لا يزال مصدر مرض الكوليرا الذي انتشر في ست مدن جزائرية منذ أسبوع على الأقل غير معروف بشكل دقيق، فتصريحات السياسيين والمسؤولين في قطاع الصحة متناقضة. وأدى هذا التضارب إلى استفحال المخاوف لدى المواطنين الذين عزف عدد منهم، بشكل احترازي، عن شراء الفواكه والخضر دون أن يفقدوا روح السخرية من أوضاعهم في شكل من النقد الذاتي.

توفي شخصان في الجزائر بسبب الكوليرا، ويقدر اليوم عدد المصابين بالوباء بـ62، من أصل 173 حالة استقبلتها المستشفيات وفق حصيلة جديدة لوازرة الصحة.

وتختلف روايات المستشفيات والمراكز الصحية بشأن أصل ظهور هذا الداء، فلم تكشف لغاية الآن أية جهة عن السبب الرئيسي الذي أدى إلى عودة انتشار الوباء بعد قضي عليه في البلاد منذ أكثر من عشرين سنة.

وأكدت وزارة الصحة، التي اتهمتها عديد الجهات بالبقاء مكتوفة الأيدي وعدم التصريح عن انتشار الكوليرا قبل مرور أيام عديدة على ظهوره، أن الحالات المؤكدة تمس ست ولايات، وهي البليدة والجزائر العاصمة والمدية وتيبازة والبويرة وعين الدفلى. وتقع معظم هذه الولايات في وسط البلاد.


وفي ندوة صحفية عقدها بداية الأسبوع، أعلن مختار حسبلاوي وزير الصحة أنه "وفقا للتحليلات الوبائية التي أجرتها مصالح الصحة في أربع مدن تقع في الوسط الجزائري، فإن سبب الكوليرا يعود إلى منبع للمياه في بلدة عين كبير بولاية تيبازة" التي تقع على بعد 70 كيلومتر غرب الجزائر العاصمة.

أزمة ثقة بين السكان والمسؤولين

لكن تصريح هذا الوزير قوبل بالرفض التام من قبل سكان هذه البلدية الذين قاموا بنشر صور وأشرطة فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهرهم وهم يشربون من مياه هذا المنبع دون أن يصيبهم أي أذى، فيما اتهموا وزير الصحة بـ"الكذب".

من جهته، أكد معهد "باستور" الخميس الماضي أن "هناك اشتباه أن تكون مياه الري التي استخدمت لسقي بعض الفواكه مثل البطيخ والشمام وراء ظهور وباء الكوليرا". لكن هذا التصريح يتناقض تماما مع تصريح آخر أدلت به وزارة الصحة طمأنت فيه جميع الجزائريين بخصوص نظافة ونقاء المياه المستخدمة في المجالالزراعي.

وأثارت تصريحات معهد "باستور" مخاوف كبيرة لدى السكان إذ قرروا العزوف عن شراء بعض الفواكه والخضر لا سيما البطيخ والشمام.

وعوض أن تسعى الحكومة إلى كبح جناح هذا الوباء الذي يهدد مناطق جزائرية أخرى، قامت فاطمة الزهراء زرواطي، وزيرة البيئة والطاقات المتجددة، بتحميل الجزائريين بشكل غير مباشر مسؤولية انتشار الكوليرا في بلادهم متهمة إياهم بالتصرف بشكل "غير حضاري" وبعدم إادراك أهمية الحفاظ على البيئة".

"النظافة لا تدخل ضمن صلاحيات الحكومة"

وقالت زرواطي في ندوة صحفية أمس الخميس:"يجب على المواطن الجزائري أن يحافظ أكثر على نظافة البيئة التي يعيش فيها ويتصرف بشكل حضاري". وواصلت: "مهما كانت السياسات المحافظة على الطبيعة التي تقترحها الدولة والإمكانيات المالية التي تخصصها من أجل الحفاظ على البيئة، فكلها لن تنجح، طالما لم يغير المواطن الجزائري سلوكه ولم يتصرف بشكل حضاري ومناسب".

وقال جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الداعم لسياسة الرئيس بوتفليقة، كلاما في نفس السياق إذ أعلن أن "أسباب انتشار المرض (الكوليرا) هي القمامات التي نراها في كل مكان، مضيفا أن "مسألة النظافة لا تدخل ضمن صلاحيات وزارة الصحة أو الحكومة، بل هي مشكلة اجتماعية تخص الجميع".

هذا، وأطلقت وزيرة البيئة والطاقات المتجددة الجزائرية أمس الخميس حملة وطنية لتنظيف البيئة، كما نشرت صورا على موقع فيس بوك تظهرعليها وهي تنظف إحدى شوارع العاصمة رفقة متطوعين آخرين.&

الكوليرا في "جزائر العزة والكرامة"

هذا، وانتشرت صور وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد تصرفات بعض الجزائريين الذين يرمون نفاياتهم من النوافذ ومن أعلى أسطح العمارات، عوض أن يضعوها في الأماكن المخصصة لذلك.

وفي تعليق على فيديو، تحدث مواطن جزائري بسخرية قائلا: "طبعا يمكن أن نعطي الحق لبعض الجزائريين الذين يقولون إن الجزائر العاصمة أحسن وأجمل من مدينة نيويورك لأننا نحن في الجزائر نخترع أشياء كثيرة، من بينها رمي النفايات والقمامات من الطوابق العليا لكي تتفجر لدى وصولها إلى الأرض وتبقى هناك لسنوات".

وكتب مواطن أخر على صفحته على فيس بوك: "منتوج جديد ينتظر أن تصدره الجزائر في الساعات القليلة إلى الخارج وهو الكوليرا. نعم مطارات العالم اتخذت احتياطات لمراقبة مسافرينا إلى الخارج" وأضاف متهكما ومستلهما عنوان رواية كولومبية شهيرة "’ الحب في زمن الكولير‘ا لغابريال غارسيا... ولد عباس" (وهو الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني).

إلى ذلك، تعرضت حكومة أحمد أويحيى إلى انتقادات لاذعة من قبل الصحافة الجزائرية التي اتهمتها بـ"اللامبالاة إزاء انتشار وباء خطير يمكن أن يصيب عدد أكبر من الجزائريين". فيما انتقد آخرون الرئيس بوتفليقة الذي لم يخرج عن صمته للتطرق لهذه الأزمة، فقال صحافيون "هو سافر إلى جنيف للعلاج، بينما نحن نعيش وسط الأوساخ والقمامات. هذه هي جزائر "العزة والكرامة" التي كان يتغنى بها".

&
&