رسم تمثيلي لامرأة خسرت عينيها
BBC

ستكون لميس أبو عزيزة (26 عاما) من بين المحتجين أمام مبنى رئاسة الوزراء في العاصمة عمّان يوم السبت، لإسماع صوتها الرافض لما جرى لابنة بلدها التي خسرت بصرها بعد أن اقتلع زوجها عينيها بيديه أمام أولادهما - في أجدد جريمة عنف أسري ضجّت بها الأردن.

تقول لميس "صحيح أنني أعيش في العاصمة وعائلتي متفهمة ومتعلمة، لكن من المخيف الشعور بأننا قريبون جدا من هذه الحوادث وأن أي شخص معرض للعنف. عيب أننا لا نزال نناقش مثل هذه المواضيع وأن بعض الناس لا يزال يقول هذه ليست أولويات الآن. نحن في الحقيقة متأخرون في مواضيع حقوق المرأة".

انشغلت وسائل الإعلام الأردنية بالجريمة التي طالت "فاطمة أبو عكليك" ذات الـ 37 عاما من مدينة جرش، ورغم أنها لا تزال في المشفى، تحدثت إلى عدد من الصحفيين المحليين عن تفاصيل ما جرى لها.

متحدثة بهدوء، قالت فاطمة، في مقابلة مصوّرة مع وكالة عمّون الإخبارية، إنها كانت تعيش بحالة "كر وفر وكأنها في حالة حرب" مع زوجها.

تعرضت دائما لمسبّات وللضرب والإهانة وكثيرا ما كانت تحتمي ببيت أهلها. رفعت على زوجها دعوى نفقة لأنه كان قد رهن راتبه لسداد قروض مالية، لكنها لم تستطع دفع رسوم قضية الطلاق فتخلت عنها.

من الصعب جدا مجرد سماع ما كانت تقوله فاطمة عن كيفية اقتلاع عينيها وتخيل ما مرّت به. لكن أولادها (وأكبرهم يبلغ 13 عاما) كانوا هناك، سمعوا صراخها من وراء الباب، أما الصغيرة فكانت في ذات الغرفة.

طلب منها زوجها، وهو ابن عمها، أن تحضّر له قهوة وأرجيلة وأن تجلس معه في غرفة الضيوف التي أقفلها. أخرج سكينا كان قد خبأها وقال لها "إنت تقوليلي ما بدك ياني" وهددها بأنه سيذبحها أو سيذبح الأولاد أمامها. حاول خنقها ثم أخرج عينيها بيديه. جاءت الجارات لمساعدتها بعد إبلاغ الدفاع المدني، كما تروي فاطمة.

الزوج الآن موقوف في الحبس الاحتياطي، حتى يجهز التقرير الطبي القطعي لتقديمه للقضاء.

عمّان
Getty Images

"خط أحمر"

في مايو/أيار من عام 2017 أقر قانون الحماية من العنف الأسري في الأردن - في ذاك العام اتخذ قرار آخر مهم في مجال دعم حقوق المرأة نص على إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات والتي كانت تعفي المغتصب من العقوبة إن تزوج ضحيته لتلحق الأردن بكل من مصر (التي ألغت مادة مشابهة عام 1999)، وبالمغرب (2014).

لكن كما هي الحال في كثير من المجتمعات العربية فإن إقرار قانون شيء، وتطبيقه شيء آخر.

تقول إيمان بني سعيد، وهي مدافعة عن حقوق الإنسان وتعمل كمحامية منذ 12 عاما: "عندنا قوانين متطورة وعصرية ونواكب التطورات العالمية، لكنها قوانين غير مفعّلة".

وتوضّح أن اللجوء لإدارة حماية الأسرة بمثابة "خط أحمر" بالنسبة لبعض الأسر.

وإدارة حماية الأسرة هي الدائرة التابعة لمديرية الأمن العام والتي تتلقى شكاوى العنف الأسري.

"بسبب العادات والتقاليد، وبسبب طبيعة المجتمع الأردني العشائرية، إن اشتكت المرأة زوجها لأهلها فسيمنعوها من اللجوء لإدارة حماية الأسرة لأن ذلك سيعني استدعاء الزوج من قبل الشرطة ويمكن أن يحبس. كما أن حماية الأسرة قد تحولها لمكتب المحافظ في حالة التعنيف الشديد وقد تحول إلى مركز حماية وكل هذا مرفوض مجتمعيا"، كما توضّح إيمان.

بلغ عدد حالات العنف الأسري التي تعاملت معها إدارة حماية الأسرة أكثر من 10 آلاف حالة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، نقلا عن وكالة الأنباء الأردنية (بترا).

تضمنت تلك الحالات 1806 حالة عنف أسري ضد المرأة - علما أن عدد سكان الأردن فاق الـ 10 مليون نسمة هذا العام.

https://twitter.com/Abuhawash10/status/1194550280710426629

تضيف إيمان مشكلة أخرى تتعلق بإدارة حماية الأسرة لأن "الإجراء الأول هو المصالحة بين الزوجين" وإعادة المرأة إلى زوجها رغم تعنيف المرأة بشدة من قبله.

كما تضيف بعدا آخر للمشكلة؛ إذ تقول إنها في عملها اليومي تلتقي بنساء كثيرات يقبلن بالعنف ويسكتن عنه طويلا، وتتذكر امرأة سورية مقيمة في الأردن قلع زوجها السوري عينها أيضا وجاءت لإيمان تطلب المساعدة ولكن كانت "متأخرة جدا".

"العنف في الأردن عنف منهجي، هو ليس حالة فردية"، تقول إيمان في اتصال هاتفي، "لكن البعض يحاول أن يظهر أن مجتمعنا بخير ويحاول ألا يشوه صورة الرجل بالأردن".

لكن المحامية آمال حدادين، المستشارة القانونية لللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، فإنها ترى أن قانون الحماية (2017) ساعد نساء أكثر للتبليغ عن العنف بعد أن كن يحجمن عن التبليغ لأنّ أي مؤسسة تلجأ لها المرأة كانت ملزمة بتبليغ القضاء عن الحالة. أما القانون الحالي فنص على أن يترك للمرأة - إن كانت فوق 18 عاما - قرار تبليغ القضاء عن المعنّف.

امرأة - عمّان
Getty Images

ما مصير الزوج والأطفال؟

بناء على المعلومات التي وصلت فإن ما قام به الزوج لا يصنّف كجنحة وإنما جناية، لأن الرجل أفقدها بصرها وتسبب لها بعاهة دائمة، كما أنه كان ممسكا بسكين ما يعني احتمال أن تكون جريمة الشروع بالقتل، وفقا للمحامية آمال حدادين.

وتوضح أن عقوبة الجناية تتراوح ما بين 3 - 15 سنة.

وتؤكد أن المشرّع الأردني شدد على ألا يستفيد الجاني من العقوبة المخففة إن وقع الفعل على أنثى وفقا للمادة 98.

لكنها تقول إن هناك إمكانية تخفيف العقوبة في حال تنازلت فاطمة عن حقها الشخصي في حال تعرضها لضغط من قبل الأسرة.

أما بخصوص حضانة الأطفال في حال الطلاق، فتقول المحامية آمال إن الحضانة حتى عمر 15 سنة تكون من حق الأم وأحيانا قد تصل إلى عمر 18 أو حتى نهاية التعليم الجامعي في بعض الحالات.

بانتظار ما سيقرر القضاء الأردني، ستتظاهر لميس وغيرها يوم السبت في وقفة دعت إليها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة وأسمتها "طفح الكيل".

وكتب على صفحة الحدث على فيسبوك: "كفانا إعتراضاً على منصات التواصل الاجتماعي. كفانا انتظارا. طفح الكيل. نجتمع معا يدا بيد لمواجهة المنظومة المؤسسية والفكرية التي تعيد إنتاج العنف والتمييز ضد المرأة. لكل أردني وأردنية لديهم غيرة على قيمنا المجتمعية الأصيلة الرافضة لكل أشكال العنف والتمييز لكل شخص".