كان هاتفها يرن طوال الوقت الذي كنت فيه موجودا في منزلها، وكانت المتصلات بها يطلبن المساعدة في قضية ما.

تسألها إحداهن كيف تتصرف مع ابنتها التي تتحدث عن الانتحار دوما، وأخرى تبيع الشاي وتشكو من مصادرة السلطات أدوات عملها.

كما اتصل بها أفراد من عائلات فتيات ألقت شرطة النظام العام القبض عليهن بتهم ارتداء زي فاضح.

إنها الناشطة النسوية السودانية، تهاني عباس، التي تقول إنها تقضي يومها ببساطة على هذا المنوال في محاولة منها لمناصرة قضايا المرأة في السودان، مضيفة أنها كرست حياتها تماما من أجل هذا الهدف الذي وصفته بأنها "معركة حياتها."

إيقاف مطربة في السودان بسبب بنطالها "الضيق"

مصممة أزياء سودانية شابة: ميغان ماركل كانت بحاجة لي

وترى تهاني، التي تبلغ من العمر 33 عاما، أن التحدي الأكبر الذي يواجه المرأة السودانية حاليا هو "ضرورة توحدنا في جبهة واحدة مِن أجل تقوية شوكتنا، وبالتالي نستطيع المقاومة وانتزاع حقوقنا المهضومة".

كما تقول تهاني إن قضايا النساء في مناطق النزاعات معقدة ولذلك تحتاج إلى نظرة مختلفة، مؤكدة أن: "المرأة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق هي من تضررت من الحرب أكثر من الباقين، وهي من اغتُصبت وهي من تربي الأطفال في معسكرات النزوح بعد أن غادر الرجال".

" تشريعات ظالمة"

مجموعة من النسوة في السودان
BBC

صبت لنا تهاني الشاي الذي أعدته لنا بنفسها في الأكواب الزجاجية وتوقفت للحظة وكأنها تستدرك أمرا مهما، قائلة إن المرأة في السودان ضحية لبعض التشريعات التي وصفتها بالمعيبة.

وتابعت: "تعاني السودانيات بشكل يومي من المادة 156 من القانون الجنائي والمتعلق بالزي الفاضح، وذلك لأن هذه المادة فضفاضة وبموجبها يُلقى القبض على النساء ويُجلدن وتوجه لهن الإهانة تلو الأخرى، كما أن قانون الأحوال الشخصية لم يحدد سنا معينة لزواج الفتيات وهو ما فتح الباب واسعا امام زواج القاصرات".

جلد في الشارع

جدل في السودان بسبب فتاة "أساءت للشرطة "

"حكاية نورا حسين"

كانت تهاني عباس أول قد فجر القضية المعروفة في السودان باسم "نورا حسين" التي حكم عليها بالإعدام بعد إدانتها بقتل زوجها.

وكانت نورا قد أكدت أن ما فعلته كان بعدما حاول زوجها إجبارها على ممارسة الجنس معه.

آنذاك، كتبت تهاني على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن الفتاة القاصر ستُشنق حتى الإعدام إذا لم يتحرك العالم، ولم تكتف بهذا الأمر، وإنما بادرت لإطلاق حملة لمناهضة الحكم، ومن أجل ذلك، كانت أول من قابل الفتاة داخل السجن بعد الحكم عليها وطلبت منها الإذن لمتابعة قضيتها فوافقت.

وبعد استئناف الحكم حصلت على البراءة من تهمة القتل العمد وخفف الحكم الى 5 سنوات ما عُد سابقة في تاريخ القضاء السوداني .

وفِي هذا الصدد، تقول تهاني إنها فخورة بما قدمته لنورا الطفلة التي أجبرت على الزواج وعندما صدر حكم البراءة "بكيتُ كما الأطفال الصغار وذهبتُ إلى السجن واحتفلت معها بعد أن نزعتُ الأصفاد من قدميها".

وتضيف تهاني وهي تغالب دمعة على خدها: "نورا محظوظة لأن قضيتها خرجت إلى العلن، ولكن هناك كثيرا من الصغيرات اضطررن للانتحار أو أصبن بأمراض نفسية بعد إجبارهن على الزواج وهن صغيرات في السن".

وتبدو تهاني، الأم لطفلين، متفائلة بشأن مستقبل المرأة السودانية بالرغم من كل التحديات، إذ تقول إن هناك "معارك صغيرة كسبتها المرأة في ظل وجود كثير من المبادرات الجماعية مثل مجموعة "لا لقهر النساء" أو "تجمع بائعات الشاي" الذي نجح أيضا في إقناع السلطات بالتراجع عن قرار منعهن من العمل في الأماكن العامة في الخرطوم.

وتوجز تهاني الأمر بقولها إن " حواء السودانية ولود" .

---------------------------------------

يمكنكم تسلم إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.