للمرة الأولى تقفل كل الطرق المؤدية إلى ضاحية بيروت الجنوبية بدءًا من منتصف هذا الليل بتوقيت بيروت وحتى انتهاء مسيرة عاشوراء غدًا، وذلك على خلفية الأزمة السورية وتداعياتها التي انعكست أخيرًا على لبنان أعمالاً "إرهابية" تستهدف الجيش، كما فرض على المقيمين السوريين حظر تجول موقتًا حفاظًا على سلامتهم من استهدافات عنصرية.


بيروت: ظهر الامين العام لحزب الله حسن نصرالله شخصيًا مساء الاثنين امام الآلاف من انصاره في الضاحية الجنوبية لبيروت، ليدلي بخطاب في ليلة العاشر من محرم تقوم بنقله مباشرة على الهواء تلفزيونات لبنانية عدة. وظهر نصرالله عند الساعة 19:30 (17:30 ت غ) داخل مجمع سيد الشهداء، الذي كان يغص بآلاف الاشخاص. وفوجئ هؤلاء بظهوره، واطلقوا هتافات "لبيك نصرالله"، كما شوهد العشرات منهم، وهم يحاولون الاقتراب منه على المنصة.

واضطر نصرالله الى الطلب اكثر من مرة من الموجودين في القاعة الجلوس، ووقف الهتافات، وقال "تقولون لبيك؟، اجلسوا واستمعوا، ستهتفون لاحقا". ولا يظهر نصرالله علنا الا نادرا لاسباب امنية. ومكان اقامته غير معروف. وكانت المرة الاخيرة التي ظهر فيها علنا امام الناس في تموز/يوليو في يوم القدس، وكان هذا الظهور العلني الخامس منذ 2006، تاريخ الحرب الاخيرة بين حزب الله واسرائيل في جنوب لبنان.

نصرالله: عون هو المرشح الرئاسي الأفضل
الى ذلك اكد الامين العام لحزب الله حسن نصرالله الاثنين ان حزبه يدعم ترشيح الزعيم المسيحي ميشال عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية، لكونه "المرشح الافضل تمثيلا"، داعيا خصومه الى التحاور مع عون لحل الازمة الرئاسية القائمة في البلاد منذ ثلاثة اشهر.

ويبدي عون، ابرز حليف لحزب الله، رغبته بان يكون رئيسا للجمهورية، شرط التوافق عليه من جميع الاطراف. ورشح خصوم عون وحزب الله (قوى 14 آذار) رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للرئاسة. وابدت قوى 14 آذار استعدادها للبحث في تسوية شرط سحب المرشحين البارزين من هذا الطرف وذاك. وقال نصرالله "نحن ندعم ترشيحا معينا ضمنا وعلنا الكل يعرفه. هذا الترشيح يتمتع بافضل تمثيل مسيحي ووطني"، رافضا سحب هذا الترشيح. واضاف "يقال لك: لتسهيل انتخابات الرئاسة، يجب ان تتخلى عن دعم هذا الترشيح.. هذا غير منصف وغير طبيعي".

وتوجه الى الطرف الآخر قائلا "اذا كنتم تريدون حوارا جديا حول الرئاسة، يجب ان يكون الحوار الاساسي مع المرشح الطبيعي الذي يدعمه فريقنا (...)& العماد ميشال عون".
وهي المرة الاولى منذ بدء الاستحقاق الرئاسي، يعلن فيها نصرالله بهذا الوضوح تاييده ترشيح ميشال عون. ويتوزع ولاء المسيحيين بشكل عام بين التيار الوطني الحر بزعامة عون والقوات اللبنانية. ودعا رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ نيسان/ابريل 14 مرة مجلس النواب الى انتخاب رئيس، لكن نصاب الجلسة لم يكتمل بسبب مقاطعة نواب حزب الله وحلفائه للجلسات التي تحتاج ثلثي الاعضاء من اصل 128 هو عدد اعضاء البرلمان.

ودعا نصرالله الفريق الآخر الى "عدم الرهان على متغيرات اقليمية ودولية"، مشيرا الى ان حليفيه الاقليميين سوريا وايران "فوّضا المقاومة" (حزب الله) اختيار الرئيس، بينما الحلفاء الاقليميون للطرف الآخر، وسمّى منهم السعودية، "يضعون فيتوهات". وقال "اذا كنتم تنتظرون تغيرات اقليمية ودولية ستنتظرون طويلا، لان المنطقة دخلت في صراع سيستمر لسنوات بحسب ما يقول الجميع".

ودعا كل "القوى المحلية" الى "حوار في ما بينها حول رئاسة الجمهورية"، معتبرا ان "المدخل لنجاح الحوار هو التحرر من القيود والفيتوات الاقليمية". من جهة اخرى، رفض نصرالله "الفراغ" في البرلمان، وذلك قبل ايام من انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي من دون ان تتمكن الحكومة من تنظيم انتخابات. وابدى استعداد حزبه للمضي في انتخابات جديدة او للتمديد للمجلس النيابي، مضيفا "ما لسنا جاهزين له نهائيا هو ان يذهب احد عن قصد او غير قصد الى الفراغ. نرفض الذهاب الى الفراغ، واي شيء يمنع ذلك يجب ان نقوم به". وتابع "الفراغ في المجلس النيابي يشكل ضربة كبيرة جدا اذا اضفناها الى الفراغ في الرئاسة".

على صعيد مواز، تفرض قوات الشرطة والجيش إجراءات أمنية مشددة في محيط الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، عشية إحياء ذكرى عاشوراء، بعد توترات أمنية متنقلة يشهدها لبنان على خلفية النزاع السوري.

ودعت بلديتا الهرمل وبعلبك في شرق لبنان، وهما منطقتان محسوبتان كذلك على الحزب الشيعي، دعت المواطنين السوريين الى عدم مغادرة منازلهم اعتبارًا من مساء اليوم الاثنين حتى مساء غد الثلاثاء، وذلك في ظل مداهمات يومية يقوم بها الجيش اللبناني لأماكن سكن سوريين في مناطق مختلفة بحثًا عن مطلوبين واشخاص يشتبه في انتمائهم الى جماعات متطرفة.

واعلنت قوى الامن الداخلي في بيان انه "سيتم اقفال جميع المداخل المؤدية الى الضاحية الجنوبية" امام السيارات اعتبارًا من منتصف ليل الاثنين (22,00& تغ) وحتى انتهاء مراسم إحياء المناسبة ظهر الثلاثاء.

إغلاق كل الطرق
وبحسب سكان في المنطقة، هذه المرة الاولى التي تعلن فيها الشرطة اقفال جميع مداخل الضاحية الجنوبية لبيروت عشية عاشوراء، إذ عادة كان يتم إغلاق بعض الطرق المؤدية الى مكان المسيرة السنوية العاشورائية في المنطقة.

وقال مصدر امني لوكالة فرانس برس ان قوى الامن الداخلي "تتخذ اجراءات امنية مشددة تشمل نشر المزيد من العناصر". وقال مصدر عسكري من جهته ان الجيش اللبناني "اتخذ اجراءات امنية مشددة عند حواجز التفتيش المنتشرة على مداخل الضاحية الجنوبية، وايضا على الطرق المؤدية اليها"، من دون تفاصيل اضافية.

ويأتي احياء ذكرى عاشوراء وسط توترات امنية متنقلة يشهدها لبنان على خلفية النزاع في سوريا المجاورة، حيث يقاتل حزب الله الى جانب النظام السوري جماعات مسلحة معارضة. وكان آخرها اشتباكات بين الجيش ومجموعات سنية مسلحة في طرابلس في شمال لبنان، اسفرت عن مقتل 11 عسكريا والعديد من المسلحين.

وينقسم اللبنانيون بين مؤيد للنظام السوري وداعم للمعارضة. ويطالب خصوم حزب الله بانسحابه من سوريا، معتبرين أن قتاله الى جانب النظام يعزز التطرف السني ويترك تداعيات خطيرة على لبنان. واستهدفت الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله، بتفجيرات عدة منذ العام الماضي، اكثرها دموية التفجير، الذي وقع في منطقة الرويس بسيارة مفخخة في 15 اب/اغسطس 2013، قتل فيه 27 شخصا. واتهم حزب الله جماعات "تكفيرية" بتنفيذ هذه الاعتداءات.

ومن المفترض ان يلقي الامين العام لحزب الله حسن نصرالله خطابًا الثلاثاء في الضاحية الجنوبية في المناسبة، التي تمثل ذكرى واقعة الطف، حيث قتل جيش الخليفة الاموي يزيد بن معاوية الإمام الحسين، ثالث الائمة لدى الشيعة الاثني عشرية، مع عدد من افراد عائلته في العام 680 ميلادية.

منع تجول السوريين
من جهة ثانية، اصدرت بلدية الهرمل بيانا جاء فيه "يمنع تجول السوريين من الساعة الخامسة مساء اليوم (15,00 تغ) الى الساعة الخامسة من مساء الغد ضمانًا لأمنهم". كما اصدرت بلدية مدينة بعلبك القريبة بيانا مماثلا جاء فيه "ضمن الاجراءات الميدانية التي تقوم بها شرطة بلدية بعلبك في ما يتعلق بمراسم العاشر من محرم، تدعو الاخوة الرعايا السوريين الى الالتزام باماكن اقامتهم وعدم التجوال" ابتداء من مساء الاثنين وحتى مساء الثلاثاء.

وتعرض العديد من السوريين خلال الاشهر الماضية لاعتداءات في مناطق مختلفة، اذ يحملهم العديد من اللبنانيين مسؤولية التوترات الامنية المتلاحقة في لبنان. ويستضيف لبنان 1.1 مليون لاجئ سوري، يشكلون عبئا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا على الوطن الصغير، ويعيشون بمعظمهم في ظروف مزرية.
&