تدفع إدارة "الجمهوريين" حزبها إلى الخوف في انتخابات الحزب الأولية، وهو إن أضيف إلى تخوين المسلمين الأميركيين، قد ينسف فرصه في الفوز قبل مرحلة المنافسة الوطنية. ويغلب على الحزب الجناح الذي يعتبر أن ولاء المسلمين للشريعة قبل الوطن. كما يحاول راغبون في الترشح استرضاء أصحاب المواقف المناهضة للمسلمين.


إعداد ميسون أبوالحب: بعد خسارة ميت رومني أمام باراك أوباما في عام 2012، نشر رئيس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري رينس بريبيوس في عام 2013 تقريرًا يقع في 100 صفحة تحدث فيه عن ضرورة تطوير الحزب الجمهوري.

طابور خامس
تضمن التقرير، الذي حمل عنوان "مشروع النمو والفرصة"، رسالة واضحة ومباشرة، وهي: إن اراد الحزب الجمهوري الحصول على فرصة للفوز بالرئاسة، عليه جذب الجماهير، وليس إبعادها. كما جاء في التقرير "نحتاج شن حملة بين المتحدثين بالإسبانية والسود والآسيويين والمثليين، وأن نظهر اهتمامنا بهم".

في هذه الأثناء، أبدى المتنافسون الرئيسيون على الترشح للرئاسة من الحزب الجمهوري إعجابهم بالحزب، كما هو، واحدًا بعد الآخر، وبشكل ناجح. وصعد دونالد ترامب وبن كارسون هذا السباق بمواقف، مثل انتقاد المهاجرين غير الشرعيين. غير أن الحزب الجمهوري يواجه الآن أصعب نقاش داخلي في خضم مخاوف واسعة من الإرهاب بعد هجمات باريس المرعبة. وموضوع النقاش هو: هل يمثل المسلمون، الذين يعيشون في الولايات المتحدة، طابورًا خامسًا أم لا؟.

الجذب بالعنصرية
يعاني الحزب الجمهوري من مشاكل عديدة، ومنها تغلب جناحه، الذي طالما اعتبر أن ولاء المسلمين ليس لأميركا، بل للشريعة الإسلامية. هنا يحاول راغبون في الترشح، مثل جيب بوش، استرضاء أصحاب المواقف المناهضة للمسلمين، وإهمال قضايا أخرى. ومع ذلك، ليس من المهم إن كان ترامب أو كارسون يؤمنان حقيقة بما يقولان عن المسلمين الأميركيين، لأن القضية هنا هي: إن فاز أحدهما في الانتخابات، فسيعيد بناء الحزب الجمهوري وفقًا لتصوره.

وانطلاقًا من هذه الرغبة في الاسترضاء، شبّه كارسون بعض اللاجئين المسلمين بالكلاب المسعورة، فيما تحدث ترامب عن هوية خاصة بالمسلمين الأميركيين. ولكننا نتساءل هنا: كيف سيتمكن من التمييز بين المسلم الحقيقي وغير الحقيقي؟.

ردود فعل سلبية
هذه التصريحات أثارت ردود فعل سلبية لدى اليمين. فقال جيب بوش مثلًا إن دعوة ترامب بغيضة، وأيّده في ذلك سيناتور تكساس تيد كروز، موضحًا "لست مغرمًا بسجلات الحكومة الخاصة بالمواطنين الأميركيين"، فيما كتبت ماغي غلاغير في ناشونال رفيو "أسفة ترامب، من حق الناس أن يكونوا مسلمين أميركيين".

ومع كل هذه الطروحات لم يحاول أحد الاقتراب مما قاله بريبيوس في مذكرته في عام 2013. ورغم رفضهم لمقترحات ترامب، أيّد مرشحون، مثل بوش وروبيو، اقتراح رئيس مجلس النواب بول راين تعليق البرنامج الخاص باللاجئين السوريين، عدا المسيحيين منهم.

في هذه الأثناء حذرت وسائل إعلام المحافظين الجدد، مثل مجلة كومينتوري، من أن "أي خطة لاستقبال آلاف السوريين، معناها المجازفة بأمن أميركا، لاسيما وأن الفشل يقاس بالدماء". وأكدت المجلة أنه سيكون "أمرًا غير مسؤول أن تذهب الحكومة في هذا الاتجاه". وأضافت "اليهود الذين هربوا من أوروبا النازية، كانوا قادرين على إثبات هويتهم، حتى في خضم الحرب العالمية، ولا ينطبق هذا الأمر على السوريين". هذا رغم أن كل المشاركين في هجمات باريس أوروبيون.

لماذا وكيف
ما الذي يحدث؟، وكيف ابتعد الحزب الجمهوري عن فكرة بريبيوس إلى هذا الحد؟. هناك عاملان. الأول هو أن الحزب الجمهوري بتبنيه فكرة أن أميركا شهدت تدهورًا تحت رئاسة باراك أوباما، إنما يبتعد عن عقيدة جورج دبليو بوش السياسية المتفائلة. وبعد مرور أكثر من عقد على الحرب في الشرق الأوسط، تثير فكرة أن بإمكان واشنطن تغيير مجتمعات إسلامية لجعلها على صورة أميركا سخرية اليمين واليسار في وقت واحد.

على النقيض من ذلك، يسترجع حاكم أوهايو جون كاسيش تركة بوش من خلال دعم نشر القيم اليهودية المسيحية في إيران وفي روسيا والصين والشرق الأوسط. وقال كاسيش في لقاء مع إن بي سي: "نحتاج نشر رسائل في مختلف أنحاء العالم، مفادها أن أميركا تعني الحرية، وتعني الفرص، وتعني احترام النساء، وتعني حرية التجمع، وأمورًا أخرى عديدة". غير أن المحافظين يتبنون نظرة أقل تفاؤلًا عن الشرق الأوسط، وهي أن المنطقة تشكل خطرًا كبيرًا على الحضارة الغربية.

شماعة للتخويف
يعود السبب الثاني إلى نهاية الحرب الباردة، فخلال القرن الماضي ركز الحزب الجمهوري على خطر داخلي داهم، تمثل في الشيوعية، وصوّر كل من ينتمي إليها على أنه خائن. واليوم يتوجه العديد من اليمينيين كما يبدو إلى ملاحقة الخونة المسلمين، باعتبارهم جزءًا من حرب عالمية ثالثة ضد عدو أجنبي.

هؤلاء شخّصوا خونة داخليين، وأعلنوا حربًا واسعة على الإسلام منذ سنوات، ولكنهم كانوا يلقون أذانًا صماء. نتذكر أن جورج دبليو بوش رفض اتهام المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وزار جامعًا، وأكد أن أميركا ليست في حرب مع الإسلام نفسه. واليوم، بعد هجمات باريس، يغتنم اليمين الراديكالي الفرصة للترويج لقضيته بشكل أوسع.

أوضح مثال على إصرار الحزب الجمهوري على موقفه المعادي للإسلام، كان حتى الآن الحملة ضد أوباما باعتباره مسلمًا. ونذكر هنا جيروم كورسي، الذي اتهم الرئيس في كتابه "أمة أوباما" بعلاقات عميقة مع سياسات إسلامية وراديكالية. أيضًا كتب داينيش دسوزا قصة في عام 2010، زعم فيها أن أوباما يخوض حربًا ضد الاستعمار، كما قال في لقاء صحافي في عام 2014 إن أوباما، وهو مسيحي ممارس، يعتقد أن الإسلام أفضل من المسيحية.

البحث عن خونة
البحث عن خونة حدث أيضًا داخل صفوف الحزب الجمهوري نفسه، مثل غروفر نوركويست الناشط ومعارض الضرائب وزوجته سماح الريس من أصل فلسطيني، إضافة إلى مسؤول سابق في إدارة بوش، هو سهيل خان، الذي طالما اتهمه مسؤول في وزارة الدفاع في إدارة ريغان، وهو فرانك غافني، بكونه عميلًا سريًا للإخوان المسلمين.

اتهامات غافيني أيدها عشرة مسؤولين سابقين، بينهم المدعي العام مايكل بي موكاسي ومدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) جيمس وولسي في مقدمة ملف يتكون من 45 صفحة حمل عنوان "الإسلاميون ومساعدوهم - هجوم على اليمين: القضية ضد غروفر نوركويست وسهيل خان".

بعد هجمات باريس، تحول كل ما كان في الهامش إلى منطقة المركز داخل الحزب الجمهوري، واليوم يثير إعلام المحافظين والسياسيين مخاوف مشابهة من الإسلام والمسلمين. مثلًا كتب آرون غولدشتاين في "أميركان سبيكتيتور" قائلًا "دعوني ألخّص تعبير الإسلام المتزمت بهذه الطريقة. ليس كل المسلمين أعضاء في داعش، ولكن كل أعضاء داعش مسلمون".

ويبدو أن هذا موقف له شعبية داخل الحزب، فيما أشار استطلاع آراء واسع أجرته واشنطن بوست وأي بي سي نيوز إلى تزايد مخاوف الناس من هجوم إرهابي في أميركا. ومع ذلك رفض أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين فكرة التمييز ضد لاجئين على أساس الدين. (وأعطى استطلاع آراء أجرته بلومبيرغ نتيجة أخرى).

ورأت صحيفة بوليتيكو أن إدارة الحزب الجمهوري تدفع الحزب في اتجاه الخوف في انتخابات الحزب الأولية، وهو إن أضيف إلى تخوين المسلمين الأميركيين، قد ينسف فرصه في الفوز قبل مرحلة المنافسة الوطنية. غير أن الصحيفة لاحظت أن الانتخابات الأولية ستظهر أيضًا كم بقي من تقرير رينس بريبيوس.
&