منع علماء أميركيون موت الخلايا العصبية البصرية بسبب تنكس الشبكية عبر زراعة خلايا جذعية ملونة في عيون فئران وخنازير تعاني تنكس البقعة الجغرافي الجاف، والتجارب على البشر تعد بإنقاذ الملايين من العمى.

إيلاف من برلين: حقق العلماء الأميركيون إنجازًا ربما يمنع إصابة 30 مليون إنسان سنويًا بالعمى، بسبب تنكس بقعة الشبكية الناجم من تقدم السن، أو بسبب أمراض التهاب المفاصل، وداء السكري، أشهر أمراض العين على الإطلاق.

وكتب فريق العلماء في معهد العين الوطني الأميركي في بيثيسدا (ميرلاند) في مجلة "ساينس ترانسلايشونال ميديسن" أنهم منعوا موت العصب البصري والخلايا العصبية البصرية الناجم من تنكس الشبكية، بعد زراعة خلايا ملونة جذعية من الشبكية في عيون فئران وخنازير تعاني تنكس البقعة الجغرافي (الجاف أيضًا). ويخطط فريق العلماء لإجراء تجارب مماثلة على البشر.

براريق شفافة
يعتبر النوع الجاف من تنكس البقعة الناجم من تقدم السن (بعد 65 عامًا) من أشهر أنواع أمراض العين وأوسعها انتشارًا. يبدأ المرض بتراكم رواسب صفراء مميزة في البقعة (المنطقة المركزية من شبكية العين التي توفر رؤية تفصيلية مركزية)، وتسمى هذه الرواسب براريق شفافة، وتتواجد بين الظهارية الصبغية الشبكية وغلاف العين المشيمي الأساسي.

تضر هذه البراريق بعمل طبقة الخلايا الصبغية التي تضطلع بمهمة تغذية الخلايا المخروطية والعصوية. وتنتشر البراريق الشفافة بالتدريج، فتتحول الشبكية إلى شبه "خريطة" يطلق عليها الأطباء اسم التنكس الجغرافي.

لا يعرف الطب طريقة لوقف تنكس الشبكية، وصولًا إلى العمى، لكن هناك عمليات قادرة على تأخيره فحسب. وهذه عمليات تتم فيها زراعة أجزاء سليمة من الشبكية في المنطقة المصابة، ما يضمن تغذية الخلايا الحسية في الشبكية فترة معيّنة، قد لا تزيد على أشهر قليلة. لهذا، لا يصف جراحو العين مثل هذه العمليات المكلفة إلا نادرًا.

خلايا شبكية مخبرية
يتمثل البديل من عمليات ترقيع الشبكية في العلاج بخلايا صبغية شبكية مخبرية من خلايا جذعية مستمدة من المريض نفسه. هذا ممكن باستخدام الخلايا الجذعية متعددة القدرات (iPS) التي يُنتجها العلماء اليوم من خلايا الجسم الطبيعية.

نجح فريق العمل بقيادة كابل بهارتي، من معهد العين الوطني الأميركي في بيتشدا (ميرلاند)، في زرع مثل هذه الخلايا في شبكيات فئران وخنازير. وبدأ الفريق عمله بأخذ عيّنات من دم ثلاثة مرضى يعانون تنكس البقعة الجاف، وعملوا في خطوة لاحقة على تحويل خلايا الدم الجذعية إلى خلايا جذعية متعددة القدرات (iPS).

من الخلايا الأخيرة، كسب بهارتي ظهارة شبكية صبغية (Retinale Pigmentepithelien (RPE، ثم عمل مع فريقه في المختبر على تكثيرها ووضعها على حامل ظهاري يتألف من طبقة واحدة من الخلايا. زرع الباحثون هذه الشرائح الخلوية في شبكيات الفئران والخنازير بين الأجزاء الميتة والسليمة من الشبكية.

ولأن الحامل الظهاري مصنوع من مادة بيولوجية تتحلل تلقائيًا، فقد حدث ذلك، وبقيت خلايا الظهارة الشبكية الصبغية وحدها.

اندمجت في خلايا الشبكية
بعد أسابيع قليلة من أجراء العملية، تبيّن أن ظهارة الخلايا الشبكية الصبغية اندمجت في خلايا الشبكية الأصلية. وكشفت الفحوصات تحت المجهرية أن ظهارة الخلايا الشبكية الصبغية بدأت تؤدي وظائفها البصرية، وصارت تفرز إنزيم &RPE65 الضروري لتدوير الصبغات البصرية في العين.

المهم أيضًا هو أن ظهارة الخلايا الصبغة نشّطت الخلايا الدفاعية الضوئية التي تتواجد عادة في الخلايا المخروطية والعصوية.&
وتوصل فريق العمل إلى إثبات أن خلايا الشبكية بدأت تستلم الإيعازات الضوئية من العصب البصري، كما اتضح أن خلايا ظهارية شبكة العين ما كانت لتندمج في خلايا الشبكية لو لم تُزرع على الحامل الظهاري المذكور.

عمليات على البشر
للتأكد من النائج أعاد العلماء التجربة على شبكيات عيون خنازير تعمدوا إصابتها بتنكس البقعة بوساطة أشعة الليزر. واستخدموا في زراعة ظهارة الشبكية الصبغية جهازًا خاصًا أنتجوه لهذا الغرض، يضمن إلحاق أقل ما يمكن من الضرر بالشبكية في أثناء إجراء العملية. وثبت أن العملية ناجحة، وصانت الخلايا العصبية البصرية من الموت.

يخطط بهارتي الآن لإجراء العمليات سريرًا على بشر في المرحلة الأولى من تنكس بقعة الشبكية. يقول إن سلامة العين من الأضرار مضمونة، ووقف تقدم المرض مضمون.

التطور السلبي الوحيد الذي يمكن توقعه هو ألا تتمتع ظهارة الخلايا الشبكية الصبغية بكامل مواصفات الخلايا الأصلية؛ إذ ربما يؤدي هذا إلى نمو وانتشار مضطرب لهذه الخلايا، أي إلى نمو سرطاني محتمل، بحسب بهارتي.

تجنبًا لذلك، أخضع فريق العمل ظهارة الخلايا الشبكية الصبغية المنتجة مخبريًا لفحص جيني. إلا أنه لم تظهر أية دلائل يمكن منها استنتاج حدوث مثل هذا النمو المضطرب. يقول بهارتي إن الكلمة الأخيرة في إجراء التجارب السريرية على البشر تعود إلى إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA).
&