دعا&الأمين العام لجامعة الدول العربية& نبيل العربي إلى مواجهة الفكر المتطرف والغلو الديني على اعتبار أن ذلك يشكل تهديدًا للأمن القومي العربي ويساهم في تفكك المجتمعات وتمزيق النسيج الاجتماعي.

&
أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية&نبيل العربي، في كلمته في افتتاح فعاليات مؤتمر "نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف"، أن انعقاد المؤتمر في مكتبة الإسكندرية يمثل في حد ذاته حدثاً هاماً ذا دلالة عميقة، فالمكتبة كانت في الماضي وأصبحت الآن مرة أخرى تمثل صرحاً لنشر المعرفة ومنارة للتنوير ومظلة للفكر والثقافة والفنون، وهي مجدداً أتاحت أن تلتقي في رحابها نخبة عربية متميزة من &المفكرين والمثقفين العرب، وكوكبة من أبرز الشخصيات العربية المشهود لها بالاقتدار في خوض غمار الشأن العام ومعالجة قضاياه.
&
وقال إن كل هؤلاء يلتقون لبحث إحدى أكثر القضايا التي تؤرق المجتمعات العربية، و"تشكل تهديداً خطيراً لنمائها واستقرارها وتطورها وتقدمها، وهو ما يجب مواجهته وإحباطه وعكس مساراته، فالغلو الديني والتطرف الفكري، ظلا المصدر الأساسي لتفكك المجتمعات وتمزيق النسيج الاجتماعي والمنبع الرئيسي للعنف والإرهاب وتكريس آليات التخلف عبر التاريخ. ولا شك أن هذا الملتقى الفكري مؤهل لرسم معالم الطريق للخروج من الأزمة العميقة التي تواجهها دول المنطقة، وأن يسهم في إيجاد السياسات التي تكفل لنا تجاوز المحنة الجديدة التي تكاد تعصف بكيان بعض الدول العربية. ولابد من الإشارة هنا إلى إرهاب من نوع آخر وهو ارهاب الدولة أبشع أنواع الإرهاب، والذي تمارسه الدولة العنصرية في المنطقة وهي اسرائيل ولا يحرك المجتمع الدولي ساكنًا حتى الآن لمواجهة التطرف والعنصرية الإسرائيلية".
&
الانغماس في بحث التطرف
وأضاف "إن جسامة التحديات التي تواجه المنطقة تدفع الحكومات إلى الانغماس بعمق في بحث التطرف الفكري ونتائجه المتمثلة في الإرهاب بأنماطه الجديدة، وإيجاد الخطط والبرامج والآليات التي تكفل هزيمة الإرهاب وإنهاء مظاهره وتصفية آثاره، وفي هذا الإطار تدارس مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته الثانية والأربعين بعد المائة، التحديات الماثلة التي يواجهها الأمن القومي العربي، وكيفية حمايته وصيانته من المخاطر المحدقة به، واتخذ المجلس قرارًا في 7/9/2014 يؤكد ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة والتدابير الكفيلة بحماية الأمن القومي العربي والتصدي لجميع أشكال التطرف والمنظمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي. وأكد القرار أيضا على عزم الدول الأعضاء على مواصلة الجهود لتعزيز الأطر القانونية والمؤسسية لجامعة الدول العربية في مجال تعزيز الأمن القومي ومواجهة الإرهاب، والتزام الدول العربية باتخاذ جميع التدابير لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلم إلى نصابهما، استناداً إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي العربي، كما أكد القرار على ضرورة بلورة مقترحات محددة وإجراءات عملية قابلة للتنفيذ تمكن من التصدي للإرهاب واجتثاث جذوره والتعامل مع ما يحمله من تحديات ومخاطر على الأمن القومي العربي".
&
حشد القوى العربية
وأوضح الأمين العام لجامعة الدول العربية في كلمته أمام المؤتمر الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية بالتنسيق مع وزارة الخارجية &تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك تنفيذًا لتكليف الرئيس السابق المستشار عدلي منصور بعقد مؤتمر يضم المثقفين العرب لوضع استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب، "خلال الشهور القليلة الماضية، قامت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بنشاط مكثف وعمل دؤوب، لحشد كل القوى العربية ومنظومة العمل العربي المشترك، لمواجهة التهديدات التي تمثلها المنظمات الإرهابية على الأمن القومي العربي، وأسهمت الأمانة العامة على نحو فعال في المؤتمرات التي عقدت في المنامة والكويت وتونس والرياض والقاهرة، والتي كرست جميعها لبحث الآليات التي تكفل دحر الإرهاب، سواء كانت في مجال التمويل أو التسليح أو الاتصال الالكتروني أو الإعلام والدعوة. كما أجريت اتصالات واسعة ومباحثات مكثفة مع عدد واسع من المؤسسات العربية المعنية، وفي مقدمتها الأزهر الشريف ومكتبة الإسكندرية وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية وغيرها من المؤسسات ذات الصلة. وعلى المستوى الإقليمي والدولي، عقدنا مباحثات مع الاتحاد الافريقي، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لتنسيق الجهود الرامية لمواجهة الإرهاب. وعلى صعيد مؤسسات العمل العربي المشترك، تواصل المجالس الوزارية العربية المتخصصة بحث السبل الكفيلة لإيجاد الآليات المناسبة لمقاومة الإرهاب في إطار الاتفاقيات والاستراتيجيات العربية التي تقع في نطاق تخصصهم، القضايا ذات الصلة بتطوير الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، واتفاقية الرياض للتعاون القضائي والاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وغيرها من الاتفاقيات التي تكفل إيجاد آليات فعالة لمقاومة الإرهاب".
&
وقال " وفي إطار تنفيذ قرار مجلس الجامعة رقم (7804)، أعدت الأمانة العامة دراسة تضمنت تحليلاً معمقاً لظاهرة الإرهاب في الوطن العربي ودورها في تهديد الأمن القومي العربي، واستعرضت الدراسة التطورات التي شهدتها هذه الظاهرة والتحولات النوعية في ممارساتها التي أدت إلى التهديد الفعلي بتقويض أركان الدولة الوطنية الحديثة وهدم هياكلها وتعريض سيادة الدول واستقلالها ووحدة ترابها الوطني لمخاطر حقيقية قد تعصف بكيانات الدول واستقرارها وأمنها. وتوصلت الدراسة إلى نتائج تمت بلورتها في اقتراحات محددة تتضمن التدابير والإجراءات المطلوبة على المستويين الوطني والقومي لدحر الإرهاب، مما يقتضى النظر في تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي لعام (1950)، والبروتوكولات الملحقة بها".
&
استراتيجية شاملة
وأكد &نبيل العربي على أن "مواجهة التطرف الفكري والمنظمات الإرهابية تتطلب وضع إستراتيجية شاملة تتسم بالفاعلية والقدرة، تسهم في تحديدها كافة القوى الحية في المجتمع من خلال حوار واسع تشارك فيه المؤسسات الحكومية المعنية، والمنظمات الأهلية والمفكرون والخبراء والسياسيون، لبحث أفضل السبل لصياغة الإستراتيجية وتحديد أولوياتها وأهدافها. وأن هذا التجمع الذي يضم المفكرين والمثقفين العرب من مشارب مختلفة وتيارات متباينة، قادر على وضع معالم جديدة لصياغة مشروع نهضوي شامل لا يفصل الفكري عن السياسي والثقافي عن الاجتماعي يشمل تحديث البرامج التعليمية في المدارس والجامعات كما يعمل على الارتقاء بالخطاب الديني ويحد من الشوائب التي تبثها بعض وسائل الإعلام، ضمن منظور واسع تتداخل فيه كل التوجهات والرؤى ليكون دافعاً لتقدم الأمة، ومحاربة الإرهاب، والدعوة إلى قيم العدالة والإنصاف والمساواة والمواطنة وصولاً إلى القواعد الأساسية للحكم الرشيد، وإعادة الاعتبار لمكارم الأخلاق التي تمثل الأساس المتين والجوهر الكامل للرسالة الإسلامية".
&
ولفته إلى أنه في هذا السياق، فإن ما تشهده بعض دول الوطن العربي من تداعيات كبرى تمثل تهديداً لكيانها وهويتها وتنوعها، تتطلب مراجعة شاملة لكل المسارات الحياة الاجتماعية على اتساعها، لتدبر ولمعرفة "أين الخطأ"، فأفكار التطرف التي تؤدي إلى إشاعة العنف الدموي وما تحمله من مخاطر وتهديد للأمن القومي العربي، تفرض علينا جميعًا ضرورة إعادة النظر في المنظومة الفكرية العربية بأسرها، بما في ذلك الفقه والاجتهاد والثقافة والتعليم والإعلام والفنون والآداب، ووضع المقاربات التي تكفل تحرير هذه المنظومة من ما علق بها من غلو وتطرف أسهما على نحو غير مسبوق في تكريس آليات التخلف والتقهقر الفكري والثقافي، الأمر الذي يتطلب ضرورة إحياء منظومة فكرية جديدة تتسم بالقدرة على التنوير والتفاعل مع روح العصر.&
&
وأشار الامين العام لجامعة الدول العربية إلى أنه ليس بحاجة إلى التأكيد على أهمية دور المثقفين والمفكرين في إيجاد أفق مجتمعي جديد يضمن حرية الاجتهاد الفكري، ويرفض الوصايا على المؤسسات الدينية واحتكار دورها، ويكفل إيجاد خطاب ديني متطور متفتح على روح العصر وقضاياه، ويتجاوز الخطاب الديني المنغلق والمتزمت الذي أصبح وصمة ظلت تسيء إلى العرب والمسلمين، وقال "كما أننا ندرك أن دوركم يكمن في تكوين الوجدان وخلق وعي قومي ووطني يقوم في جوهره على التعدد ومشروعية الاختلاف، وحرية الاعتقاد، والتأكيد على دور كل المكونات العرقية والدينية في تشكيل الحضارة العربية - الإسلامية، وبلورة الهوية القومية للأمة العربية، وإسهامها المقدَّر في الحضارة الإنسانية، وكونها جزءاً من هذه الحضارة، لا تنعزل عنها ولا تناصبها العداء، ذلك أن جوهر الحضارة العربية، إنساني في أساسه وفي حقيقته باعتبار أن أصلها قائم على حرية الرأي والفكر والمعتقد. ولا يفوتني هنا، أن أنوه، بأن حرية الفكر والإبداع تتطلب على نحو رئيسي إرساء أسس الحكم الرشيد، وتحديث النظم السياسية ضمن أطر ديمقراطية تكفل الحريات العامة، وممارسة الحقوق السياسية، كما تفتح الطريق واسعاً، أمام وصول الثقافة إلى المجتمع بأسره، والارتقاء بالوعي الوطني والقومي، الذي يعتبر شرطاً لازماً لتطور المجتمع وانفتاحه على الثقافة الإنسانية".
&
واختتم الأمين العام للجامعة العربية كلمته مؤكدًا أن مداولات أعمال المؤتمر ونتائجه ستكون في صميم أعمال الجامعة التي ستقوم بها خلال الفترة القادمة، و"سنستمر في التواصل والتشاور معكم للوصول إلى أفضل السبل التي تتيح إنهاء التطرف الفكري ودحر مشروعه الإرهابي، وبناء مشروع نهضوي عربي جديد يرتاد آفاق العلم والحداثة، وإقامة دولة المواطنة والحقوق والمساواة والعدالة الاجتماعية".
&
يذكر أن المؤتمر الذي يعقد تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، لا يستهدف النقاش النظري حول التطرف؛ صوره؛ وأسبابه فقط، ولكن أيضًا السعي نحو طرح برامج عملية يمكن للدول العربية الأخذ بها، ولاسيما أن ما سوف ينتهي إليه المؤتمر سيطرح على القمة العربية في مارس المقبل؛ وأنه يشارك فيه 200 مفكر وباحث ومثقف عربي ومصري، ويعقد على مدار ثلاثة أيام.&
&
&