بهدف التعويض عن كميات الثلج المتراجعة على جبال الألب وحفاظًا على التوازن البيئي وحماية مواسم التزلج، صممت مجموعة من العلماء جهازاً يطلق غيمة تهطل ثلجاً ناعماً.


تسارعت وتيرة إنكماش الجليد على جبال الألب في ربع القرن الأخير بشكل يستدعي القلق من وجهة نظر علماء البيئة الدوليين. كان سمك الجليد في العام 1910 على جبل تسوجشبيتسه(2962 متراً) في ألمانيا 80 متراً وتراجع إلى 45 متراً فقط الآن. وذكرت اللجنة الحكومية للتغيّرات المناخية، التي شكلتها الامم المتحدة، أن الجبال الجليدية في خطر، محذرة من اختفاء الجبال الجليدية الصغيرة، وتراجع حجم الجبال الكبيرة بنسب تتراوح بين 30 و70 في المائة بحلول عام 2050.

تعتبر ثلوج قمم جبال الألب من"مؤشرات" التحولات المناخية الجارية على الأرض بالنظر لذوبانها السريع تأثراً بارتفاع درجة حرارة الأرض. وتشهد جبال الألب منذ سنوات ذوباناً لثلوجها رغم "أزلية" بعض القمم المتجلدة على مدى العصور. وفي محاولة لانقاذ تدهور البيئة على جبال الألب، وانقاذ الألعاب الشتوية، استخدم العلماء النمساويون جهازاً يطلق غيمة تهطل ثلجاً ناعماً.
ويفترض أن تكون تقنية إطلاق"الغيمة الجليدية" بديلاً لمدافع الثلج في الحرب ضد "الصلع الجليدي" الذي يصيب قمم جبال الألب. إذ كثرت في السنوات الأخيرة الانتقادات لمدافع الثلج التي تستهلك كميات كبيرة من الماء والطاقة، وتستخدم المواد الكيميائية الملوثة للبيئة الجبلية.

وثبت في العقدين الأخيرين من السنين أن السياحة الجليدية في جبال الألب، وكذلك الألعاب الرياضية الشتوية، صارت متعذرة دون اللجوء إلى مدافع الثلج. وإذ يستخدم الألمان منذ سنوات "واقياً مطاطياً" لحماية قمم الجليد من الذوبان صيفاً، يستخدم النمساويون دروعاً ضخمة (كالمرايا) لتوجيه أشعة الشمس بعيداً عن قمم الجبال.&
&
متر مكعب من الماء يهطل 15 متراً مكعباً من الثلج

والغيمة الجليدية الاصطناعية الواعدة من ابتكار الباحث ميشائيل باخر من شركة "نوي شني" (تعني الثلج الجديد) النمساوية المتخصصة في إنتاج الثلج الصناعي. وتم عرض الجهاز الذي يطلق الغيمة في مدينة اوبرغرغل، التي تعتبر من المناطق السياحية المرموقة في تيرول، والمعروفة بمعاناتها من انقراض الجليد وتراجع سقوط الثلج في الآونة الأخيرة. والمهم في التقنية، بحسب باخر، انها تطلق الثلج الناعم جداً الذي يعتبر الأفضل بالنسبة للرياضات الشتوية.

وفي حين تطلق أفضل مدافع الثلج تطوراً، مترين مكعبين من الثلج مقابل كل متر مكعب من الماء، نجحت غيمة باخر في إسقاط 15 متراً مكعباً من الثلج الناعم من كل متر مكعب من الماء. وتتلقى شركة "نوي شني" دعماً مالياً وتقنياً من جامعتي فيينا الزراعية وجامعة فيينا التقنية. وذكر باخر أن عملية تكوين الضباب المنتج للغيمة تتم داخل مفاعل صغير يجري فيه تجميع الماء بحالة رذاذ، يضاف إليه من الخارج كريستالات جليدية دقيقة، ويتم تحويل المزيج إلى ضباب جليدي باستخدام الضغط. ويمكن بهذه الطريقة انتاج سديم جليدي أكثر تركيزاً من الغيوم الاعتيادية فوق جبال الألب 10 مرات. يطلق المزيج إلى الهواء في جو بارد فيهطل ثلجاً ناعماً، وفقط مثل هذه الكثافة تضمن إنتاج هذه الكمية من الثلج من متر مكعب واحد فقط من الماء.

تستخدم تياراً كهربائيًا اعتيادياً

ويتفوق مفاعل إنتاج الغيم على مدافع الثلج، من ناحية استهلاك الطاقة، في أنه يستخدم تياراً كهربائياً عادياً من شدة 230 فولت، في حين يستخدم مدفع الثلج تياراً ثلاثي الأطوار من شدة 380 فولت. يضاف إلى ذلك أن مدافع الثلج تستهلك طاقة كبيرة في إطلاق الماء الذي يتحول إلى ثلج، في حين أن اطلاق الضباب الجليدي أقل استهلاكاً للطاقة، كما أن الثلج يسقط من الغيمة تلقائياً.

سيتم إنتاج التقنية للبيع في السوق قبل حلول موسم الرياضة الشتوية 2015/2016، وربما سيتراوح سعر النظام بأكمله بين 25 ألفاً و45 ألف يورو في مرحلة الإنتاج الأولى، بحسب طاقة وحجم الجهاز. ومن المتوقع أن تزداد طاقة إنتاج غيوم الثلج بعد التجارب الأولى والخبرات الأولى التي ستتجمع خلال الفترة التجريبية للنظام في مدينة اوبرغرغل هذا الشتاء. وتعتمد الكمية المنتجة من الثلج أيضاً على درجة حرارة الجو، وتبين من التجارب المختبرية أن درجة -5 تضمن أفضل النتائج.

يطلق المفاعل الضباب الجليدي من على القمم، أو بقوة إلى الأعلى في السماء، وطبيعي أن تتوفر درجات حرارة منخفضة جداً على هذه الارتفاعات، في حين ان مدافع الثلج غير قادرة على ارسال الماء إلى هذه الارتفاعات. ويمكن للغيوم الثلجية من إنتاج "نوي شني" أن تكون بديلاً لطريقة حفظ الثلج القديم واستخدامه مجدداً في الشتاءات الجديدة. إذ تزلج السياح في العام 2013 على ثلج من العام الذي سبقه للمرة الاولى&في منطقة رامساو في النمسا. إذ نجح المسؤولون هناك في الحفاظ على 5000 متر مكعب من الثلج عن طريق تغطيتها بطبقة من نشارة الخشب تغطيها طبقة خفيفة من النايلون. وقال المسؤولون إن الطريقة حفظت 80% من الثلج القديم الذي أعيد فرشه على الأرض بشكل مسار تزلج طوله 1,2 كم.

فشل استخدام مدافع الثلج

تطلق المؤسسات السياحية في بلدان جبال الألب (ألمانيا وسويسرا والنمسا وايطاليا وفرنسا وليختنشتاين وسلوفينيا) مدافع الثلج الاصطناعي سنوياً كي تغطي 24 ألف هكتار من القمم المهددة "بالصلع". وتحتاج هذه المؤسسات إلى 95 مليون متر مكعب من الماء سنوياً كي تكلل الجبال بهذا "الشعر الأبيض المصطنع"، للأغراض السياحية والرياضية، وهو ما يكفي، حسب رأي العالمة كارمن دي يونغ، رئيسة مؤسسة حماية جبال الألب، لتزويد مدينة سكانها 1,5 مليون إنسان بماء الشرب طوال سنة.

شح مياه الأنهر لانقاذ الموسم السياحي

ويعمل في النمسا وحدها 19 ألف مدفع ثلج طوال 6 أشهر تقريباً في السنة لتوفير أجواء سياحة التزلج (احصائية شباط (فبراير) 2013). وتستهلك هذه المدافع مليوني لتر من الماء و 260 ألف ميغاواط ساعة من الكهرباء سنوياً. وهذا يكفي لتزويد مدينة يرتفع عدد سكانها إلى نصف مليون إنسان بالماء والكهرباء طوال سنة. ويقدر علماء البيئة أن استهلاك هذا القدر من الماء للأغراض السياحية قلل وصول المياه إلى الجداول والأنهر في وديان جبال الألب النمساوية بنسبة 70%. وهكذا تموت بيئة كاملة، بنباتاتها وحيواناتها الشتوية، بالتدريج كي يقضي السياح وقتاً ممتعاً في التزلج على الجليد.
أن العامل الذي يجعل مدافع الثلج غير صالحة لمعالجة المشكلة لا يكمن في كلفتها المرتفعة و محدودية "مداها" وسرعة انقشاع ثلجها، وإنما في المواد الصناعية المساعدة على التجلد التي تستخدمها وتأثيرها السلبي على البيئة البيولوجية في هذه الجبال. رغم ذلك، تخطط الشركات السياحية لزيادة استخدام المدافع في مواقعها السياحية، وتقدر دي يونغ أن الثلج الصناعي سيغطي 40% من قمم جبال الألب خلال 10 أعوام.

التحولات المناخية هي المسؤولة

خلال هذه الفترة ستلحق المدافع ضرراً بالبيئة لا تعادله أضعاف مردودات السياحة والرياضات الشتوية. رغم ذلك، وبسبب التحولات المناخية الدراماتيكية، حذرت دي يونغ من أن الرياضة الشتوية على جيبل تسوغشبيتس ستنقرض خلال 15 سنة رغم قصف المدافع. ويقول العلماء إن ارتفاع درجات حرارة الأرض مسؤول عن ذوبان الجليد. وتضيف لجان من العلماء تمولها الأمم المتحدة أن الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة حرق الوقود الاحفوري تتسبب في ارتفاع درجات حرارة الأرض. وذوبان الجليد أكثر من مجرد فقدان لمناظر طبيعية خلابة لأن منسوب المياه في الانهار الأوروبية سينخفض في الصيف اذا اختفت الجبال التي يكسوها الجليد. ويأتي جزء كبير من مياه نهر الراين في الصيف من ذوبان القمم الجليدية.