على الرغم من أن النساء الأمريكيات من أصول عربية لا يشكلن الشريحة الانتخابية الأكثر تأثيرا في حسم الانتخابات الأمريكية، إلا أن أصواتهن تعكس مخاوف واهتمامات قطاع كبير من المجتمع الأمريكي بشكل عام، والأقليات العرقية والدينية بشكل خاص.

بي بي سي تحدثت مع أربع نساء يمثلن توجهات مختلفة لخيارات التصويت في الانتخابيات الأمريكية القادمة.

"تعرضتُ للتهديد بالقتل بسبب دعمي لترامب"

آندي
BBC

بالنسبة لآندي أبو شنب، ربة منزل وأم لطفلين تعيش في لويزيانا، الخيار واضح: الرئيس دونالد ترامب.

وأدلت آندي بصوتها للمرة الأولى في انتخابات عام 2016 لصالح ترامب، كما كان له الدور الأكبر في اتخاذها قرار التحول من ناخبة مستقلة إلى ناخبة مسجلة في الحزب الجمهوري.

"مع أنني لم أكن أحب شخصية ترامب الإعلامية، إلا أنني معجبة جدا بإنجازاته حتى الآن".

تطرقت آندي لجوانب عديدة استطاع ترامب فيها إقناعها كناخبة، أبرزها اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات، والتي وجدت فيه خطوة أولى نحو حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي مؤكدة أن "السلام هو الخيار الأفضل على أرض الواقع".

كما أكدت على النتائج السلبية لعدم اختيار السلام، والتي تتمثل في استمرار الصراع والاشتباكات والعنف، متخذة من الاحتجاجات الأخيرة في بورتلاند مثالا على كلامها، فتقول "انظري لما يجري في البلاد... انظري إلى حالة الاحتقان والعنف". وتساءلت: "ما الذي سيتغيّر بعد هذه الأفعال؟ إن هذه الأعمال التخريبية هي ناتجة عن قيام جماعة 'أنتيفا' بتأجيج الفوضى والعنف".

ولا تلتفت آندي كثيرا إلى التعليقات التي تتهم خطاب ترامب بالعنصرية، " فأنا لا يهمني كلامه، بل يهمني فعله".

وعددت قرارات الرئيس الأمريكي التي لمست فيها إنجازا واضحا في السنوات الأخيرة، منها تدني معدلات البطالة، وإصلاح نظام السجون، واتفاقية التبادل التجاري الحر بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وغيرها من الملفات.

وترى آندي أن الاتهامات الموجهة لترامب منبعها "وسائل الإعلام التي دوما ما تجتزئ كلامه عن سياقه".

ومن هنا تطرقت آندي للحديث عن دور الإعلام السلبي، خصوصا عند تغطية أخبار الرئيس الأمريكي، إذ تتهم وسائل الإعلام بتوسيع الفجوة في المجتمع الأمريكي. كما تلوم سياسات منصات التواصل الاجتماعي التي "تقمع مؤيدي ترامب"، الأمر الذي واجهته بنفسها عند محاولتها عرض آرائها السياسية "لأتفاجأ بغلق قناتي دون إعطائي شرحا وافيا عن السبب".

وتضيف آندي أن نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي كداعمة لترامب قوبل بكم هائل من الشتائم والتهديدات، "فأنا أتعرض للهجوم بشكل كبير، وأتلقى تهديدات بالقتل والاغتصاب... الناس حقاً مغيبون عن الحقيقة".

وتنهى آندي كلامها قائلة: "أريد أن أنصح الجميع بألا يصدقوا كل ما يتم تناقله، استمعوا إلى كلام ترامب كاملا وستدركون مقصده الحقيقي. ترامب أثبت نفسه بأفعاله، والأفعـال أعلى صوتاً من الأقوال".

Link box banner bottom
BBC

"أصوت دفاعا عن الحلم الأمريكي"

نجلاء مشعل
BBC

"أذكر أنني كنت أقود سيارتي حين سمعت أنباء نقل السفارة الأمريكية للقدس. لم أستطع حينها إيقاف دموعي".

هكذا وصفت نجلاء مشعل أخصائية نفسية تعيش في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، اللحظة التي استقبلت فيها الخبر الذي شكل "المسمار الأخير في نعش رئاسة ترامب". وبالنسبة لها ولآخرين مثلها، ساهم هذا القرار في ازدياد الشعور العميق "بالامتهان وعدم الاحترام".

لا تقتصرُ أسباب نجلاء لاختيار التصويت للحزب الديمقراطي على السياسات الخارجية للولايات المتحدة فحسب، فمكافحة مفهوم تفوق العرق الأبيض وسياسيات الحزب المتعلقة بالرعاية الصحية والتغيّر المناخي شكلت بعض الملفات الداخلية التي تصدرت اهتماماتها.

ومن جانب آخر، تأملُ نجلاء في معالجة بعض الأزمات الطارئة في البلاد، مثل زيادة انتشار نظريات المؤامرة مثل حركة "كيو آنون"، وتدهور العلاقات الحالية بين الأعراق، بالإضافة إلى تداعيات الانسحاب من اتفاق باريس لتغيُر المناخ.

ومع أن نجلاء كانت دائمة التصويت للحزب الديمقراطي، إلا أنها تعترف بخيبة أملها في المرشح الحالي، فجو بايدن لم يكن خياراها الأول، وكانت تطمح لتأهل مرشحين آخرين من الحزب. لكن "الجمهوريين يصطفون خلف مرشحهم لضمان نجاحه في الانتخابات"، وربما على الديمقراطيين فعل الشيء نفسه.

وترى نجلاء أن هناك توجها معاديا للأقليات ازداد وضوحا بعد انتخاب الرئيس ترامب، الذي "جاء فوزه كردّة فعل لانتخاب الرئيس السابق باراك أوباما". وأضافت: "أصبح من الصعب لأي لاجئ أو أي شخص يأمل في حياة أفضل دخول الولايات المتحدة، سواء كان من أصحاب الحرف أو حتى مهندسا. ألا يتناقض هذا مع وعد الحلم الأمريكي؟"

وعن تفضيلات بعض الناخبين ذوي الأصول العربية لترامب، قالت إنه "من الصعب تحليل 'ظاهرة ترامب' عن بُعد، لكن البعض يرون فيه مثالا للقائد القوي الذي يحاكي صورة الحاكم الفذ في العالم العربي".

وتطرقت نجلاء لمشاهداتها المهنية حول تأثير الانتخابات الأمريكية على الصحة النفسية للمواطن الأمريكي، فتقول: "بصفتي أخصائية نفسية، لم أشهد من قبل مثل هذا الضغط النفسي الناتج عن الانتخابات. لقد فقد الكثيرون القدرة على النوم، وآخرون لا زالوا يصارعون القلق والاكتئاب".

وتؤكد نجلاء أن أسبابها للتصويت اختلفت قبل وبعد جائحة كورونا، فسابقا كانت الأسباب تتضمن الجانب الاقتصادي وبعض السياسات الداخلية والخارجية. أما الآن يتمحور اهتمامها الأساسي حول طريقة التعامل الأنسب مع ملف فيروس كورونا.

ومع أن العديد من مؤيدي ترامب يرون أن الرئيس الأمريكي قد نجح في إدارة الأزمة الاقتصادية، عن طريق خفض معدلات البطالة بين الأقليات، وأن خطته الضريبية أقل وقعا على البعض، إلا أن نجلاء لا تنظر للأمر من هذه الزاوية.

"أنا أصوت ضد مصالحي الاقتصادية لأن اهتمامي موجه نحو المصلحة العامة الجميع، ولا يجب إغفال أن الأقليات هي الأكثر تضررا بسبب هذه الجائحة".

وأخيرا قالت نجلاء: "لقد خسرنا عشرات الآلاف من الأرواح. بايدن - على عكس ترامب - يصغي إلى العلماء وتحذيراتهم. وإذا كان هو الشخص القادر على إخراج ترامب من الرئاسة، فليكن".

Link box banner bottom
BBC

"نشعر وكأننا محصورين بين اختيار ترامب أو بايدن"

غادة
BBC

ترى غادة بدراوي، مهندسة مدنية وأم لشابين، أن خيار التصويت بالشكل الأنسب يكون باختيار المرشح "الأفضل للبلاد". ربما لهذا السبب اختارت أن تكون ناخبة مستقلة، غير منتمية لأي من الحزبين.

"ولائي ليس لحزب محدد، بل لأمريكا وللدستور الأمريكي."

طغى شعور الخيبة على الكثير من الأمريكيين الذين لم يجدوا في أي من مرشحي الحزبين خيارهم الأمثل. وتوضح غادة أنه "في الكثير من الأحيان تقوم الأحزاب باختيار المرشح بناءَ على قدرته على جمع الأصوات عوضا عما إذا كان يمثل فعلا 'الخيار الأفضل' للناخبين".

وتضيف: "أنا وكثيرون غيري نشعر وكأننا محصورين بين اختيار ترامب أو بايدن".

كان عامل الحماس طاغيا عند بداية استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئاسة، فمثّل "استقلاله" - إلى حد ما - جانبا إيجابيا لدى العديد من الأمريكيين مثل غادة، إلا أنها ترصد الآن "انشقاقا كبيرا" بين المواطنين.

أما بالنسبة لبايدن، لا تعتقد غادة أنه كان المرشح الأفضل، إذ كانت تفضل ترشح شخص "يعكس أفكارا أكثر تقدمية" مثل بيرني ساندرز أو كامالا هاريس أو بيت بوتجيج.

وعلى صعيد آخر، تجد غادة نقاطا مشتركة تتفق فيها مع كلا الحزبين. "التعديل الثاني" من الدستور الأمريكي مثلا، يمثل إحدى تلك النقاط التي تتقارب آراؤها فيها مع الجانب الجمهوري، فهي لا ترى أن حظر السلاح قد يكون الحل الأنسب لحوادث إطلاق النار. وتوضح: "نحن بذلك نتعامل مع النتيجة لا المسبب. لا يُقتل الناس بسبب البنادق بل بسبب الأيديولوجيات".

أما بالنسبة للحزب الديمقراطي، فكانت سياسات الرعاية الصحية أبرز الجوانب التي اتفقت فيها رؤية غادة مع توجهات الحزب، فبالنسبة لها "ليس من الصواب أن يُفلس الناس في سبيل الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة".

تدرك غادة صعوبة اتفاق الأغلبية على مرشح واحد "وبالطبع لا أبحث عن رئيس مفصل". لكنها تقر "بحاجة البلاد إلى قيادة حكيمة".

وتضيف: "نحن الآن في نقطة حرجة في تاريخ الولايات المتحدة. نحتاج إلى طريق شامل نحو معالجة المشاكل المحورية. على الحزبين العمل على توحيد الأمريكيين تحت مظلة واحدة، والتركيز على المستقبل عوضا عن الانشغال بالانقسامات الحزبية".

Link box banner bottom
BBC

"لا أحد يستحق صوتي"

وفي خضم الحرب الانتخابية القائمة، آثر البعض الابتعاد عن "ضجة" الانتخابات لهذا العام.

تؤكد شذى - اسم مستعار لربة منزل وأم لأربعة أطفال تعيش في لويزيانا - على عدم استحقاق أي من المرشحين لصوتها الانتخابي، فهي ترى أن كلاهما فشل في مخاطبة مخاوفها واهتماماتها كناخبة أمريكية من أصول عربية.

"لن أصوت لترامب لأسباب معروفة".

تضمنت هذه الأسباب موقف الرئيس الأمريكي من التطبيع العربي-الإسرائيلي، و"عداءه" للجالية العربية والمسلمة. كما تعتقد شذى أن انتخاب ترامب "أثر بشكل سلبي على العلاقات بين الأقليات، ما ساهم في زيادة النعرات العنصرية في المجتمع".

أما بالنسبة للمرشح الديمقراطي، جو بايدن، فكانت شذى تطمح في اختيار شخص "أصغر سنا"، يستطيع طرح سياسات تخاطب تطلعات الناخبين بشكل أعمق.

وتخشى شذى من تفاقم الأزمة الداخلية في البلاد حال إعادة انتخاب الرئيس ترامب، إلا أنها لا ترى في انتخاب بايدن "أي فائدة للجالية العربية والإسلامية بأي حال من الأحوال".

وتقرُ بأنها غير متعمقة في تفاصيل السياسات الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية، وأن الشأن الأهم بالنسبة لها هو سياسة الولايات المتحدة الخارجية المتعلقة بالعالم العربي واللاجئين العرب. وفي هذا الشأن بالتحديد، فشل كلا المرشحين في الفوز بصوتها الانتخابي.

ولا تستبعد شذى احتمالية قيامها بالتصويت في الانتخابات مستقبلا، إلا أنها قد طوت هذه الصفحة في الوقت الحالي.