درس صحافي الأيام الأخيرة لحكومة ثاتشر بغية إعداد برنامج وثائقي لـ "بي بي سي". فأجرى مقابلات مع شخصيات تولّت حقائب وزارية ومناصب رفيعة في حكومة ثاتشر. وشخّص أسباب استقالة ثاتشر، ومنها ضريبة البلدية المكروهة التي حاولت فرضها واختلاف المحافظين بشأن العضوية في الاتحاد الأوروبي، واستقالة وزير ماليتها جيفري هاو.


إعداد عبدالاله مجيد: في تشرين الثاني/نوفمبر يكون قد مرّ ربع قرن على استقالة رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت ثاتشر. وكانت ثاتشر، التي تولت رئاسة الحكومة أطول من أي رئيس وزراء بريطاني آخر في القرن العشرين، أُجبرت على الاستقالة، بضغط من داخل حزبها.&

لكن حتى بعد استقالتها، استمرت شخصيتها في إلقاء ظل طويل على الحياة السياسية البريطانية، بوصفها نجمًا ساطعًا في سماء يمين حزب المحافظين وهدفًا للكراهية بين كثيرين من اليسار البريطاني.

شهود مقربون
يتساءل كثيرون: ماذا كان سيحدث لو لم تغادر ثاتشر المسرح السياسي في تشرين الثاني/نوفمبر 1990؟، وهو سؤال من أشد الأسئلة المثيرة للاهتمام في التاريخ البريطاني الحديث، لأن استقالتها لم تكن حتمية في أية حال من الأحوال.

يكتب نائب المحرر السياسي لـ"بي بي سي" جيمس لاندايل أنه عاد إلى دراسة الأيام الأخيرة لحكومة ثاتشر من أجل إعداد برنامج وثائقي، تبثه محطة "بي بي سي" الإذاعية الرابعة بالمناسبة. وأجرى لاندايل وزميله روب شبرد مقابلات مع شخصيات عديدة، تولت حقائب وزارية ومناصب رفيعة في حكومة ثاتشر.

وتناول البحث القضايا المعروفة، التي أدت إلى استقالة ثاتشر، بما في ذلك ضريبة البلدية المكروهة، التي حاولت فرضها في مواجهة معارضة واسعة، حتى من حزبها، واختلاف المحافظين بشأن العضوية في الاتحاد الأوروبي، والاستقالة العاصفة لوزير ماليتها جيفري هاو، والأخطاء التي ارتكبتها خلال الحملة من أجل تجديد الثقة بقيادتها.&
&
عضوية أوروبا
لكن الانقسامات بشأن الموقف من العضوية في الاتحاد الأوروبي هي التي حسمت سقوط ثاتشر، فيما ساعدت استقالة جيفري هاو على عزلها. يكتب لاندايل أن المقابلات التي أجراها مع زميله شبرد كشفت عن وقائع بالغة الأهمية كان من الممكن معها أن تتخذ الأحداث مسارًا آخر تمامًا، وخاصة بعد الجولة الأولى من تصويت المحافظين لانتخاب قائد جديد، عندما حصلت ثاتشر على نسبة من الأصوات أكبر مما حصل عليها منافسها مايكل هسلتاين، ولكنها لم تكن كافية لفوزها في الجولة الأولى.

وكشف جون وايكهام ـ لورد وايكهام الآن ـ الذي كان من أكبر أنصار ثاتشر، للمرة الأولى، أنه هو الذي طلب من ثاتشر أن تلتقي وزراءها، كلًا على انفراد، لتمكينهم من أن يقولوا لها الحقيقة الماثلة بأنهم لا يعتقدون أنها تستطيع أن تفوز في الجولة الثانية.&

وقال وايكهام إنه طلب من ثاتشر أن تستشير وزراءها أولًا، فأجابت إنها سعيدة بأن تفعل ذلك. لكنه أوضح أن عليها أن تفعل ذلك "وجهًا لوجه مع كل واحد منهم على انفراد".
وأقرّ وايكهام بأنه كان قلقًا من سماع وزراء ثاتشر يعبّرون عن آراء، لم تكن لديهم الشجاعة لقولها أمامها، رغم أنه يجب أن يقولوها لها، لكي تعرف حقيقة موقفها.

نصيحة سيئة
تنقل "بي بي سي" عن وايكهام قوله "فعلتُ ذلك من باب الولاء لها، وليس للتخلص منها، بل لكي تتمكن من اتخاذ القرار بشأن ما ينبغي أن تفعله". أضاف إنه جعلها تطلع على الوضع، ثم تقرر ما تريد أن تفعله. وتولى جون ميجور قيادة المحافظين بعد خمسة أيام على استقالة ثاتشر، متغلبًا على دوغلاس هيرد ومايكل هسلتاين.&

ويعتقد كثيرون من أنصار ثاتشر أن نصيحة وايكهام كانت نصيحة سيئة، وأنها كانت ستبقى على رأس الحزب والحكومة، لو أُتيحت لها الفرصة لحشد تأييد وزرائها بصورة جماعية. لكنها بدلًا من ذلك أعطت وزراءها فرصة بأن يقولوا لها إنها فقدت تأييد الحزب من دون أن يتعرّضوا لضغوط أقرانهم من الموالين لها.
&
ولو واصلت ثاتشر المعركة، لما قرر جون ميجور، الذي كان وزير المالية وقتذاك، ودوغلاس هيرد وزير الخارجية في حينه، دخول حلبة السباق، ولخاضت المعركة بينها وبين هسلتاين فقط.&
&
الثمن الباهظ
يقول وزير الثقافة جون ويتنغدايل، الذي كان سكرتير ثاتشر للشؤون السياسية وقتذاك، إنها اعتقدت بأنها قادرة على الفوز في الجولة الثانية، ولكن ذلك النصر كان سيتحقق بثمن باهظ. وقالت له إن مثل هذا الثمن الباهظ كان على الأرجح سيجعل فوز المحافظين في الانتخابات البرلمانية متعذرًا. وكشف مايكل هسلتاين ـ لورد هسلتيان الآن ـ أنه بعد هزيمته في الجولة الأولى لم يفكر قط في التنحّي، ولكنه يقرّ الآن بأنه كان يجب أن يفكر في مثل هذا الخيار.&

يرى لورد هسلتاين أنه لو قررت ثاتشر مواصلة المعركة في الجولة الثانية لكان من الجائز أن يهزمها. وقال إن فوزه عليها كان ممكنًا، ولكنه ليس مؤكدًا. أضاف "لكني أعرف بأني عندما سمعتُ أنها لن تواصل المعركة، علمتُ أن فرصي في الفوز كانت معدومة" أمام المرشحين الآخرين الذين دخلوا حلبة السباق.&

بعد ملفي العراق والاقتصاد
وكشف كين كلاك وزير الدولة السابق أن ثاتشر حاولت كسب تأييده، واعدة بالتنحّي من رئاسة الوزراء، قبل الانتخابات البرلمانية. لكنها خلال لقائها معه على انفراد، أكدت أنها لا يمكن أن تستقيل الآن. ويتذكر كلارك "أنها قالت إن هناك أشياء عليها أن تفعلها، وليس هناك أحد آخر، وأكدت لي أنها سترحل بالتنحّي قبل الانتخابات المقبلة، ولكن عليها أولًا أن تُكمل لنا مشوار هذا الحرب ضد العراق في الكويت، وتعيد الاقتصاد على قدميه".&

وتحدث لورد وايكهام عن الدور الحاسم الذي قام به دنيس ثاتشر زوج رئيسة الوزراء في إقناعها بالاستقالة. وقال وايكهام "كنتُ أعرف حق المعرفة أن دنيس كان يريدها أن تستقيل"، وأنه كان يقول لها إنها فعلت ما فيه الكفاية، وأدت ما عليها، ويجب ألا تبقى فترة أطول.

وكشف رئيس حزب المحافظين وقتذاك كين بيكر (لورد بيكر الآن) تماهل مدير حملة ثاتشر وسكرتيرها البرلماني الخاص بيتر موريسون. وقال "ذهبتُ ذات يوم لزيارة بيتر موريسون، فوجدته يغط في النوم على كرسيه. كان واثقًا كل الثقة بأنها ستفوز. قلتُ إن هذا ليس إحساسي بالمرة، وعليك أن تعمل على إقناع الآخرين".&
&