يحشر كثيرون العارض النفسي المعروف بـ "متلازمة ستوكهولم" في قضايا سياسية، ومن ذلك، الربط بين هذا العارض، وتعاطف بعض الشعوب مع الانظمة الدكتاتورية حتى بعد سقوطها.


جمال الخرسان من ستوكهولم: على غير عادة، يتردد كثيرا هذه الايام في مختلف وسائل الاعلام، المرض او العارض النفسي "متلازمة ستوكهولم".

ويطرح بكل ما يستحضره من جدل اثير حول تداعيات الثورات العربية، فماذا يعني هذا المصطلح ولماذا سمي بهذا الاسم ؟!

ثم ما الذي حشر مدينة مستقرة هادئة على غرار ستوكهولم في قصة سايكولوجية ذات امتدادات سياسية ؟

الحكاية من البداية

الاجابة على جميع تلك التساؤلات تعود بنا الى قصة دراماتيكية مثيرة حدثت في الثالث والعشرين من تشرين الاول عام 1973 في قلب العاصمة السويدية ستوكهولم، وتحديدا في ساحة نورمالم ستورغ "Norrmalmstorg"& المحاطة بأبنية ذات طراز قروسطي.

ففي عملية سطو مسلح، اقتحم جان إيريك أولسون، بنك "Sveriges Kreditbanken" بهدف السرقة واحتجز بعض الموظفين كرهائن.

دخلت الشرطة في مفاوضات مع الخاطف، وكجزء من تلك المفاوضات طلب احضار رفيقه "كلارك أولوفسن" فحققت له رغبته خوفا على حياة الرهائن، استمرت الحال على ما هي عليه ستة ايام، وانتهت القصة بتسليم الخاطفين نفسيهما للشرطة.

الرهائن المحررون وبدل ان يشعروا& بالكراهية وردة فعل سلبية تجاه الخاطفين! فإنهم على عكس ذلك تعاطفوا بشكل مفاجئ مع الخاطفين إلى درجة أن بعضهم قام بجمع التبرعات للدفاع عن هؤلاء اللصوص، ورفضوا الإدلاء بأي شهادة ضد الخاطفين، بل ان احدى المخطوفات ارتبطت ارتباطا عاطفيا اجتماعيا بالخاطف بعد خروجه من السجن.
&
متابعة سوسيولوجية&
&
هذا التصرف الغريب دفع علماء النفس الى دراسة تلك الحالة بشكل دقيق ومتابعة القضية من زاوية سايكولوجية بحتة، فبعد تحليل ما حصل للرهائن وجدوا ان الضحية حينما تكون تحت ضغط نفسي هائل، فإنها تقوم لاإرادياً باختلاق آلية نفسية للدفاع عن النفس وذلك من خلال الاطمئنان للجاني.

الضحية يوهم نفسه بأن نجاته وأمانه من خلال التعاطف مع الخاطف، حتى أنه يجد أدنى لفتة إنسانية من خاطفه بمثابة أمنية يتطلع اليها بشوق.

عارض نفسي

شدة الصدمة تنسي الضحية أصل الجريمة وتجعله لا يتذكر من الخاطف الا حسن المعاملة& أثناء الاحتجاز، أو اللحظة التي قرّر فيها عدم قتلها.

حينما حصلت الازمة كان المختص بعلم الاجرام نيلس بيجيروت "Nils Bejerot" يعمل مستشارا نفسيا للشرطة السويدية، فدأب على دراسة الموضوع، وأثمرت جهوده عن اكتشاف ذلك العارض النفسي، فاصطلح عليه عقدة او "متلازمة ستوكهولم".

إسقاطات سياسية

تلك الظاهرة النفسية تعمم احيانا على العديد من المجتمعات التي تقع رهينة بيد الدكتاتوريات، ومن خلالها يفسر البعض تعاطف بعض الشعوب مع الانظمة الدكتاتورية حتى بعد سقوطها، في ذات السياق استثمرت تلك القضية النفسية في اسقاطات سياسية لمصلحة هذه الجهة او تلك.

هكذا اصبحت متلازمة ستوكهولم قصة مثيرة للجدل في الاعلام اكثر من كونها عارضًا نفسيا يخضع لمقاسات أهل الاختصاص.

يشار إلى أن كثيرا من السياسيين والمحللين يربطون - عبر الصحافة- بين الحنين إلى الديكتاتورية خاصة في المنطقة العربية و"متلازمة ستوكهولم"، كمحاولة لتفسير ما يتردد عن (خنوع) شعوب لعشرات السنين لحكم ديكتاتوري، أو اعادة الديكتاتورية إلى الحكم في حال سنحت لتلك الشعوب حرية الاختيار.

ما أثير حول الموضوع دفعني لزيارة ساحة نورمالاستورغ ومشاهدة ذلك المبنى الانيق بثوبه الابيض وساعته الشهيرة الذي يقف شامخا في موقع استراتيجي وسط منطقة تجارية بامتياز، تجوّلت فيها اكثر من مرة وعايشت ذلك الصمت المبالغ فيه حولها.

هناك طاب لي ان استحضر الجدلية التي تثار عنه في الاعلام حول المتغيرات السياسية الاستثنائية في الشرق الاوسط.

في هذه&الاثناء فإن سويديين كثرًا كلما مروا بجانب المبنى حدّقوا فيه، ومن كان على عجالة يسترق منه ولو نظرة عابرة، ينظرون اليه بشيء من الاعتزاز الذي يتجاوز واقعة الاختطاف وذكرياتها المرة، الى شعور بأن لهذه الاطلالة البيضاء مساهمة فاعلة في خدمة العلوم الانسانية.