يشكّل الحضور النسوي القياسي في الحكومة الجزائرية الجديدة إفلاسًا سلطويًا بنظر الناشطات، رغم اعتبار الوزيرات المسألة سابقة عربية ودولية، وخطوة باتجاه تغلغل المرأة داخل الدولة.


كامل الشيرازي من الجزائر: عرفت الحكومة رقم 12 في عهد الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة حضورًا معتبرًا للعنصر النسوي، من خلال إسناد سبع حقائب وزارية هامة لنساء، في سابقة لم تعرفها الجزائر.

فقد أسندت حقيبة التربية لنورية بن غبريط، في حين تولّت نادية لعبيدي وزارة الثقافة، ومونيا مسلم وزارة التضامن والأسرة وقضايا المرأة، وعائشة طاغابو الوزارة المنتدبة للصناعة التقليدية، وهي العضو الأصغر في الحكومة، إضافة إلى نورية يمينة زرهوني على رأس وزارة السياحة. واحتفظت دليلة بوجمعة بمنصبها كوزيرة لتهيئة الاقليم والبيئة، وزهرة دردوري كوزيرة البريد وتكنولوجيات الاعلام والاتصال، بينما غادرت خليدة تومي& وسعاد بن جاب الله الحكومة.

مؤشر إيجابي

قالت وزيرة التضامن مونيا مسلم لـ"إيلاف" إن الخطوة مؤشر ايجابي مكمّل لما وصفته بقرارات حكيمة ورشيدة لبوتفليقة، وتمهّد لتقلد المرأة مناصب عليا في الدولة، مشيدة بكون الرئيس مقتنعاً بمكانة المرأة وتموقعها كشريك قوي، وإيمانه الفعلي بأنّ الدولة تتبنى الرجل والمرأة مع حضور أكبر للكفاءة، "ما يجعل بوتفليقة مصرًّا على الارتقاء بمكانة بنات حواء في أعلى هرم منظومة الحكم".

وتقرّ مسلم، المحامية والناشطة في حركة "راشدة"، بتأثير قانون ترقية مشاركة المرأة في الحياة السياسية، الذي أسهم في دخول 160 إمرأة تحت قبة البرلمان، أو ما عُرف بنظام المحاصصة المنصوص عليه في المادة 31 مكرر في الدستور، التي تتضمن إلزامية حضور المرأة في القوائم الانتخابية، "ما يشكّل لبنة على درب بناء دولة جزائرية حديثة تتمتع بالرفاهية، ومن شأن تواجد سبع نساء في حكومة التحديات على حد وصفها، أن يقود الجزائر إلى نقلة نوعية".

وتثمّن وزيرة الثقافة نادية لعبيدي شرابي الإجراء، وتراه مسهمًا في مواصلة ما أنجز والدفاع بلا هوادة عن القيم الثقافية للجزائر، "وذلك مرتبط بضرورة العمل في إطار روح جماعية، وقوته من النساء والرجال الذين يشكلون فريقًا متكاملًا لإعطاء معنى لكل ما أنجز وما سيتم إنجازه".

كما ذكرت وزيرة التربية نورية بن غبريط أن& المسألة تساعد على تنمية نوعية وشاملة للمجتمع وللبلاد.

رقص على الحبال

تقول الناشطة السياسية سامية جبالي إن تعيين الوزيرات السبع أتى على سبيل الرقص على الحبال، ومحاولة للتعمية على الوضع العام، فهي تتقاطع مع أميرة بوراوي وفوزية لمالي وسلمى حدري، الناشطات في حركتي "بركات" و"رفض"، مقولة إن الجزائر ليست بخير وتعيش مرحلة خطيرة، "لأنّ النظام بات في مفترق طرق وهو لا يملك خيارًا آخر سوى العودة إلى النخب الوطنية وإشراكها في بناء أسس دولة جديدة ركيزتها القانون".

وترفض الاعلامية فائزة مصطفى اعتبار تعيين سبع وزيرات في الحكومة الجديدة حدثًا، أمام دور المرأة الجزائرية في الحياة السياسية في الجزائر، وأمام المشوار النضالي الحافل الذي قامت به الجزائريات منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث كن سباقات عربيًا وافريقيًا لممارسة حقهنّ الانتخابي، وللمشاركة في الحركة الحزبية والاصلاحية ثم الثورة الجزائرية؛ وتقلّد مناصب نيابية ووزارية في كل الحكومات التي تشكلت على مدار خمسين عاماً من عمر الدولة المستقلة.

وتلفت مصطفى إلى أن مواطناتها كنّ يتعرضنّ للاقصاء والتهميش، "نظرًا لطبيعة المجتمع الجزائري ذي العقلية الذكورية ولانغلاق اللعبة السياسية في الجزائر، التي لم يسلم منها حتى السياسيون الرجال، لكن المرأة بقيت بتصور محدثتنا متحدية ومصرة على التواجد السياسي؛ وهو ما يفسّر كثافة الوجوه النسائية في الجهاز التنفيذي الجديد".

وتقدّر مصطفى أن تعيين الوزيرات بعيد عن تلميع الصورة دوليًا، بل هو يرجع لفرض المرأة الجزائرية في مختلف المؤسسات وتميّزها وكفاءتها،& "والأمر فرصة جيدة لاصلاح ما أفسدته تراكمات المجتمع البطريركي ونتائج التطرف الديني في الجزائر خلال عشرية التسعينيات وكانت المرأة ضحيته الأولى، وبالتالي عودة المرأة كمسؤولة وقائدة سيكون له وقع حسن على المجتمع، ليتعافى أيضًا من عقده ويتصالح مع نفسه".

إفلاس سياسي

يعتقد الكاتب سليمان حميش أن الاعتماد على وجوه وزارية نسوية يراد منه الحصول على إشادة خارجية تخص ترقية المرأة في المؤسسات السياسية ليس إلا. ويشدد المحلل السياسي حسين بولحية على أن& الحكومة الجديدة تعبّر عن افلاس سياسي لنظام عجز عن احتواء ازمات كثيرة ومتعددة يتخبط فيها الشعب الجزائري.

يضيف بولحية: "النظام اختار سياسة الهروب إلى الأمام، بعدما فشل في احتواء المعارضة والغضب الشعبي الاجتماعي المتزايد لدى فئات واسعة من المجتمع، لذا جيء بحكومة غير تمثيلية لا تنتمي إلى واقع الجزائر، حيث ضمّت أشخاصًا مجهولين لا يعرفهم الشعب بعد إنتخابات رئاسية لا تعترف المعارضة الفاعلة بنتائجها".

ويرى بولحية أنه غداة عجز نظام الحكم القائم في اقناع بعض أطراف المعارضة بالمشاركة، "لم يكن أمامه سوى الهروب إلى الأمام باستدعاء وجوه نسوية لا وجود لها في الواقع".

ويعارض بولحية القائلين بكون ما حصل ترقية للمرأة، "فهذه أضعف حكومة في تاريخ الجزائر، ولا يمكن توقع أي شيء لجهاز تنتظره تحديات خطيرة، بعد التزام وكلاء الرئيس في حملة الدعاية الانتخابية بتقليص مدة الخدمة الوطنية إلى النصف، استحداث صندوق للمطلقات، إقرار دستور توافقي".

الاصلاحات فساد بحد ذاته

وانتقد بولحية تشبث السلطة بالانكار، معتبرًا نظام المحاصصة "إهانة للمجتمع مع ترقية فئة غير موجودة واقعيًا على منوال ما حصل في الجمعية الوطنية غداة تشريعيات 9 آيار (مايو) 2012، وإفرازه مجلسًا يحلو للمراقبين نعته ببرلمان الحلاقات والمربّيات"، ما يجعل بولحية موقناً أن المسألة ليست ثمرة حكم راشد بل سياسة شعبوية، متسائلًا: "ما الذي قدمته 160 برلمانية للجزائر؟ فالاصلاحات هي فساد بحد ذاته، والجزائر بحاجة إلى جرعة قوية".

ينبّه بولحية إلى حتمية عودة الارادة للشعب عبر دستور يختاره هو وليس فئة قليلة، "فالأمور تزداد تعقيدًا مع تفشي الفساد، في ظل نظام ليس مستعدًا للاقرار بالأزمة، متخلف أمام شعب يتقدم ويتطلع لما هو أفضل بعد نصف قرن من إفساد النظام القائم للسياسة والمعيشة، والمستقبل سيفرض تغييرات جذرية لا يستطيع النظام أن يسايرها".

تجارب على المحك

وسبق للعديد من الأسماء النسوية البارزة أن خاضت تجربة الاستوزار، على غرار الأديبة المخضرمة زهور ونيسي، والاعلامية المعروفة زهية بن عروس، إضافة إلى& ليلى عسلاوي، وسعيدة بن حبيلس وبثينة شريط.

وتعدّ تجربة خليدة تومي، على رأس وزارة الثقافة الجزائرية، الأكثر بروزًا للوزيرات في الجزائر، إذ تسلمت القطاع في 19 حزيران (يونيو) 2002، وظلت ممسكة بزمامه لنحو 12 عامًا، في منح النشاط الثقافي جرعة مالية نوعية، استفاد معها الناشطون من عشرات المليارات، أكثر من ذلك تضاعف عدد المسارح وجرى ترميم عديد المرافق.

لكن رغم هذا الزخم، لم تكن النتائج في مستوى حجم ما تمّ إنفاقه، وسقط المشهد العام في ابتلاع مثير للأموال، وبروز ظاهرة المشاريع الوهمية، في استعراض متجدد حال دون الارتقاء بالعروض والأفلام والكتب، رغم أن الحكومة رصدت مخصصات ضخمة لما لا يقل عن خمس تظاهرات كبرى، بين العامين 2003 و2013، ما أفرز شعورًا بالإفلاس والهزال الثقافي.