بلال خبيز
هذه الحملة الانتخابية تجاوزت أهدافها. لقد تجاوز فيها المرشحون الخطوط كلها. في بلد كلبنان، غالباً ما يكون هجوم زعيم ما على زعيم آخر يعني هجوماً على طائفة برمتها. وكثيراً ما لا يفرق بعض القادة بين خصومهم من السياسيين والطوائف التي ينتمون إليها. كانت قراءة رد الرئيس سليم الحص على وصف السيد حسن نصرالله يوم 7 أيار/ مايو الماضي بالمجيد حزيناً ومحزناً في الوقت نفسه. القادة لا يرون غير جمهورهم. ولا أحد يرى البلد كاملاً غير مجزأ إلا في لحظات صفو عابرة. لحظات يمكن القول عنها في لبنان أنها لحظات احتضار سياسي. في تلك اللحظة، اي حين يستقيل القائد أو الزعيم من كفاحه ونضاله، يرى البلد بعين جامعة. لكنه في خضم الكفاح والنضال لا يرى غير رأي مريديه وعزوته. محزنة هذه الانتخابات. ومحزن أكثر التحضير لها. لقد تجاوز البلد فيها كل محظور، والأرجح ان خطبة اعتذارية من هنا او مقالة هادئة النبرة من هناك لن ترأب الصدع الذي أصبح عميقاً إلى درجة ان المرء يحق له أن يسأل سؤالاً مراً: ما الذي تنتظرونه من الانتخابات؟

هل يعقل ان الجنرال ميشال عون يفكر مثلاً ان صندوقة الاقتراع قد تزيح النائب سعد الحريري عن تزعم اعرض تيار سني شعبي وسياسي في البلد؟ لا احد يصدق ان الانتخابات ستأتي بنتائج قد تغير. وإذا كان ثمة من يريد التغيير فالأرجح انه يفكر في وسيلة أخرى غير الانتخابات. أيام الهيمنة السورية كان المعارضون لهذه الهيمنة، وتيار الجنرال عون في مقدمهم يقولون: اقترعوا بالأقدام! والآن لا احد يمنع التيار نفسه او حليفه من القول اقترعوا بالسلاح. ذلك ان الانتخابات ونتائجها لن تغير في المعادلات شيئاً يذكر. سيبقى وليد جنبلاط زعيم الدروز الأكبر، سواء فاز بمقعد نيابي ام خسر مقعده، وسيبقى سعد الحريري أهم زعماء السنة حتى لو لم يوصل أحداً من أتباعه إلى الندوة البرلمانية. وسيبقى البلد مأسوراً لتجاذبات إقليمية ودولية تحمله ذات اليمين وذات الشمال.

قد يكون أكثر ما يثير الحزن في بلد هذه حاله، جغرافياً وديموغرافياً وتاريخياً، مستقبلاً وماضياً وحاضراً، ان قادته لا يتورعون عن الإمعان في التفرقة والتهويل ودفع الأمور إلى جدران مسدودة لا يعود بعدها ثمة من منفذ إلا السلاح. في بلد لا يكف قادته عن تخوين بعضهم بعضاً، كيف يعقل ان يلتزم أهله بنتائج الانتخابات؟ حزب الله وحلفاؤه يعتقدون من دون شك انهم قادرون على حماية نتائج الانتخابات إذا جاءت لصالحهم بقوة السلاح. هم قادرون موضوعياً وعملياً على هذه الحماية. أما الطرف الآخر فلا يبدو انه قادر على اتباع المسار نفسه، لأسباب أكثر من ان تحصى. وأغلب الظن ان قيام السلاح بحماية النتائج سيكون ممكناً في حالة فوز المعارضة فقط. أما في حالة فوز الموالاة فالأرجح ان السلاح سيكون فاعلاً في محاولة الانقلاب على النتائج.

بطبيعة الحال، ثمة كثيرون ينزهون المعارضة عن مثل هذا السلوك. وثمة الكثيرون ممن يرون في مجرد وصف الحال اللبنانية على طبيعتها انحيازاً، لكن المتمعن في وقائع السنوات الماضية لا بد وان يعتبر منها في ما قد يجري في الشهور اللاحقة. لم تكن تلك السنوات غير سعي حثيث وإصرار لا يلين على الانقلاب على نتائج انتخابات 2005، تعطيلاً للحكم والدورة الاقتصادية وروتين العيش اليومي، ومع ذلك يقبل اللبنانيون اليوم مرة أخرى على الاقتراع. ربما لأن الاقتراع في حد ذاته هو وسيلتهم الوحيدة للتثبت من أنهم ما زالوا يحلمون بلبنان ما مستقر ومزدهر وعلى قدر من الوحدة.