بلال خبيز
المفروض ان تجري الانتخابات النيابية اللبنانية في السابع من حزيران / يونيو المقبل. لكن اجراءها في ذلك التاريخ لا يمنع من ان التحضير للانتخابات حقق بعض النتائج منذ الآن، وهي نتائج حاسمة. وقد يكون بعض هذه النتائج مفصلي ومصيري مثلما يحلو للقوى السياسية اللبنانية التعبير، ومفصلية هذه النتائج المسبقة ومصيريتها تجعل من مسألة الانتخابات في حد ذاتها اقل اهمية من النتائج التي تحققت سلفاً قبل الشروع بالاقتراع.

غني عن القول ان اللبنانيين اتموا اصطفافاتهم الطائفية والمذهبية والمناطقية على نحو لا مثيل له ولا سابق لحدته. وهذا من بعض النتائج التي ترخي بظلالها على الانتخابات المقبلة وعلى كل انتخابات في ظل مثل هذه الاصطفافات. البعض من المحللين والمراقبين يعتقد ان هذه الاصطفافات التي لم تترك مجالاً لأي طرف ثالث في التعبير عن نفسه، هي آفة لبنان المستمرة منذ ولادة الكيان اللبناني عام 1920. وهذا في مجمله صحيح، لكن لهذه الاصطفافات فضيلة اخرى تتصل باستحالة نجاح او تكرار تجربة غزة في لبنان، وما شهدته من عنف وسيادة للون واحد من الوان التعبير السياسي من دون مشارك او شريك من اي نوع. لم يعد ثمة عند حزب الله مثلاً، وهو القادر موضوعياً على فرض هيمنته على الاطراف الأخرى، اي امل في ان يحقق اختراقات ذات شأن على مستوى الطائفة السنية او الدرزية، فإما تميل الطائفة برمتها نحو التحالف معه واما تميل نحو مخاصمته، كما ان هذه الاصطفافات اثبتت ان ليس ثمة في الطرف الآخر ما يمكن تسميته مشاريع عابرة للمناطق والطوائف. قد تعبر المشاريع بالغرم لكنها لا تعبر بالغنم، اي ان الانهيار الاقتصادي يطاول بآثاره كل اللبنانيين، لكن الازدهار الاقتصادي يطاول فئة منهم، وان الحروب الإسرائيلية على لبنان تطاول بنتائجها الوخيمة كل اللبنانيين، لكن النصر او الهزيمة من حظ طرف واحد، وكذلك فإن الاغتيالات السياسية التي طاولت وما زالت تهدد اركان فريق 14 آذار / مارس، تترك اثارها المدمرة على الاجتماع اللبناني برمته، لكن الرابح فيها والخاسر ليس إلا فئة بعينها. ليس ثمة ما يمكن ان يربحه اللبنانيون معاً، لكنهم يخسرون بالجملة والتكافل. لكن هذا الوضع المعوّق لأي احتمال تطور ديموقر اطي في لبنان، يحول ايضاً دون سيطرة فئة واحدة على مقدرات البلد بالجملة مثلما قد يخيل للبعض. فحزب الله، مثلاً، قادر على احتلال لبنان برمته عسكرياً وامنياً لكنه عاجز عن اقناع ابناء الطوائف الأخرى غير المتحالفة معه بمشروعه وبأحقيته في الهيمنة. مما يجعل كل هيمنة على البلد عارية من شرعيتها وقدرتها على الصمود.

هذا في اول النتائج واكثرها خطراً وقدرة على تصديع بنية البلد برمته، وتركه معلقاً بين حالين إلى ما شاء الله.

النتيجة الثانية المفرطة في اهميتها تتصل بما بعد الانتخابات مباشرة. والحق، ان مسار هذه الانتخابات شهد تطورات لافتة من انسحاب الرئيس حسين الحسيني من السباق الانتخابي إلى انسحاب نسيب لحود واستنكاف بعض الرموز الجدية الأخرى عن الخوض في الانتخابات فضلاً عن الصعوبات الي يواجه بها مرشحون حاليون، من فارس سعيد في جبيل إلى مصباح الأحدب في طرابلس فأحمد الأسعد في مرجعيون ndash; حاصبيا. الذين علقوا على هذه الانسحابات والمضايقات رأوا فيها قتلاً للصوت المعتدل وتمكيناً للتطرف وتحكيماً له بمستقبل البلد. وهذا على الأرجح صحيح، لكن هذه الانسحابات والمضايقات ارست نتيجة حاسمة من قبل ان تحصل الانتخابات وتعلن النتائج. لقد استطاع الثنائي الشيعي حسم معركة رئاسة المجلس النيابي منذ اليوم. ذلك انه بات فوز احد الشيعة غير المحسوبين مباشرة على هذين الطرفين مستحيلاً. مما يعني ان انسحاب الرئيس حسين الحسيني من السباق يتوج الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس مدى الحياة، ما دام ليس ثمة شيعياً آخر يمكن ان ينافسه إلا إذا قرر الثنائي الشيعي او احد طرفيه الدخول في معركة مع الطرف الآخر، وهذا اكثر من مستبعد ان لم يكن مستحيلاً.

في الجهة الثانية، يبدو ترشيح الرئيس فؤاد السنيورة في صيدا بمثابة قرار حاسم في حصر التمثيل السني بمن يمكن اعتبارهم من الموالاة. والحال، مثلما يقول الطرف الشيعي ان ليس ثمة مكان لشيعي في المجلس النيابي لا يوالينا، يحاول الطرف الآخر ان يخوض معركته على اساس اعدام حظوظ الخصوم من الوجهاء السنة في الوصول إلى المجلس النيابي المقبل. هذا ايضاً سيؤخذ في اعتبار المجتمع السياسي في لبنان عند تكليف شخصية سنية بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات. مما يعني ان حظوظ النواب من السنة او الشخصيات السياسية السنية في ترؤس مجلس الوزراء المقبل اصبحت ايضاً شبه معدومة، إلا إذا كان ثمة من يفكر في احلال النائب قاسم هاشم مكان الرئيس فؤاد السنيورة.

على المستوى الماروني يبدو الوضع اسوأ بكثير. ثمة معركة تطاحن بين الفريقين، وسيخرج الفريقان منها مهشمين تماماً. اساساً لم تتسع المعركة لأمثال نسيب لحود وسمير فرنجية وربما فارس سعيد. وهؤلاء بصرف النظر عن الموقف من اتجاهاتهم السياسية إلا انهم كانوا على الدوام من خيرة السياسين اللبنانيين.

انتخابات حققت معظم نتائجها قبل الاقتراع. ما يفصلنا عن موعد الاقتراع بضعة اسابيع واهوال لا تحصى من التصعيد والتصعيد المضاد. البلد على مفترق الانهيار البنيوي والأرجح ان استمرار التصعيد سيجعل دوي هذا الانهيار مسموعاً في المنطقة كلها.
quot;شو عم يفكر سمير فرنجية بهالأيام؟quot; .