«إيلاف» من دبي: يطلق مصطلح الهندسة الوراثية على تقنيات تعديل أو إعادة صوغ الجينات في خلايا الكائنات الحية، وهي شيفرات تنقل معلومات كيميائية تحدد خصائص وصفات أي كائن حي. ويخشى معارضو التعديل الوراثي من أضرار محتملة ويرفضون الأمر من منطلقات أخلاقية ودينية بحتة، "وبينما لا تثور اعتراضات كثيرة حول بعض فوائد الهندسة الوراثية المتعلقة بالإنسان، كاستخدامها في انتاج أدوية أو لمنع أمراض أو معالجتها وتخفيف أذاها من خلال الجراحة الجينية التي تبدل جينًا بجين أو تدخل جينًا جديدا في خلايا مريض، فإن الإعتراضات تتحرك ضد استخدام تقنيات الهندسة الوراثية والتعديل الجيني من أجل تبديل البنية الجينية بهدف تحسين السلالة البشرية، أو محاولة العبث بكيان الإنسان مخلوقًا له خصوصيته، أو التعدي على أهليته الفردية، أو حتى لظهور كائنات جديدة مختلطة تجمع بين صفات وخصائص إنسانية وأخرى حيوانية"

يعرض تقرير "الرأي" لتقنية "كريسبر" لتعديل الجينات الوراثية التي تتم بإزالة جزء من جينة أو تعديله، أو استبدال الجينة بأخرى تؤدي الوظيفة المطلوبة. وهذه التقنية الجيددة أحدثت نقلة نوعية في هذا المجال، إذ تعتمد على تحديد الجزء المراد تعديله باستخدام دليل من الحمض النووي الريبوزي يتعرف على هذا الجزء بدقة كبيرة. ونجح باحثون في تطوير طريقة جديدة متفرعة من تلك التقنية، تعتمد على إنزيم كاس-9، وهو مقص جزيئي يقطع الحمض النووي الوراثي عند هذا الجزء ويسمح بالتعديل المطلوب.

تجارب مستمرة

بحسب "الرأي"، أطلق الباحثون اسم "كريسبر- كاس 9" على طريقتهم الجديدة التي ستقلب برأيهم كل شيء رأسًا على عقب. وهي أثارت اهتمام باحثين يأملون في تعديل الجينات البشرية للقضاء على الأمراض والتخلص من مسبِّباتها، لكن الأمر لا يخلو من مخاوف أخلاقية وقانونية واجتماعية، خصوصًا في ما يتعلق بتعديل الجينات الوراثية لدى الأجنة. ففي أكتوبر 2016، أجرى فريق بحثي صيني في جامعة سيتشوان في مستشفى بغرب الصين أول تجربة سريرية على مريض بسرطان الرئة لم ينجح معه العلاج الكيماوي ولا الإشعاعي، فحُقن بخلايا بعد تعديلها جينيًا بتقنية "كريسبر – كاس 9".، والهدف تقويم مدى سلامة استخدام الخلايا المناعية "التائية" بعد حذف الجينة PD-1 منها، لمعالجة أحد أنواع سرطان الرئة.

وتثير تقنية كريسبر اهتمام الباحثين والعلماء، إذ يأملون في أن يستفيدوا منها في تعديل جينات البشر للقضاء على الأمراض، وإكساب النباتات قوة تحمُّل عالية، والتخلص من مسبِّبات الأمراض... يلخص بروس كونكلين، استاذ علم الوراثة في معهد غلادستون في سان فرانسيسكو الأميركية، فوائد "كريسبر"، بقوله إنها ستقلب كل شيء رأسًا على عقب.

يتوقع العلماء أن تُحدث هذه التقنية نقلة نوعية في مجال تعديل الجينات الوراثية والبحث العلمي، "فمن المأمول أن تسهم تقنية كريسبر في القضاء على كثير من أمراض الدم، بما في ذلك أنيميا الخلايا المنجلية وأنيميا البحر المتوسط التي هي من بين الاضطرابات الجينية التي تتسبب بها جينة تُعتبر الأكثرها شيوعًا في العالم، كما تمثل مشكلة كبيرة في عدد من دول العالم العربي، وهناك دراسة نشرت في دورية نايتشر الطبية في نوفمبر 2016، استخدم باحثوها تقنية كريسبر لاستهداف جينة بيتا غلوبين التي يمثل الخلل فيها سببًا رئيسًا للإصابة بالأنيميا.

الإنسان الخارق

ثمة علماء يسعون إلى إستخدام تقنية كريسبر لتطوير سلالة بشرية تحمل صفات "الإنسان الخارق"، من حيث قوة القدرة البدنية والعقلية والنفسية، إلا أن ثمة خوف من أن يؤدي ذلك إلى "انتاج بشر اشرار منزوعي الضمير والمشاعر قد يتآمرون مع مرور الوقت للقضاء على البشر العاديين أو استعبادهم أو غير ذلك من الأمور السيئة التي قد تكون غير محسوبة العواقب".

قالت إيريكا كليدرمان، الباحثة المشاركة في مركز الجينوم والسياسة في جامعة ماكغيل الكندية: "هذه المخاوف ليست جديدة، فقد أثيرت مرات عدة في السابق مع ظهور تقنيات متطورة، مثل تقنية الحمض النووي الوراثي معاد التركيب، وتقنية الاستنساخ، وتقنية اكتشاف الخلايا الجذعية الجنينة، وتقنية العلاج باستبدال الـ"ميتوكوندريا"، مشيرة إلى أن رد الفعل التلقائي من جانب المجتمع يميل عادة إلى رفض مثل هذه التقنيات الجديدة والمطالبة بمنعها، في حين أن الخيار الأصح هو السعي إلى تقويم المخاطر والمخاوف المحتملة والعمل على تحجيمها قدر المستطاع".

أضافت: "عوضا عن الحديث عن هذه التقنيات الجديدة في غرف مغلقة، علينا أن نتبع نهجًا آخر لمعالجة مثل هذه القضايا. فلن نكون بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة عندما يكون متاحا لنا أن نبني على النقاشات السابقة وأن نتعلم من دروس الماضي".

 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "الرأي" الأردنية. الأصل منشور على الرابط:

http://bit.ly/2yTlWac