا بحرب أخرى، أن يستعدوا لها بتكتيكيك مختلف، فالدبابة لا تصلح لمثل هذه المعارك، يجب ابتكار تكتيك جديد، وفي هذه الأثناء، فإن الحرب سياسية ، وإعلامية، كان على الإسرائيليين، أن يقنعوا الأوربيين، والأمريكيين، بأهمية القرار 1559، ووجود قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية الإسرائيلية ،ولكن بدلاً من ذلك، استعجل الإسرائيليون ، وأطلق رئيس أركانهم تصريحات متعجرفة ، بأنهم سيعيدوا لبنان 20 سنة للوراء ، وكان إعلامهم غبياً ولم يعترف الإسرائيليون بأخطائهم.
كيف يمكن أن يقنعوا العالم بعد هذه التصريحات ، بأنهم ليسوا في حرب ضد لبنان، بل ضد حزب الله ! إذاَ كانت حرب غير منظمة، وفوضوية، وغير مدروسة، وكان يجب الرد على اختراق حزب الله، ولكن بعقلانية ، فأي دولة في العالم، لن تقبل بأن تقوم فرقة كوماندوز عسكرية باختراق حدودها، فدولة الإمارات مثلاً، لن تسمح ولن تقبل قيام فرقة كوماندوز إيرانية اختراق حدودها ، وترابها الوطني، لتختطف رهينتين، وبالطبع الإماراتيون لن يكونوا سعداء بذلك، وسيكون هناك تذمر، ورد على ذلك.

إيلاف : خلال مرافقتك لجنود لواء غولاني ما هي مشاهداتك لكلا الجانبين؟
رونو جيرار: لقد دخلت جنوب لبنان، كصحفي، مع وحدات عسكرية إسرائيلية مدرعة في الجنوب، لقد كان الجنود الإسرائيليون، خائفون ومذعورون، من القذائف، والكاتيوشا ، التي يطلقها حزب الله،ولم أشاهد المدرعات تتجول في النهار، بل يفضلون الليل فقط رغم أنهم داخل مدرعاتهم !! ومن جهة أخرى، رأيت الكثير من القتلى، والجرحى الإسرائيليين، لكن لم نرى أي قتيل، أو جريح ،أو سجين من عناصر حزب الله،لأنهم لا يتركوا أي نقطة من نقاط تبادل إطلاق النار مع الإسرائيليين، قبل سحب من سقط منهم.
النقطة الثانية زملائي الصحفيين على الجانب الآخر، في الجنوب اللبناني، قالوا لي لم نرى أمامنا أي جندي من جنود حزب الله، لأنهم كانوا عبارة عن أشباح ،بالفعل كانت الحرب حرب أشباح.
الإسرائيليون ذهبوا إلى بنت جبيل، وكان لديهم بعض القتلى، والجرحى لكن حزب الله استعاد البلدة دون أن نرى أحدا منهم، كانوا مختبئين، ومختفين في أنفاق، يمكن أن يبقوا فيها ثلاثة أو أربعة أيام، وبعد ذلك يخرجوا فجأة، لإطلاق الصواريخ.
بالنسبة لحزب الله، المهم في تكتيكاتهم العسكرية عدم التمسك بالأرض، أو الموقع، الأهم بالنسبة لهم قتل اكبر عدد من الإسرائيليين، لأن هذا سيضمن لهم النصر، والشهرة في العالم العربي، ومن الجماهير العربية المتعطشة لمثل هذه الإنجازات.
في الشارع العربي، لست متأكداً من أنه بالنسبة للحكومات السنيّة، في دول الخليج أو حتى في مصر، سيكونوا سعداء بمثل هذه الإنجازات، والدور الذي تقوم به إيران الشيعية، لمحاولة السيطرة الفارسية على العالم العربي الإسلامي، لا اعتقد بأن تلك الحكومات ترحب بذلك.
الشارع العربي في دمشق، وعمان ، والقاهرة، وغيرها، حسن نصر الله أصبح بطلاً كبيراً !!نصر الله اليوم، وبفضل قتله للجنود الإسرائيليين في بنت جبيل، أصبح الزعيم الوحيد في العالم العربي ،لا أعرف أحداً آخر!! كان هناك ناصر في مرحلة ما ، أما اليوم إنه نصر الله !

إيلاف : خلال الحرب زرت مرتفعات الجولان المحتلة،هل كان هناك انتشار عسكري إسرائيلي هناك أو استعدادات لشن ضربات ضد سورية، وما هي مشاهداتك للجانب السوري الذي أعلن بأن الأوامر أعطيت للرد على أي عدوان كان دون العودة للقيادة ؟
رونو جيرار: زرت مرتفعات الجولان خلال الحرب، ووصلت حتى المنطقة الحدودية ،في قرية مجدل شمس، ولم ألاحظ أي انتشار عسكري إسرائيلي !! بل على العكس الإسرائيليون كانوا في وضع مريح جداً !!وكذلك على الجانب السوري !!(؟!) لم أشاهد أي تغيير، الجانبان في وضع مريح جداً , بالنسبة لسوريا،فالأمر سهل جداً أن تقود حرباً بالوكالة ،بدلاً من أن تقوم بها بنفسها.
الحرب الأخيرة التي خاضتها سورية بنفسها ضد إسرائيل (في لبنان 82) خسرت فيها 115 طائرة حربية، ولا اعتقد اليوم ، بأن سوريا راغبة بتكرار التجربة، إذاً تقوم بالحرب عبر حزب الله، هذا خيار عملي أكثر بالنسبة لنظام دمشق، وبالتأكيد هذا ما جعل النظام السوري يستحق التصريحات التي أدلى بها جنبلاط عقب خطاب بشار الأسد،عندما وصف بعض اللبنانيين، بالعملاء ،والمتعاونين مع إسرائيل ، فرد جنبلاط حينها: لم نراكم كثيراً خلال هذه الحرب !!!(رونو جيرار ضاحكاً) لم نراكم أبداً.......!!!!!!!!
إذاً لا أعتقد نهائياً أن النظام في دمشق ، راغب فعلاً باستعادة الجولان، وهو ليس أمراً مهماً بالنسبة لهم، أعتقد أن المهم في العالم العربي، ومنذ عقود، أن يستخدموا إسرائيل، كعدو خارجي يستطيعون بذلك ضمان وحدتهم الوطنية من جهة ، وترسيخ الديكتاتورية ، وأنظمتهم ،بما يضمن بقائهم في الحكم، ونستطيع حينها القول، بأنه ليس لدينا تطور سياسي، أو تنمية اقتصادية ، أو حريات، لأن لدينا سبباً وجيهاً، ومبرراً ، هو أننا في حرب ضد إسرائيل، وبالتالي نستمر في الحكم إلى مالا نهاية.

إيلاف: انتهت الحرب أو ربما توقفت أو أوقفت وجاء المهرجان الجماهيري لنصر الله في بيروت التي احتفل فيها حزبه بالنصر واعتبره نصراً إلهياً إذاً كيف كان وقع الهزيمة إسرائيلياً؟
رونو جيرار: نصر الله تغنى كثيرا بهذا النصر، نصر الله رجل يمارس السياسة في الحروب غير المتكافئة، شئ مذهل أن يتمكن بعدد قليل من المقاتلين، إلحاق خسائر عسكرية بالجيش الإسرائيلي، إنها هزيمة معنوية، ونفسية، من السهل أن يقول انه ربح الحرب، فإن كان لديك 15 ألف منزلاً مدمراً، و1200 مدني قتيل، وكل البنى التحتية للبلد مدمرة أنطلق على ذلك حرب رابحة؟!!! أتمنى على السيد حسن نصر الله أن يحدد لنا مفهوم الحرب الخاسرة، وماذا تعنيه؟! فمن المهم جداً أن نعرف إن كانت هذه حرب رابحة فماذا تعني الحرب الخاسرة؟!
نصر الله ليس نجماً إقليميا فحسب، بل أصبح نجماً عالمياً ،واعتقد أن الشخص الوحيد الذي يجب أن يكون مستائاً، وغاضباً من ذلك ،هو أسامة بن لادن،لأن نصر الله ، وهو الشيعي،أوضح للسني المتعجرف (بن لادن)، بأنه نزع عنهم صفة النجومية، والجهاد.
أسامة بن لادن سيكون حسوداً، وغيوراً، من نجاح نصر الله في العالم العربي، والإسلامي، فرجل شيعي، ولأول مرة يصبح بهذه الشهرة، كما كانت عليه الحال في الثمانينات، مع آية الله الخميني، لكن هذه الشعبية زالت مع الحرب العراقية الإيرانية، الآن لدينا نجم نجح في صعود سلم النجومية.
ثانياً وبشكل لا يمكن أن نجادل به في لبنان، أصبح نصر الله لاعباً رئيسياً، لا يمكن التحكم به، أو تجاهله في الساحة، والسياسة اللبنانية.
ثالثاً: إن المنتصر الحقيقي هو إيران !! اليوم إيران أصبحت في قلب معادلة الشرق الأوسط ، أما سوريا فقد تكبدت خسائر فادحة وكبيرة نتيجة مقتل الحريري ، وانسحاب جيشها من الأراضي اللبنانية.
الدبلوماسيون الفرنسيون سارعوا، للقاء الدبلوماسيين الإيرانيين في طهران، بسبب هذه الأزمة، فإيران أثبتت أنها تستطيع لعب دور بالوكالة، في موقفها المتحدي في المجتمع الدولي، حيث رأينا أن احمدي نجاد يتحدث، وبدون أية عقد، عن طموحاته النووية.
أنا لو كنت إماراتيا سيساورني شعور بالقلق، من إيران الشيعية، والنووية، لأن الهدف القادم لإيران، ليس إسرائيل،لأن ليس لديهم القدرة على مواجهة الإسرائيليين،الذين يمتلكون 200 راس نووية، وتستطيع إسرائيل محو إيران في ثلاث دقائق عن وجه الأرض،ولكن في المقابل ستقوم إيران، بضغوط عسكرية على الإمارات، فالإيرانيون يصرفون أموالا طائلة من اجل مشاريعهم النووية، والعسكرية، رغم نسبة الفقر الكبيرة لدى الشعب الإيراني، ووجود انفجار ديموغرافي، بينما في الطرف الآخر من الخليج، هناك نفط وثراء كبير، لعدد ليس بكبير من الشعوب، وبالتالي فإن القنبلة النووية، ستساعد إيران على إنجاح مثل هذه المطامع، والضغوطات، فهل الدول الخليجية السنيّة قادرة على التكتل، للانضمام تحت الجناح الإيراني؟!!

إيلاف: تزامن ارتفاع أسعار البترول في الآونة الأخيرة مع بروز الأزمة النووية الإيرانية مع المجتمع الدولي وعاشت الدول النفطية العربية طفرة اقتصادية وفي نفس الوقت صرح مسؤول كبير في البنتاغون بأن كل دول الشرق الأوسط دون أي استثناء تقدمت بطلبات لشراء الأسلحة فمن المستفيد من الأزمة؟
رونو جيرار: لو كانت السياسة الأمريكية ميكافيلية، وذكية لكان ذلك، لكنها شيطانية !! إلا أن الأمور لا تسير على هذا المنحى، بل بشكل غبي.
إن الأمريكيين يعتقدون، وبشكل كبير، ويتوهمون، بأن الديمقراطية يمكن تصديرها، وإنزالها بالمظلات، إن هذه أفكار ساذجة، فجورج بوش لم يفتعل الحرب من اجل البترول فقط ! لأن العراقيين كانوا أول من باع البترول للأمريكيين، إذ أن 80 % من بترول صدام حسين، كان من نصيب الشركات البترولية الأمريكية. أعتقد أنه الجنون الإيديولوجي للمحافظين الجدد، فالأمور ليست بهذه العقلانية عندما يكون هناك نظرة للتطور التاريخي، فرجال السياسة الذين يعتقدون بأنهم يخاطبون الله مباشرة، هم رجال خطرون جداً ! مثل نصر الله أيضاً ! لا اعتقد أنه بالنسبة للسياسة هناك أمور ثابتة أو مستقرة.

إيلاف : لكن هل تعتقد أن السلاح الأمريكي سيحفظ أمن الدول التي تشتريه؟
رونو جيرار: الخطر الحقيقي لا يكمن هنا، لذلك يحاول الأمريكيون منع إيران من الوصول إلى القدرات النووية، لكنهم لا يستطيعون الهجوم عليها، لأنهم متورطين في العراق،وهنا مخاطر القوة والسيطرة الأمريكية إذ لم يعد أحد يخشى الأمريكان بعد ورطتهم العراقية.
ماذا سيحدث؟ الإيرانيون سيحصلون على القنبلة النووية!! وبالتالي، هناك عدة دول غنية ستقول حينها لماذا إيران وليس نحن؟ ! هناك دول لديها المال،كالعربية السعودية، والإمارات ، والجزائر الخ.. هذه الدول سترغب أيضاً بامتلاك القوة النووية، وبالتالي سيتطور مسلسل البرامج النووية في العالم العربي،والإسلامي ، ولا نستطيع حينها أن نعرف ،أو نستثني إحدى تلك القنابل التي ربما تختفي في مكان ما، وهذا سيكون بمثابة بداية للحرب العالمية الثالثة وهي حرب نووية.

إيلاف: وكيف تنظر إلى مخاوف بعض الدول العربية مما أسموه الهلال الشيعي الممتد من إيران عبر العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان لا سيما بعد هذه الحرب؟
رونو جيرار:هناك سيطرة، وتدفق شيعي واضح ،وهناك سنة لبنانيون مذهولون بنصر الله. يجب أن نعلم أنه منذ الشيخ موسوي الذي اغتيل عام 92 وخلفه نصر الله هناك عناصر يقاتلون عن عقيدة، وقناعة، إنهم يؤمنون بما يقولون، تماماً كالرئيس أحمدي نجاد ! إنهم لا يسعون من أجل المال والثروة.
هؤلاء الرجال لديهم عقيدة، ومنطق خطير، لأن له صلة بالدين، وهذا منطق خطير جداً جداً ،إنه المنطق الذي دفع باليهود المتطرفين إلى قتل إسحاق رابين، إنه نفسه منطق البروتستانت المتطرفين في الولايات المتحدة ،الذين يعتقدون بأنه لا يمكن المفاوضة على فلسطين، لأنها ارض للشعب اليهودي، وخاصة اعتقادهم أن المسيح سيبعث هناك، على ارض فلسطين، وسيجعل الناس كلها تتبع المسيحية، وهذا يعني انه نفس المنطق الوهمي الديني عند بن لادن ، من أجل إعادة الخلافة، لأنه يعتقد بأن معجزة عودة الخلافة ستدفع بالعالم الإسلامي، إلى التطور إن كان هناك خليفة !
عندما يتدخل الدين بالسياسة ، فالأمور ستودي إلى أمور هدامة ، ونذكر تماما في فرنسا، عندما حصلت حروب الأديان عام 1570 كان المسيحيون البروتستانت أقلية دينية تعرضت لاضطهاد الكاثوليك في عهد حكم كاترين ميدي سيس، إذ قام الكاثوليك برمي البروتستانت في نهر السين بباريس في المذبحة المشهورة مذبحة بارتيميلي ، وهذا شيء مفزع وعنيف، فالحروب لم تقتصر على صراع بين الإسلام والمسيحية، فعندما يتكلم بن لادن عن الحروب، والحملات الصليبية يؤكد تماماً بأنه يجهل التاريخ عن تلك الحروب.
هل يعلم بن لادن بأن الصليبيين ارتكبوا اكبر مذبحة بحق أبناء جلدتهم في بيزنس، المعروفة اليوم باستانبول، حيث ارتكبت مجازر بحق المسيحيين الأرثوذكس، لوجود خلاف ديني بينهم وبين الكاثوليك؟ ونعلم أنه في هذه المواجهة إسلام، ومسيحية ، بأن رجلاً كصلاح الدين الأيوبي والذي كان كردياً أظهر الكثير من التسامح مع المسيحيين، هذا شأن الأرض المقدسة (فلسطين) وكذلك الإداريين المسلمين خلال الحكم العثماني شجعوا الحج المسيحي إلى القدس.
اليوم عندما زرت كنيسة القيامة في القدس كان الحارس الذي يفتح بابها، والمأمون على أمنها مسلماً، فالمسيحيون وجدوا أنه لتجنب الخلاف بين الطوائف المسيحية المختلفة على أمن الكنيسة بإعطائها لرجل مسلم، وهذا يضمن عدم تصادم المسيحيين فيما بينهم.الخطورة الحقيقة في الشرق الأوسط أن هناك مقاربة دينية مع السياسة.

إيلاف: اليوم ومع انتشار قوات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة هل تعتقد بأنها ستتمكن من منع نشوب صراع جديد بين إسرائيل وحزب الله ؟
رونو جيرار: لبنان يجب أن يخرج من هذه اللعبة، ومن معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وماذا سنفعل بعد ذلك بحزب الله؟ إن حزب الله حزب سياسي، له طموحات رئيسية في لبنان، داخل الطائفة الشيعية، لذلك يجب إدماج حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية ،وحزب الله منظم وشديد التنظيم .
لقد شاهدت بنفسي عندما انسحب الإسرائيليون من لبنان في شهر أيار / مايو عام 2000 من جنوب لبنان حيث تخلى الإسرائيليون عن حلفائهم المسيحيين، فقام حزب الله فوراً، بأخذ مواقع الإسرائيليين بشكل نظامي وكانت تعليمات الحزب، أن لا يصاب أي مسيحي بأي أذى، أو أي ممارسات خاطئة، ولم يخترق احد هذه التعليمات، لذلك فهو حزب مسؤول.
من الصعب تقنياً الآن على حزب الله، أن يقوم بهجوم جديد ضد إسرائيل، ولأن حزب الله قبل بوجود قوات متعددة الجنسية ،وأعتقد الآن أن حزب الله ، لديه برنامج وأجندة مختلفة. هناك بعض اللبنانيين يتساءلون ما هي مصلحة لبنان في هذه الحرب التي قام بها حزب الله؟ لا أعتقد أن الحرب ستستأنف من جديد لكننا الآن في حلقة مفرغة من العنف إذا لم نتمكن أبدا من العودة إلى الدائرة الحقيقية، فسيعرف الشرق الأوسط حربا أكثر دموية.الحلقة المفرغة ما هي؟ عندما قرر الإسرائيليون الانسحاب فورا من الجنوب دون مفاوضات !!

إيلاف: لكن هذا الانسحاب في 24 مايو / أيار 2000 تزامن مع تدهور صحة الرئيس الراحل حافظ الأسد و الذي أعلن نبأ وفاته في 10 حزيران من نفس العام أليس كذلك؟.
رونو جيرار: حزب الله تغنى بالنصر، واستخدم الانسحاب في حربه السياسية، والإعلامية.نصر أحسن تماما استخدام ذلك، وقام بخطاب في بنت جبيل قمت بحضوره شارك فيه أكثر من 100 ألف مناصر لحزب الله، حيث خاطب فيها الفلسطينيين، وقال لهم اتبعوا نموذجنا ! الحوار، ومفاوضات السلام لا تعطي أي نتيجة، لا يخدم شيئا الحديث عن السلام! اللغة الوحيدة التي يمكن أن تخدم، هي لغة السلاح، لقد حررنا أرضنا افعلوا ذات الشيء، وبعد ثلاثة اشهر في سبتمبر 2000 بدأت الانتفاضة الفلسطينية المسلحة ! إذاً بالطبع انه ليس انتصارا عسكريا لحزب الله ضد إسرائيل. الانسحاب الذي قرره حينها أيهودا باراك، لكن نصر الله اظهر للبنانيين، وللعالم العربي بأن ذلك نصر كبير. حزب الله نشأ من حركة صغيرة، من لا شيء عام 82 بفضل دعم مالي، وعسكري ،ومعنوي، وعقائدي من الحرس الثوري الإيراني ، مما دفعها لتكون قوة، وكما نعرف أنه في حزيران 82 القوات الإسرائيلية التي دخلت الأراضي اللبنانية لتدمير منظمة فتح الفلسطينية قام الشيعة في الجنوب باستقبال الدبابات الإسرائيلية بالورود والرز، مما اقلق إيران، وأرسلت تعزيزاتها عبر الحرس الثوري، وأرسلت التعزيزات، وبدؤوا ينجحون بالقيام بتفجيرات ضد الثكنات الأمريكية والفرنسية في سبتمبر 83 في بيروت، ودفع حينها القوات متعددة الجنسية، كانت فرنسية أمريكية إيطالية للرحيل، ومن ثم تابعوا بالتركيز في المعركة ضد إسرائيل في جنوب لبنان، دون الانسياق في الحرب الأهلية، وتقدموا في الرأي العام الشيعي اللبناني، وفي الرأي العام اللبناني عموما، والرأي في العالم العربي، ولم يتورعوا عن زيادة و تعزيز مكانتهم السياسية هذه هي الحقيقة اليوم.

إيلاف: ولكن أي دور يمكن أن تلعبه تلك القوات طالما أن حزب الله لم يلقي بالسلاح؟
رونو جيرار: لو لم يكن هناك اتفاق سياسي مع حزب الله، لم يكن هناك إمكانية أساسا لوجود تلك القوات، ولو لم يكن هناك اتفاق فإن تلك القوات لن تساعد على شيء. إذاً فكأن ذلك، كذرّ الغبار في العيون الإعلامية لإظهار بأننا نقوم بشيء ما، وأننا داخل اللعبة، لكن الغربيين لن يكونوا سوى وسطاء فقط ،لأنهم ليسوا داخل اللعبة حقيقة، لأنهم ليسوا مستعدين لصنع الحرب.
فرنسا ليس من اهتماماتها صناعة الحرب لحماية لبنان ضد إسرائيل، أو لحماية إسرائيل ضد حزب الله ليس واقعيا أن نفكر بأن فرنسا تريد الحرب إذاً الجميع يعرف ذلك.
الأمريكيون مستعدون بشكل جدي من قبل في الشرق الأوسط، لأننا نعرف بأنهم مستعدون للحرب،المشكلة أنهم لا يعرفون كيف يفعلون الحرب ! مستعدون لشن الحرب، لديهم الدعم اللوجستي الكافي لذلك ، لديهم الإرادة لذلك، ولديهم العسكر،ولكن على أرض المعركة هم حقيقة فاشلون لا يعرفون إدارتها.
لقد التقيت تعيس الحظ بريمز في العراق، ففي العراق من السهولة بعد أن دخلوا أن يسموا طارق عزيز رئيسا للحكومة أو أحداً آخر، من الغباء وضعه في السجن، كان يجب التعاون مباشرة مع جنرالات
العراق وتقديم الدعم لهم وبالطبع كان يجب الأخذ بيد الجيش العراقي وإعطاءه السلطة والدعم و التعاون مع البعث لماذا يجتث البعث، فالبعث كان الجهاز الإداري للبلد، لقد كنت ضد الحرب على العراق، لأنني رأيت الأمريكيين في الصومال، رأيت بأنهم لا يعرفون إدارة الحرب،كمثال أن تطلب مني أن ألعب الكريكيت وأنا لا اعرف اللعبة وقواعدها، الأمريكيون لا يعرف العالم العربي، لا يفهمون شيئا، لا يعرفون العقلية العربية، من المستحيل، وليس لديهم تاريخ استعماري، أو خبرات ! الفرنسيون لديهم خبرة أكثر، لكن من ليس من السهل أن تكون مستعمرا، لكن الأمريكيين وجدوا أنفسهم داخل المعمعة و بأقل الكفاءات والخبرات.

إيلاف: سيد جيرار ربع قرن من الجري في ساحات الحروب والمعارك حول العالم فمن الجزائر عام 84 إلى أفغانستان وراو ندا وصولاً للشيشان مروراً بكافة حروب ونزاعات الشرق الأوسط مالدرس الذي خلصت إليه خلال تلك التجربة الطويلة والغنية؟
رونو جيرار (مقاطعاً): وأيضاً الإمارات ففي عام 90 ذهبت للإمارات وكنت على متن بارجة فرنسية خلال حرب الخليج الأولى. الدرس الذي استخلصته، أن التاريخ في الشرق الأوسط يتراجع ! بدلاً من أن يتقدم ! ففي أعوام 89 ـ 90 ـ 91 سقط النظام الشيوعي في العالم، وكان التعاون في العلاقات الدولية في أوجه و ازدهاره، وخاصة خلال حرب الخليج الأولى ضد العراق، حيث ضمنت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لطرد العراق من الكويت، إذاً كان لدينا انطباع بأن التاريخ يتقدم، وطردنا صدام حسين من الكويت، ثم جاء مؤتمر مدريد للسلام ، فسنحت لي الفرصة لقاء ياسر عرفات لأول مرة عام 90 في تونس، وقال لي حينها بأنه موافق على التفاوض مع إسرائيل، دون شروط ، وهذه كانت المرة الأولى التي يقولها عرفات، وكان ذلك مقدمة لبدء مفاوضات، وعلاقات سرية فلسطينية إسرائيلية في أوسلو، التي شهدت اتفاق سبتمبر 1993 كان هناك انطباع بأن التاريخ يتقدم .
كنت في غزة عندما تبادل عرفات ورابين المصافحة في البيت الأبيض، وشاهدت الناس في شوارع غزة يقبلون الجنود الإسرائيليون على المعابر، ولأول مرة رأيت مشهداً مؤثراً، لكن أقول اليوم أن عجلة التاريخ في تأخر، لم يعد هناك قبلات بل رصاص وكلاشينكوف !!.
فعندما أشاهد ليبرمان اليميني المتطرف يدخل في الحكومة الإسرائيلية، والمؤيد لضم الضفة الغربية لإسرائيل، أقول لنفسي أن هذا تراجع، فالمنطق، والحكمة تقول أن يكون للفلسطينيين دولة في غزة والضفة مع ممر كما كان متفقاً عليه في طابا بين رجال عقلاء، فما جرى عام 93 و94 كان خطوة على الطريق والاتجاه الصحيح، وإسرائيل لا تستطيع أن تحيا محاصرة، وتكمل بهذا الشكل، عليها أن تحاور العرب، وأن تحيا، وتعيش معهم، وذلك من مصلحة العرب أيضاً.
لقد ارتكب الأمريكيون حماقة كبيرة في غزو العراق في مارس / آذار 2003 ، فقد كان يجب في المقام الأول تفريغ الإرهاب من معسكرات أفغانستان، أما الخطوة الثانية فكانت يجب أن تكون فرض السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ستون سنة من الحروب والقلق الدولي، كان يجب الفصل بين الجانبين وتطبيق اتفاقية طابا، وحتى القدس يجب تقسيمها وتكون هناك قدس عربية ولماذا لا يكون للفلسطينيين قدس عاصمة لدولتهم ويمكن ذلك بحدود ثلاثية الأبعاد لمراعاة المسجد الأقصى والحائط اليهودي لكن ذلك يجب علينا تطبيقه بالقوة.