إنها الحياة بمآسيها، يرسمها ثلاثة فنانين تشكيليين من زيمبابوي وفلسطين وسوريا، ويلمّون آلامهم في "عبور" نحو الأمل.


إيلاف - متابعة:&ثلاثة وجوه أتت من زيمبابوي وفلسطين وسوريا، لتتلاقى ثقافيًا في أشكال معبّرة، راسمة حزنها والأسى، عصينها والتحدي، صرخاتها والبكاء. ثلاثة وجوه لصور تبحث في فضاء السريالية وفناء الموت عن برهة للتخلّص من مظاهر الظلم والاستبداد، في عالم باتت الكلمة فيه للأقوى، القادر على القمع واللامبالاة بكرامة الإنسان.

إنها ثلاث حكايات رائعة، فريدة من نوعها، تسرد وجهات نظر وتجارب من واقع الحياة، تمامًا كما هي. ثلاث قصص تربطها رحلة البحث عن روح الإنسان، ومشوار نضالي من أجل الحصول على حياة عنوانها ببساطة الكرامة والعزّة، فتشكل معرضًا فنيًا هو الجزء الثالث من سلسلة "العبور" التي تربط الفنانين المعاصرين من أفريقيا بفناني العالم العربي.

بشرى أمل ملوّن
من زيمبابوي، يرتسم العمل المميّز للفنان المعاصر ميشيك ماسامفو، فيعكس مجموعة من التأثيرات المُذهلة والمليئة بالتعابير. نظرة واحدة إلى عمله تنقل الرائي بسرعة إلى زمن كوكوشكا ومونك، وعالم الحركة الفنية التعبيرية في ألمانيا. إنه ينبض، كما في مرحلة الاضطرابات، بلغتهم الفنية الخاصة التي تناشد الفنان للتعبير عمّا يصعب حدوثه، ولتجسيد ما لا يمكن تخيّله.

مع مشاهد متداخلة ومعقّدة نشأت أثناء الصراعات لتصوّر لحظات التحوّل، يتوصّل ماسامفو إلى نقطة توازن خاصة بين التفاصيل الشاعرية المعبّرة وبين الإيجاز المطلق للتعامل مع الموقف، وكأنما نقف أمام صرخة صامتة. دمج ماسامفو ما بين الرجل والمرأة في كيان واحد، ورسم العديد من الرؤوس لتُشكّل جسدًا واحدًا، كما دعا إلى أشكال متنوّعة تذكّرنا بالأقنعة الأفريقية مُعلنًا بفخر عن انتمائه إلى أرضه وثقافته ووطنه.

أكثر ما يميّز إبداع ماسامفو هو اللون القوي النابض والمعبّر، وكأنما يحاول أن يزّف إلينا بشرى أمل من المستقبل بعيدًا عن مظاهر الدمار. إنها ألوان الحرية التي طال انتظارها.

التناقض البصري المعبّر
يحمل الفنان الفلسطيني&تيسير بركات في قلبه مخاوف كبيرة على وطنه، لا سيما أنه ولد في أرض محتلة وسط حروب ضارية ومهولة، ومنطقة تعرّضت ولا تزال لانتهاكات لا حصر لها. عاش بركات حياته متنقلًا بين جباليا ورام الله، وبين الخيام والإسكندرية. حياة لم تعرف سوى النزوح والغموض.

وعبر الطبقات التي تظهر بوضوح في عمله الفني، يقتبس بركات واقعًا نشعر بأننا عشناه من قبل. أنشودة دائمة تنادي بالحرية، لطالما ردّدناها منذ آلاف السنين. يصوّر بركات الوجه والرموز في عمله الفني وكأنها بسيطة وبريئة، حتى تلك الخاصة بالجنود والدبابات؛ فكلها تحمل عنصرًا أو لمسة من الطفولة في أشكالها المتنوّعة. تناقضٌ بصري استطاع أن يكون معبّرًا ودقيقًا، جميلًا ومُخيفًا، عصريًا وخالدًا.

رموز سرمدية
أما إسماعيل الرفاعي، فتبقى الوجوه الكبيرة والأحادية اللون في منتصف رحلته الفنية. الأم الباكية، والشقيق الحزين، والحبيبة، والصديق.. كل هذه الوجوه تعكس وعيًا مشتركًا، والاضطرابات التي عايشتها سوريا.

يُدرك الرفاعي أن أحباءَه موجودون في جميع التفاصيل، ليشهدوا على الإنسانية وأسوأ ما آلت إليه. وتُهيمن الألوان الرمادية الزرقاء على سطح عمله الفني، لتعبّر عن الدخان المتصاعد للصراعات. كما إنه استخدم الطبقات والوقت ليشكّل رموزًا سرمدية، وكأنها بمثابة شاهد على كل ما يحدث في المنطقة. وهكذا، نشعر بحنين الفنان لوطنه الأم سوريا واشتياقه إلى عائلته، وبإيمانه اليقيني بالإنسانية.
&