برزت مؤسسات&(إستطلاعات الرأي)&في تونس بعد ثورة 14 يناير 2011 وتنوعت، ورغم إهتمام وسائل الاعلام بكل ما تنشره من نتائج، فإن الاتهامات بغياب المصداقية والولاء لأصحاب المال والسياسيين تلاحقها.


محمد بن رجب من تونس: تثير استطلاعات الرأي التي تنشرها مؤسسات خاصة في تونس، على غرار (سيقما كونساي) والمجمع العالمي للدراسات (3c etudes) و(أمرود كونسيلتنغ)، من حين لآخر، جدلا واسعا في أوساط السياسة والحقوق والإعلام حيث تكال لها الإتهامات بعدم صدقيتها وخدمتها لأجندات سياسية لأحزاب دون أخرى.

غياب الحيادية

اعتبر المحلل السياسي الحبيب بوعجيلة عدم صدقية مؤسسات سبر الآراء "أمرا طبيعيا"، ذلك أنّه بعد الثورة وفي مرحلة انتقالية لا يمكن الحديث عن أي نوع من الحياد في مؤسسات استطلاع الرأي أو المؤسسات الإعلامية أو مؤسسات التحليل السياسي وتقدير المواقف أو مراكز الدراسات الإستراتيجية حيث لم تتشكل بعد استقلال مجالات الفضاء العمومي سواء الفضاء السياسي أو الحزبي أو الجمعياتي أو الفضاء البحثي، وهذا تداخل طبيعي وكل من يدّعي العكس إنما لا يعمل غير مغالطة الرأي العام.

من ناحيته أشار الإعلامي والمحلل السياسي نصر الدين بن حديد إلى النتائج السابقة لسبر الآراء والتي سبقت انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، والتي أكدت عدم صدقية هذه الإستطلاعات حيث لم تشر أي مؤسسة إلى حزب العريضة الشعبية الذي حقق المرتبة الثانية في الإنتخابات وبالتالي تتم محاسبة هذه المؤسسات اعتمادا على ماضيها وليس على حاضرها أو مستقبلها.

مال سياسي ومغالطات

وأكد بن حديد في تصريح لـ"إيلاف" أن هذه المؤسسات متضاربة فيما بينها وهو ما يؤكد أمرين: الأساليب العلمية المعتمدة أولا وإمكانية اختلاط المال السياسي بعملية سبر الآراء ثانيا.

واعتبر الباحث الاجتماعي ووزير التربية السابق سالم لبيض في تصريح إعلامي أنّ :"ﻣؤﺳﺳﺎت ﺳﺑر الآراء ﻓﻲ ﺗوﻧس ظﺎھرة ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ الهدف منها صنع اﻟرأي اﻟﻌﺎم وﻣﻐﺎﻟطﺗﮫ"، مضيفا أنه "ليس لتونس تقاليد في استطلاعات الرأي وبالتالي ليست سوى مؤسسات للدعاية السياسية لطرف دون آخر".

معركة سياسية

وأوضح الحبيب بوعجيلة في إفادة لـ"إيلاف" أنه لا يمكن الحديث اليوم عن مؤسسات استطلاع رأي محايدة تماما بل هي تتنزل ضمن أجندات سياسية. ولكن يمكن الإقتراب من الموضوعية كلّما كانت عملية استطلاع الرأي واسعة ومتنوعة وتمنحك مجالا للتحليل الموضوعي كما أنّ المجتمع التونسي غير قادر على صنع استقلالية المجالات وهذا يدخل ضمن سياق المعركة السياسية القائمة.

وأشار المحلل السياسي بوعجيلة إلى أنّ هذه المؤسسات يمكن أن تتعرض إلى ضغوطات أو محاولات تأثير على نتائج استطلاعات الرأي، مؤكدا أنه يعرف تماما أنّ هذه المؤسسات تشتغل وفق مبدأ "من يدفع أكثر نصنع له استطلاع رأي على المقاس"، على حد قوله.

وقال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي محمد عبّو إنّ عمليات سبر الآراء تضع حزبا لا وزن له في الشارع التونسي في الطليعة، مؤكدا أنّ "هذه المؤسسات تعمل بتسيّب وبالتالي يجب مراقبتها".

المال يصنع سبر الآراء

وأكد بوعجيلة أن لا أحد يمكنه إنكار الدور الذي يلعبه المال السياسي في صناعة نتائج استطلاعات الرأي في تونس حيث أمكن له تحديد المشهد الإعلامي ومؤسسات البحث والإستطلاع وطبيعة عمل مؤسسات الدراسات الإستراتيجية وتقدير المواقف من هذا الطرف ومن ذاك ومن يدفع مالا أكثر يمكن أن يكون تأثيره أكبر في المؤسسات الإعلامية والبحثية.

يضيف: "هذه المؤسسات تصنع الرأي العام في المجتمعات الديمقراطية لكن الفرق يكمن في أنها في هذه المجتمعات مؤسسات مراقبة كما أنها تحترز في عملها لأنها مراقبة في تمويلها وعلمية نتائجها"، مشيرا إلى أن "مجتمعنا التونسي وبعد خروجه من الإستبداد ما يزال يعيش حالة فوضى لامست كل المجالات".

لمن يدفع أكثر !

وحسب بوعجيلة فإنّ هذه المؤسسات تسوّق نفسها اليوم لمن يدفع أكثر حتى تصنع الهالة التي يريد سياسية كانت أم حزبية. وتبقى مدى قدرتها على التغيير وصنع الرأي العام محلّ خلاف حيث لا يمكن معرفة المزاج الشعبي العام في مجتمعات التحول والإنتقال الديمقراطي. والإعلام اليوم الذي تضخّ له تمويلات كبيرة ويتمتع بأعلى نسبة مشاهدة يبقى غير قادر على التأثير ولا صنع رأي عام فهو يتمتع بأعلى نسبة في عدم الصدقيّة وصنع حالة من الشكّ.

التكرار يقود للملل

وشدّد نصر الدين بن حديد على الدور الذي يلعبه المال السياسي والذي يظهر نتيجة غياب الشفافية المالية في تونس، مشيرا إلى ما اعتبره "غباء سياسيا"، فمن يقفون وراء هذه الحملات لا يعلمون أنّ كثرة التكرار تقود إلى الملل ولا تخلق الرغبة، ومن ثمّ فهم عن غباء يرددون خطابا سياديا اقطاعيا ويريدون إعادة انتاج منظومتي بورقيبة وبن علي.

واعتبر بن حديد أنّ :"وجود المال السياسي وغياب المهنية يؤكد على أولوية الإغراء والإرتشاء، وفي غياب شفافية مالية في تونس ووجود مؤسسات محترفة تبدو امكانية اختلاط المال السياسي بالإعلام وبالسياسة أكيدة".

منظومة كاملة

وأبرز الإعلامي بن حديد وجود منظومة كاملة في حالة فوضى يمثلها المال والإعلام والسياسة، مؤكدا غياب الفرز الأخلاقي والمبدئي أوالمنهجي منه بل هناك اصطفاف كامل (نحن وأنتم) يلاحَظ من خلال مجرد قراءة موضوعية وجرد للإعلام التونسي بإستثناء بعض مؤسسات الإعلام العمومي أما الإعلام الخاص والمواقع الإلكترونية فقد أصبحت تتبنى مواقف سياسية بمعنى (نحن وهم) ولا تخرج مؤسسات سبر الآراء عن هذه المنظومة.

غياب الرقابة

وشدّد بن حديد على غياب المعايير الأخلاقية لكن الأخطر هو غياب سلطة رقابية واعتبارية من ذلك الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ونقابة الصحافيين والمركز الإفريقي للتكوين، والتي وصفها بـ "عديمة النفع ولا فائدة من فعلها في الساحة الإعلامية".

وأشار مدير عام مركز سبر الآراء (3c etudes) هشام القرفالي إلى أنّ "عملية التشكيك في نتائج سبر الآراء "مشروعة"، معترفا بأنّ الأطراف السياسية "عادة ما تضغط على هذه المؤسسات لتضعها في المرتبة الأولى وهو ما يرفضه".

ودعا القرفاي إلى "إيقاف عملية استطلاعات الرأي في تونس لأنها تزيّف الحقائق".

مؤسسة حكومية

وأكد بن حديد أنّ مؤسسات سبر الآراء في الدول الغربية تخضع لقوانين صارمة جدا وهي تتطلب إمكانيات مالية رهيبة، أما في تونس فالواقع يتطلب "ترك الأمر حصريا إلى مؤسسة حكومية دون غيرها غير مسيّسة تشرف عليها الدولة لأن مؤسسات استطلاعات الرأي الخاصة ربحية وبالتالي يمكن أن تخضع لعمليات الإغراء والضغط وهو ما يحتّم على الدولة أن تسيطر على هذا القطاع الهام والإستراتيجي".