منذ ايام يحاول مؤرخون وباحثون العثور على جثة فيديريكو غارسيا لوركا واصحابه الذين قتلوا في غرناطة على يد ميليشيا تابعة لنظام فرانكو. &

حدث ذلك في الثامن عشر من آب/اغسطس في الساعة الرابعة وخمس واربعين دقيقة في مكان اسمه "بارانكا دي الفاكار" او وادي الفاكار، بين قرية تحمل الاسم نفسه وقرية فزنار على بعد 9 كيلومترات من غرناطة. فريق القتل كان يتكون من ستة أشخاص وكان أسوأهم بينافيديس الذي تبرع لتنفيذ العملية وهو والد زوجة ابيه الاولى.

مات مع غارسيا لوركا معلم في القرية اسمه خوزيه ديوسكورو غالنيندو وكان من دعاة العلمانية اضافة الى اثنين من اصدقائه من غرناطة وهما فرانسيسكو غالادي وجواكي آركولاس وكانا يعتبران من الفوضويين لانهم كانوا يأملون في تحقق العدالة الاجتماعية ولانهم انضموا الى الاتحاد الوطني للعمال.

القيت جثث القتلى الاربعة داخل حفرة علما ان المنطقة نفسها شهدت مقتل الفين من ضحايا الفاشية الاسبانية وكانوا قد اعدموا في بدايات الحرب الاهلية والقيت جثثهم داخل مقابر جماعية.

واليوم بعد مرور ثمانية عقود تجري المحاولة الثالثة للعثور على بقايا الكاتب الذي يقض شبحه ضمير اسبانيا كلها هو واولئك الذين قتلتهم الفاشية.

جرح لا يندمل

مقتل لوركا على يد رجال فرانكو جاء نتيجة للممارسات الفاشية بالدرجة الاولى ولكنه كان ايضا نتيجة كراهية عائلية قديمة ونتيجة حقد جنسي اودى بحياة كاتب وشاعر وكاتب مسرحيات ورجل حر وذلك لأن لوركا كان مثليا.

كان مقتل لوركا رمزا لفظائع الحرب الاهلية التي حاول النظام اخفاءها وتغطيتها ولذا يعتقد البعض ان البحث عن جثة لوركا والعثور عليها قد يكون عمل كفارة يعوض عن هذه الممارسات وكي تتخلص اسبانيا من جرحها الذي لم يندمل بعد.

قانون الذاكرة التاريخية

تم التصويت على هذا القانون في عام 2007 في زمن حكم رئيس الحكومة الاشتراكي خوزيه لويز رودريغيز زاباتيرو.

ويسمح هذا القانون بفتح المقابر الجماعية التي دفن فيها عشرات الالاف من ضحايا فرانكو شرط ان يكون الامر بطلب من السلطات المحلية او اسر الضحايا اضافة الى الاعتراف بما تعرضوا له.&

ومن المعروف ان 595 شخصا معروف الهوية دفن في هذه المقابر الجماعية في الاندلس اما الاخرون فغير معروفين.

قتل شاعر

غارسيا لوركا لم يعدم فقط بل أهين وتعرض الى الضرب والتعذيب ومن هنا اصبح رمزا لبربرية ميليشيات فرانكو بالنسبة للمجتمع الاسباني كله.

وفي عام 2009 وتحت رعاية "مكتب ضحايا الحرب الأهلية والدكتاتورية" الذي الغته حكومة راخوي اليمينية لاحقا تم تنفيذ عمليات بحث عن جثة لوركا عند قاعدة شجرة زيتون عتيقة تقع عند مدخل حديقة غارسيا لوركا قرب قرية الفاكار.

اعتمد البحث على معلومات وردت في كتاب "حياة فيديريكو غارسيا لوركا وعشقه وموته" لكاتب سيرة حياته الايرلندي المتخصص في شؤون اسبانيا ايان غبسون ويعود الى عام 1998. يورد الكتاب شهادة شخص كان في المكان في ايلول/سبتمبر في عام &1036 وبعد شهر واحد من إعدام لوركا ورفاقه.

تنقيبات جديدة في تشرين ثاني 2014

لاحقا برزت معلومات جديدة عن المكان الذي دفن فيه لوركا إذ تحدث جنرال متقاعد عن ذكرياته وكان ابن القائد العسكري في المنطقة عند وقوع الحادثة.

الجنرال قال إن اثنين او ثلاثة من عناصر الميليشيا أهمهم بينافيدس اقتادوا لوركا الى الموقع الذي اعدم فيه.

الجنرال نقل عن بينافيدس تبجحه "بقتل أحمر، وصديق للحمر، ومثلي قذر"، حسب قوله.

الجنرال ذهب الى المكان في ستينات القرن الماضي عندما كان شابا وهو ما يساعد الباحثين في تقليص مساحة البحث عن جثة لوركا لتقتصر على 160 مترا مربعا فقط. والباحثون واثقون تماما من انهم سيعثرون على ما يريدون.

وهكذا وبمساعدة مالية من حكومة الاندلس المحلية استأنف فريق مؤرخين وآثاريون اعمال البحث تحت قيادة ميغيل كاباليرو بيريز مؤلف كتاب "الساعات الثلاث عشرة الاخيرة من حياة فيديريكو غارسيا لوركا".

وكانت النية ان يجري البحث على بعد كيلومتر واحد تقريبا من تنقيبات عام 2009!&

ولكن وبعد مرور عشرين يوما من البحث المضنى سقطت ثلوج مفاجئة بغزارة فاضطر الفريق الى وقف أعمال البحث.

التنقيب الثالث

مع ما تبقى من مساعدة الحكومة إضافة الى اموال جمعت في حملة دولية بدأ ميغيل كاباليرو والآثاري خافيير نافارو اعمال بحث جديدة على بعد خطوات قليلة من موقع البحث السابق وهم واثقون تماما من عثورهم قريبا على جثث الرفاق الاربعة.

غير ان هناك المشاكل التي سيكون على الفريق تخطيها ومنها أن احد المستثمرين اراد قبل سنوات تحويل المكان الى ملعب لكرة القدم فالقى اطنانا من التربة فيه حتى تدخلت شقيقة لوركا وكانت حينها في السابعة والثمانين وطلبت من السلطات المحلية وقف الأعمال ولكن .. عندما اعطي امر وقف تنفيذ المشروع كان الموقع عمق 8 امتار من التراب.

وكان نظام فرانكو قد انشأ قبل ذلك في الموقع نفسه معسكر تدريب عسكري تحول لاحقا الى مكان لسباق الدراجات البخارية.

وكأن المقصود طمر ذكرى هذا الفنان الى الابد.&