وجد رواد الأعمال البريطانيون سان فرانسيسكو أفضل من بريطانيا لتحقيق طموحهم.

"ربما كان من المستحيل أن نبدأ مشروع "سلاك" Slack في بريطانيا".

هكذا يقول كال هاندرسون حقيقة قاسية، بلهجته الإنجليزية الهادئة.

وسلاك هو برنامج حاسوبي للاتصالات في أماكن العمل، قدرت قيمته العام الماضي بنحو 3.8 مليار دولار.

ويعد مشروع سلاك بلا جدال واحدا من أنجح المشروعات الصاعدة، في وادي السيليكون في سان فرانسيسكو.

ومثلها مثل هاندرسون، تتميز شركته بالمهارة التقنية البريطانية.

ويقول هاندرسون: "بسبب الطريقة التي أسسنا بها الشركة، والأموال التي يتطلبها تأسيس شركة مثل سلاك، فإن ذلك لم يكن ممكنا أبدا في أي مكان خارج وادي السيليكون".

وتعبر كلمات هاندرسون عن حب خشن، فهو لا يستبعد فرص بريطانيا في أن تكون مركزا للتكنولوجيا، لكنه واثق تماما في أن الشركة التي شارك في تأسيسها لم تكن لتنجح في بريطانيا.

ويجب أن يكون ذلك بمثابة قراءة تحذيرية لأي شخص معني بشركات التقنية البريطانية، وفرصها في إنشاء "غوغل المقبل".

لقد أمضيت وقتا في مطالعة قصص نجاح المشروعات البريطانية الصاعدة في سان فرانسيسكو، ورغب البعض في المشاركة معي في هذه التغطية بينما لم يرغب البعض الآخر، لكنهم عبروا جميعا عن نفس المشاعر، وهي أن بريطانيا ليس على نفس درجة وادي السيليكون فيما يتعلق بالقدرة على رعاية شركات التقنية الناجحة.

لكنها قد تكون كذلك يوما ما.

مليارات غير متوقعة

خلال عامين فقط عزز سلاك من وضعه كأداة رئيسية لعشرات الآلاف من الشركات، ويستخدمه الموظفون لمشاركة الرسائل والوثائق، كما يدخل في العديد من الخدمات المستخدمة في أماكن العمل الحديثة.

ويلقي المستثمرون بأموالهم في مشروع سلاك.

وأدت الدفعة الأخيرة من الأموال المستثمرة في المشروع، والتي بلغت 200 مليون دولار، لارتفاع قيمته لتصل إلى 3.8 مليار دولار.

وينقض التحمس لمشروع سلاك الاتجاه المعروف عن المستثمرين، بكونهم حذرين من ضخ الأموال في المشروعات ذات الأفكار الجديدة، بل إن شركات رأس المال الاستثماري تضخ أموالا ضخمة في المشروع.

وتنفق الشركة هذه الأموال على تنمية المشروع وتسريع وتيرته.

لكن هذا النمو السريع كان يمكن أن يمثل تحديا كبيرا في بريطانيا.

يقول هاندرسون إن على بريطانيا أن تتحلى بالصبر إذا كانت ترغب في تأسيس شركة على غرار غوغل.

ويقول هاندرسون: "الإقدام على المخاطرة أقل بكثير في بريطانيا، فمن الصعب أن تجذب الأشخاص هناك إلى وظيفة تتميز بالمخاطرة في مشروع ناشئ".

ستيوارت باترفيلد أحد شركاء هاندرسون، وهو كندي تلقى تعليمه في بريطانيا. وحقق الاثنان عبر مساعي عديدة النجاح، لكن ليس تماما بالطريقة التي تمنياها. وبدأ مشروع سلاك كأداة سهلة وسريعة، أنشئت لكي يتواصل هاندرسون وباترفيلد وبقية الفريق مع بعضهم البعض، خلال عملهم في تأسيس المشروع الأصلي وهو لعبة حاسوبية تسمى غليتش Glitch.

ومع عدم نجاح مشروع غليتش تخليا عنه، لكنهما استمرا في العمل على مشروع سلاك.

وتشارك الرجلان في السابق في تأسيس مشروع آخر، وهو عبارة عن لعبة جماعية تسمى Game Neverending، وأسسا من أجل ذلك أداة لمساعدتهم في تطوير اللعبة، وفشلت اللعبة مرة أخرى لكن الأداة بقيت وأصبحت فليكر Flickr، وهو موقع لتشارك الصور، اشترته في النهاية شركة ياهو بقيمة 40 مليون دولار.

ويقول هاندرسون إن القدرة على انتزاع النجاح من فك الفشل هي ما تخلق الشركات الكبرى في وادي السيليكون.

ويضيف: "السلوك البريطاني تجاه الفشل هو: أنت تتجه للفشل إذن ربما لن تحاول مرة أخرى".

وأردف: "هذا لا يوجد هنا أبدا".

خارج الكوستوولدز

كانت شركة سوفتك من طلائع المستثمرين في شركة فيتبيت لتتبع وقياس اللياقة البدينة.

شركة سوفتك في سي SoftTech VC هي شركة لرأس المال الاستثماري، وتحتفل بالذكرى العاشرة لتأسيسها، وتفخر بأسماء الشركات التي أسهمت في تأسيسها، ومن بينها شركة فيتبيت FitBit المتخصصة في تتبع وقياس اللياقة البدنية عبر برمجيات حاسوبية.

ويعد رأس المال الاستثماري شريان الحياة للشركات الناشئة، وهو متوفر هنا أكثر من أي مكان آخر.

ومن المغامرات الكبرى ضخ الأموال في مشروعات ذي احتمال كبير للفشل، لكن تم حتى الآن ضخ نحو 60 مليار دولار في مثل هذه المشروعات في الولايات المتحدة، خلال العام الماضي.

ويقول أندي ماكلافلين، وهو شريك في شركة سوفتك في سي منذ مارس/ آذار عام 2013: "وادي السيليكون هو المكان السحري المناسب للأشخاص، لكي يجمعوا المال بدلا من الاختفاء في تلال كوستوولدز، كما اعتاد بعض الناس في بريطانيا. إنهم يبقون نشطاء هنا في هذه المنظومة ويستعيدون هذه الأموال مرة أخرى".

ويضيف: "النجاح يولد النجاح، ونحن نرى هذه الدائرة المستمرة والقوية".

ويعد طريق ماكلافلين إلى وادي السيليكون مؤشرا مقلقا على صناعة التقنية في بريطانيا.

وشارك ماكلافلين في تأسيس شركة هادل Huddle عام 2006، وهي تقوم على برنامج لتشارك الوثائق في أماكن العمل، وحينما احتاج لمبلغ ضخم لتأسيس شركته لم يجد أمامه خيارا إلا الانتقال إلى سان فرانسيسكو، لكن شركته لا يزال لها وجود كبير في لندن.

ويقول: "رأس المال الاستثماري في الولايات المتحدة مستعد للتحرك بشكل أسرع والخوض في رهانات كبيرة".

وعلى الرغم من نمو الاستثمار في شركات التقنية في بريطانيا بسرعة خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال صغيرا.

ففي عام 2015 بلغ حجم هذه الاستثمارات في الولايات المتحدة نحو 60 مليار دولار، بينما بلغ في بريطانيا 3.6 مليار دولار.

ويتلخص ذلك في أن تطبيق أوبر Uber لتشارك ركوب السيارات قد جذب خلال العام الماضي استثمارات أكبر من كل الاستثمارات، التي جذبتها شركات التقنية في بريطانيا مجتمعة.

ستة أيام

حصلت روبين إيكستون على التمويل اللازم لفكرتها بمجرد وصولها إلى وادي السيليكون.

ويعد نقص التمويل أبرز التحديات، التي تواجه المشروعات التي تحتاج إلى رأسمال كبير، يصل إلى مليار دولار في بريطانيا.

ولا يقتصر ذلك التحدي على المشروعات الكبيرة، بل يواجه المشروعات الصغيرة أيضا.

وعلى سبيل المثال فهذا تطبيق للمواعدة يستهدف النساء مثليات الجنس، ومزدوجي الميول الجنسية أسسته روبين إيكستون في بريطانيا عام 2013، وعلى مدار العام الأول من عمر المشروع، جمعت إيكستون مليون دولار للاستثمار في المشروع، لكنها كانت بحاجة لأكثر من ذلك.

وتقول إيكستون: "حينما كنت أجمع أموالا للاستثمار في مشروعي، استغرق الأمر ثمانية شهور لجمع مليون دولار، لكن حينما أتيت إلى هنا استغرق الأمر معي ستة أيام لكي أجمع هذا المبلغ".

وتضيف: "السرعة التي يتحرك بها الناس هنا لا تصدق. يمكنك أن تحصل على التوقيع المطلوب على أوراقك وتجري تحويلات مالية في غضون ساعتين".

"ليس على غرار غوغل".

وبني نجاح وادي السيليكون عبر تاريخ امتد لعشرات السنين، وبدأ بالاستثمارات العسكرية تلتها الابتكارات، التي جذبت الأموال الضخمة للاستثمار هناك.

وتبدو الشركات البريطانية الرائدة في وادي السيليكون موحدة إلى حد كبير، في تقييمها القاتم للفرص في بريطانيا، ويعتقدون أن الأمر قد يتغير إذا استغلت بريطانيا نقاط القوة التي تتمتع بها.

وتقول إيكستون: "اعتقد أن هناك الكثير من رؤوس الأموال التي تعمل خارج لندن".

وتضيف: "اعتقد أنهم إذا استمروا في تنمية القطاع التقني هناك فحينها سيزداد قوة".

وتتمتع لندن على وجه الخصوص بميزة هائلة لا تتمتع بها سان فرانسيسكو، ففي عالم التمويل التقني المتنامي تتميز لندن وحدها، بأنها تجمع بين الفاعلين الرئيسين في هذا المجال على مقربة من بعضهم البعض.

فعلى عكس الولايات المتحدة، حيث توجد شركات التقنية في وادي السيليكون والبنوك في نيويورك وصانعي السياسة في واشنطن، تجد كل هؤلاء موجودين في نفس المكان في لندن.

ويقول كال هاندرسون، من مشروع سلاك، إنه بمرور الوقت فإن نقاط القوة التي تمتع بها لندن قد تؤتي أثرها، لكن بشرط أن يتمتع الناس بالصبر.

ويضيف: "اعتقد أن أهم شيئ نحتاج لتغييره من أجل إنشاء غوغل المقبل (شركة على غرار غوغل) هو القبول بأننا بحاجة أولا لإنشاء عشرة آلاف مشروع ليس على غرار غوغل ".

واختتم: "ستكون ثمة حاجة للكثير من المحاولات الفاشلة قبل أن نحقق النجاح".