محمد نورالدين: تقترب حكاية كركوك من نهايتها، على الأقل بالنسبة لتركيا. وكركوك هي قلب كردستان، وشمال العراق، الى حد كبير، هو ولاية الموصل - كركوك، وهذه الولاية لا تغادر ذاكرة ووجدان ومصالح الأتراك.
في عام ،1534 ضم السلطان سليمان القانوني العراق الى الدولة العثمانية. واستمر ذلك حتى 1918 حين خسرتها السلطنة أمام القوات الانجليزية ومع ذلك أبقاها البرلمان التركي، في جلسة 28 يناير/كانون الثاني 1920 ضمن الحدود الوطنية. ورفضت انجلترا، ولم يحسم الأمر إلا في الخامس من حزيران/ يونيو من عام ،1926 بتخلي أنقرة عن المطالبة بالموصل - كركوك، وتوقيع اتفاق الحدود النهائي مع العراق. ويُنقل عن مصطفى كمال اتاتورك قوله في 23 فبراير/شباط ،1923 اثناء مفاوضات لوزان ان جيشه قادر على احتلال الموصل، لكنه ليس واثقا في انه يستطيع إنهاء الحرب، فقد تنفتح هناك جبهة حرب لا نهاية لها، وبعد ذلك ينقل بولنت أجاويد، رئيس الحكومة السابق ان عصمت اينونو، خليفة أتاتورك، أوصى باستعادة الموصل في حال توافرت الظروف الملائمة.
تنطلق أنقرة في عهد حكومة رجب طيب اردوجان او الحكومات السابقة من وجود أقلية تركمانية (1-2 مليون) في كركوك وشمال العراق، وإدعاء حماية هويتهم الثقافية والتاريخية، لتبرير تدخلها في شمال العراق.
لكن الواضح ان مشكلة تركيا ليست هنا، لأنه عندما كان نظام صدام حسين يضطهد ويرحّل ويقتل التركمان، كما الأكراد، كانت علاقات انقرة ببغداد على أحسن ما يرام، والمصالح الاقتصادية ولا سيما بعد فتح خط انبوب كركوك - بومورطاليق في ذروة ازدهارها.
تركمان كركوك والعراق عموماً كانوا ذريعة لمواجهة الأكراد، يقول المعلق التركي جنكيز تشاندور، وليس لمواجهة بغداد التي قمعتهم، اي ان البوصلة التركية تؤشر دائما على الشمال.. الكردي.
اليوم يخشى وزير خارجية تركيا عبدالله غول من أن تكون الانتخابات في العراق واقليم كردستان بمثابة استفتاء على الدولة الكردية المستقلة.
لكن أحدا من الاتراك لا تخونه الذاكرة القريبة، حينما كانت تركيا وتركيا فقط، هي البوابة الوحيدة لشمال العراق على العالم اثناء الحظر الدولي والأمريكي على العراق. وكانت تركيا نفسها شريان الحياة لأكراد شمال العراق.
وخلال الفترة التي اعقبت حرب الخليج الثانية عام ،1991 وحتى الغزو الامريكي الاخير، كانت تركيا الآمرة الناهية هناك. وفي ظل رعايتها هذه، كانت كردستان العراق تبلور شخصيتها الثقافية والسياسية، وتؤسس برلماناتها وحكوماتها. كانت الحكومات التركية المتعاقبة تنذر بالويل والثبور، لكنها كانت المساهمة الكبرى في صوغ ملامح الكيان الكردي، كانت العلاقات التحالفية مع الولايات المتحدة و”اسرائيل” تشيح نظر أنقرة عن الأخطار المستقبلية.
احتلت امريكا العراق ولم تشارك تركيا في الحرب، وداس الأكراد، ومعهم الامريكيون كل الخطوط الحمر لتركيا في شمال العراق. خرجت باختصار تركيا من المعادلة العراقية، هي التي كانت المنفردة في التحكم بها، أو على الاقل في شمالها، كانت هزيمة للشعارات التركية المرفوعة.
واليوم، تحذر تركيا من أن ضم كركوك الى كردستان واستقلال كردستان يؤثر في الأمن القومي التركي، عبر تشجيع أكراد تركيا على الانفصال. ويتساءل سردار أرسيفين، في صحيفة “ترجمان” التركية، كيف بقي أكراد العراق وتركيا اوفياء قروناً للسلطنة العثمانية، فيما هم ليسوا كذلك في العهد الجمهوري؟
لقد انتهت مرحلة بكاملها من سياسات انقرة الخاطئة تجاه أكرادها وأكراد شمال العراق، إن حل المسألة العرقية، لا يكون بالإنكار والقمع، ولا بالتعامي عن رؤيتها والتطلع الى الخارج، بدلاً من التطلع الى الداخل.
مشكلة تركيا ليست في كركوك ولا تركمانها ولا شمال العراق وأكراده، إنها مشكلة كل العالم العربي والإسلامي مع اقلياته العرقية والدينية والمذهبية. لذلك يعلو نواح أنقرة والنظام العربي على مصير عراق كانوا في أساس ما هو عليه الآن.