مي الياس من بيروت: في العادة لا أذهب للتعزية أو أحضر دفن شخصية فنية أو عامة لم أكن على معرفة بها أو صلة، إلا لدوافع العمل، ولذلك كنت متواجدة يوم الجمعة قبل الماضي في كنيسة مار الياس في أنطلياس لحضور مراسم دفن الرجل العظيم بفنه منصور الرحباني..
وصلت على الموعد كان القداس على روح الفقيد قد بدأ قبل دقائق، الكنيسة مكتظة بحضور كثيف -سأفترض أنهم كانوا هناك لأن للرجل قيمة كبيرة، فبجانب العائلة والأصدقاء والمقربين، يحق للغرباء من المعجبين بفنه إلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه وتوديعه وداعاً يستحقه.
بحثت عن مقعد فلم أجد مكانا شاغراً وقفت في مؤخرة القاعة والجموع تتزايد، حتى شعرت بالإختناق لأنني بطبعي لا أتحمل الزحام، خرجت الى باحة الكنيسة حيث بالإمكان الإستماع الى القداس وكلمات الوداع عبر مكبر الصوت، وفي الوقت نفسه مراقبة ما يحدث.
كانت الباحة مكتظة هي الأخرى، وكاميرات وسائل الإعلام تصطاد الوجوه العامة التي تتوافد تباعاً quot;متأخرةquot; عن الموعد المعلن بين نصف ساعة وساعة تقريباً ...
ولاحظت حرص المغنين والممثلين والملحنين وبعض فناني الدرجة الثانية والثالثة على التوقف والإبتسام لعدسة الكاميرات، الإستفاضة في شرح مناقب الرجل الذي أشك أن 80% منهم لم يقابله مرة، أو يصافحه حتى في حياته.
المقابلات مستمرة والفنان المتأخر عن قداس الدفن مستمر بالحديث على درج الكنيسة للكاميرات الواحدة تلو الأخرى، وبعض الفنانات رغم إتشاحهن بالسواد الا أن لباسهن المبالغ في قصره، وإظهاره لمفاتنهن الإصطناعية، يناسب أي شيء الا جنازا في كنيسة، والإستنتاج الوحيد أن هؤلاء لم يأتوا للصلاة على روح الفقيد وإنما أتوا لأجل الـ Photo opportunity أي جاءوا طمعاً بالتواجد والإنتشار الإعلامي.
كنت أرقب المشهد بكثير من الإشمئزاز حتى إنتبهت لحركة غير عادية، وصلت السيدة ماجدة الرومي، بلباسها الوقور وهيبتها المعهودة ترافقها مديرة أعمالها ومدير مكتبها، مرت بالقرب مني وعدسات المصورين وكاميرات التلفزيون تلاحقها وتحاصرها من كل جانب، فإعتذرت لهم بأدبها الجم، ورفضت إجراء أي مقابلات، وإكتفت بالرد على سؤال أحد المراسلين عن مشاعرها في هذه المناسبة بالقول quot;أنا حزينة جداًquot;، ودخلت الى القاعة تاركة العدسات وراءها، شعر المراسلون بالخيبة ولكنهم بقوا ينتظرون خروجها علهم يحظون منها بكلمة.
وإنتهى القداس وبدأت عائلة الفقيد بتلقي التعازي من الحضور، ومن قدم واجب العزاء، كان يغادر القاعة، ومن بينهم الماجدة ومرة أخرى رفضت ان تقف وتتحدث الى كاميرات التلفزيون.
غادرت تاركة وراءها المرائينلممارسة ريائهم.