صورة
BBC

وصلت ساندرا ذات الـ 38 عاما إلى مدريد قادمة من بيروت؛ لم تخبر أحدا إلا أخاها وعددا من المقربين عن السبب الحقيقي لرحلتها؛ لم يكن هدفها السياحة، بل "إيجاد خطة بديلة" لتصبح أما يوما ما.

بدأت إجراءات عملية تجميد البويضات أثناء وجودها في بلدها لبنان، وتضمن ذلك حقن نفسها يوميا ثلاث مرات بمنشطات للمبيضين، أما باقي الإجراءات فتكملها أثناء وجودها في مدريد لمدة خمسة أيام.

وهذه ليست المرة الأولى التي تفكر فيها ساندرا (التي فضّلت عدم ذكر اسم عائلتها) بحفظ حقها بالأمومة؛ فمع بلوغها سن الـ ٣٣، وبعد علاقة طويلة لم تنته بزواج، بدأت فكرة حفظ البويضات تراودها. وتعيش ساندرا الآن علاقة جديدة، وترى أن تجميد البويضات سيساعدها هي وشريكها على اتخاذ قرار الزواج بتأن.

"إذا ما قررنا لاحقا الزواج، فالأمومة محفوظة"، تقول لي ساندرا على الهاتف وهي تستعد للتوجه إلى العيادة لمراقبة وضعها والتأكد من جاهزيتها لسحب البويضات.

أخبرتني أنها خلال الفترة الماضية لم تشعر بألم كبير، لكن الإبر المنشطة تسببت بانتفاخ بطنها، وبتغيّر في المزاج.

قد تكون قصة ساندرا غير شائعة في المنطقة العربية لأسباب كثيرة؛ اجتماعية واقتصادية ودينية، لكن هذه الفكرة لا تزال تراود العديدات، ولأسباب مختلفة.

الحلم له ثمن

يرى نجيب داغر، وهو طبيب أمراض نسائية في بيروت والمشرف على حالة ساندرا، أن مثل هذا الإجراء بات متكررا؛ حيث ترغب العديد من النساء العازبات بتأخير الأمومة إما للتركيز على العمل، أو لتأجيل الزواج بسبب غلاء المعيشة.

ورغم أن تجميد البويضات مجاز طبيا وقانونيا في لبنان للنساء غير المتزوجات، إلا أن مخاوف ساندرا دفعتها لإجراء العملية في مدريد كي يتم حفظ بويضاتها "بشكل أفضل"، كما تقول.

ساندرا، وبهذا الإجراء، تسعى لتمديد أمد قدرتها على الإنجاب؛ فالطبيب داغر يصف العملية بأنها "تمديد للزمن الإنجابي للمرأة حتى عمر الخمسين عاما؛ حيث يكون الرحم لا يزال قادرا على الحمل، بعكس البويضات التي تتأثر جودتها بتقدم العمر".

عرّف موقع (مايو كلينيك - Mayo Clinic) الطبي تجميد البويضة بأنه "حفظ الخلية البيضية الناضجة بوسط بارد؛ حيث تجمع البويضات من المبيضين، ويتم تجميدها غير مخصبة، وتُخزن للاستخدام في وقت لاحق".

ويشرح عبد الرؤوف رياض، مستشار الأمراض النسائية والتوليد والعقم وجراحة المنظار في الأردن، أن الفرق بين هذا الإجراء وبين تجميد الأجنة أن الأخير يعني تجميد البويضة بعد تلقيحها بالحيوان المنوي، لتصبح جنينا، وعندها يتم تجميدها.

قد يكون وقع التعريف العلمي سهلا، لكن تطبيقه على أرض الواقع قد يكلفك مبلغا ليس بالقليل؛ ففي بريطانيا مثلا، تبلغ تكلفة الدورة الواحدة لعملية تجميد البويضات ما يعادل 3,000 - 6,500 دولار أمريكي.

ولا تختلف هذه التكلفة عن لبنان، إذ قال د. داغر إن النفقات قد تصل إلى 5,000 دولار أمريكي.

لكن هذا الخيار ليس متاحا دائما للنساء العازبات في كثير من الدول العربية، وتختلف الضوابط باختلاف البلد والدين.

قطار
BBC

ماذا لو..

لو افترضنا أن ساندرا ممن يلتزمن بتعاليم الكاثوليكية في الأردن، فماذا كانت ستفعل؟ الأب رفعت بدر، مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، يقول لبي بي سي إن الأمر "مناط بسر الزواج المقدس، أي التقاء جسد الزوجين" وحدوث التلقيح الطبيعي، لذا يؤكد أن تجميد البويضات أمر لا تجيزه الكنيسة الكاثوليكية في الأردن، لكنه "لا يضع من فعله في ركن الخطيئة".

أما إن كانت ساندرا تلتزم بتعاليم الإسلام في الأردن، وأقدمت على سحب بويضاتها وهي عزباء فإن ما قامت به سيندرج تحت فتوى أصدرها المفتي محمد الخلايلة، والتي نشرتها دار الإفتاء عبر موقعها الالكتروني: "إذا التزم أصحاب النطف المجمدة بعدم تلقيحها إلا في حال قيام الزوجة بعقد زواج صحيح، فلا حرج عليهم في اتخاذ هذه الوسيلة عند الحاجة إليها، وسواء سحبت هذه النطف وجمدت خلال العزوبة، أو عقد زواج سابق، فليس ذلك بفرق مؤثر، المهم أن حرمة التلقيح لا تُقتحم إلا في ظل عقد زواج صحيح عند التلقيح من قبل الزوجين".

ولو كانت ساندرا تحاول تجميد بويضاتها في دولة الإمارات فلن تتمكن من ذلك، لأن الإمارات وضعت شروطا محددة، منها أن تكون قد بدأت الاستعداد للعلاج الكيماوي إن كانت مريضة؛ أو أن تكون مصابة بمرض قد يؤثر على خصوبتها مستقبلا؛ وأن يكون عمرها قد تجاوز 33 عاما وتخشى فقدان حقها في الأمومة مستقبلا، كما وضح أحمد فقيه، الأخصائي في الأمراض النسائية والتوليد وأطفال الأنابيب في دبي.

كما أوضح د.فقيه أن هيئة الصحة تتعامل مع كل طلب تجميد كحالة منفصلة، وينظر في ما إذا استوفت كل حالة الشروط المطلوبة.

ولكن إن ذهبت ساندرا إلى الشمال الإفريقي، وتحديدا تونس؛ فالمشرع التونسي يرى الأمر من منظار مختلف.

فالمستشارة السابقة بمحكمة التعقيب في تونس القاضية كلثوم كنو ترى أن لا وجود لمانع قانوني للقيام بالتجميد خاصة مع عدم وجود نص قانوني يحجر الأمر، وتقول إن القانون التونسي لا يعاقب العزباء عندما تنجب أطفالا خارج إطار الزواج، "فالأولى عدم وجود عقوبة لمن تقدم على تجميد بويضاتها".

ومجددا، لو تخيلنا ساندرا في بلد آخر كالجزائر، فإنها أيضا ستواجه عددا من الشروط قبل إجراء العملية.

يقول زبير ركيك، مدير مستشفى بارني الذي يحوي أول بنك عمومي لحفظ البويضات والحيوانات المنوية، والذي استحدث في السنوات الأخيرة، إن كانت الشابة في عشرينياتها، ولم تكن تعاني أية مشكلة صحية، فلن تتمكن من حفظ البويضات في الجزائر؛ إذ يتعين عليها أن تكون قد تجاوزت الثلاثين عاما، وتعاني من مرض قد يؤثر على خصوبتها مستقبلا، أو تستعد للخضوع للعلاج الكيماوي.

هاجس "العذرية"

إلى جانب التقييدات القانونية والدينية، هناك قيد آخر، مفروض من قبل المجتمع؛ فبالنسبة لمعظم العائلات قد لا يكون اللجوء لهذه العملية خيارا واردا، إذ يبرز هاجس تمزق غشاء البكارة عند استخراج البويضات - الأمر الذي لا يزال يشكل ضغطا كبيرا على الفتيات.

يقول عبد الرؤوف رياض، مستشار النسائية والتوليد والعقم وجراحة المنظار في الأردن، إن العملية يمكن أن تتم بسحب البويضات عبر البطن، لكن نجيب داغر يخالفه الرأي، ويقول: "سحب البويضات من البطن إجراء غير دقيق تقنيا، ويمنع سحب معظم البويضات"، لذا يفضل سحب البويضات عن طريق المهبل.

صورة
BBC

مراحل العملية

1- استشارة طبيب/ طبيبة الأمراض النسائية: قبل الخضوع للإجراء يتعين عليك زيارة الطبيب لمناقشة تاريخك المرضي والأعراض الجانبية المتوقعة_

2- فحوصات الدم/ فحص بالموجات فوق الصوتية للمبيضين لمعرفة نسبة الهرمونات ومعرفة وضع المبيض

3- استشارة الممرضة لشرح المراحل المقبلة: ستخبرك الممرضة في هذه المرحلة عما هو آت، الحصول على موافقتك للخضوع للتجميد، ونوعية الفحوص والإبر

4- إبر تحفيز المبيض أو تحفيز البويضات

5- مراقبة المبيض ووظيفته بعد التحفيز

6- مزيد من الإبر المحفزة: عندما تصل الهرمونات إلى المعدل المطلوب سيتم الحقن بإبر أخرى من أجل إنضاج البويضات

7- مرحلة جمع البويضات عبر المهبل

8- تجميد البويضات بالاعتماد على "التزجيج"، ويعني تخفيض درجات حرارة البويضات عن طريق التبريد السريع.