يولد 15 مليون خديج في السنة ويموت 4 ملايين منهم في أفريقيا وآسيا قبل أن يكملوا شهرًا واحدًا من العمر، بسبب نقص أجهزة الحضانة. أنتجت جامعة ستانفورد الأميركية حاضنًا محمولًا يمكن للفقراء اقتناؤه، ويسهل استخدامه، لكنه ينهض بأهم مهمات جهاز الحضن الإلكتروني.


ماجد الخطيب: لا يختلف جهاز الحضن المحمول "أمبريس" في شكله عن كيس نوم الأطفال الذي يستخدمه الناس في البلدان الباردة لحماية أطفالهم أثناء النوم مساء، لكنه ثوب أزرق عالي التقنية من إنتاج جامعة ستانفورد الأميركية في سان فرنسيسكو.&
والمهم في جهاز أمبريس، من وجهة نظر إنسانية، أن سعره لا يشكل سوى 1% من سعر جهاز الحضانة الإلكتروني المتقدم، الذي يستخدم في المستشفيات الأميركية والأوروبية، وهذا يجعله في متناول سكان العالم الثالث، وقابلًا للشراء والتوزيع من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.
لا يزيد وزن الجهاز عن وزن كيس نوم الأطفال، وقد طرح للاستعمال حاليًا في أفريقيا بسعر 200 دولار، ومن المتوقع أن ينقذ حياة ملايين الخدج الذين يولدون في المناطق النائية، أو في المستشفيات التي تفتقد لأجهزة الحضانة المناسبة. وكيس النوم الحاضن أمبريس لا يعمل بالكهرباء، فلا يعرض حياة الخديج للخطر في المناطق المقطوعة عن الكهرباء، أو عند انقطاعها المؤقت، كما هي الحال في بلدان العالم الثالث الفقيرة.

هبوط حراري&
جهاز امبريس يمكن تسخينه إلى درجة يحتاجها جسم الطفل الخديج، لكنه يحتفظ بهذه الحرارة بدرجة ثابتة لساعات طويلة أخرى. فانخفاض حرارة جسم الخديج هو السبب في ثلث حالات موت الخدج، وهي الحالة التي يطلق عليها في الطب اسم "هايبوثيرميا"، أو الهبوط الحراري.
ومعروف في الطب أن الحفاظ على حرارة ثابتة من أهم مهمات جهاز الحضن، فضلًا عن مراقبة وظائف الجسم الحيوية الأخرى مثل عمل القلب وسرعة التنبض والتنفس. ولهذا يعمل أمبرس على تنظيم درجة الحرارة أساسًا، وهو الطراز المطروح منه حاليًا، لكن هناك جيلًا منه يمكن ربطه على الأجهزة عند الحاجة.&
وذكرت جين تشين، من مشروع أمبريس الخيري، انهم زاروا النيبال وجنوب افريقيا، ولاحظوا أهمية إنتاج حاضن محمول لا يعمل بالكهرباء في المنطقتين، لأن التيار الكهربائي في بعض هذه الدول مفقود أو متقطع. ولا تزال نسبة الولادة في البيوت، على أيدي القابلات القانونيات، عالية هناك.
&
حرارة 32 مئوية
درجة الحرارة المناسبة لوقاية الخديج، العاري من الملابس عادة، من الهبوط الحراري تدور حول 32 درجة مئوية، ومهمة حاضن امبريس هو منع نزول درجات الحرارة تحت هذا الحد الخطر الذي يبدأ مع 23 درجة. وطبيعي أن تتدهور حالة الخديج مع انخفاض درجات الحرارة لأن على جسمه استهلاك مصادر الطاقة الداخلية لمعادلة ذلك.
تفتقد البلدان الفقيرة إلى هياكل ارتكازية وطرق مواصلات سالكة، وهنا يمكن استخدام حاضن امبريس أثناء نقل الخديج من الريف إلى المدينة، أو من البيت إلى المستشفى. وتم رصد العديد من حالات وفاة الخدج أثناء النقل في البلدان الفقيرة وإن كانوا في حضون امهاتهم الدافئة.
&
واحد للنفخ وآخر للميكروويف
نال البريطاني جيمس روبرت جائزة دايسون في العام الماضي نظير ابتكاره جهاز حضن "موم" القابل للنفخ. ويحتوي الحاضن على قطع سيراميك خفيفة وصغيرة تتولى خزن الحرارة وبثها في الجهاز. ويحتوي "موم" على بطارية تعمل على تنظيم درجة الحرارة داخله لفترة 24 ساعة، ويتفوق "امبريس" على "موم" في انه لا يحتاج إلى كهرباء أو بطارية، كما أن "موم" احتفظ بشكله المكعب الشبيه بالحاضن الإلكتروني الكلاسيكي في المستشفيات.
ويرتفع سعر موم إلى 450 دولارًا، ويبقى بذلك فوق قدرات سكان العالم الفقير. وسبق لشركة نيتشر هوغ أن عرضت كيس نوم للرضع في المعرض لدولي للأجهزة الطبية في دسلدورف بألمانيا في 2014. والكيس عبارة عن غطاء مصنوع من القطن الخالص، يتخلله الهواء من الجهتين، ومزود بكرات ناعمة وخفيفة غير محسوسة تؤهلها لخزن الحرارة لفترة طويلة. ويمكن تسخين أغطية بيغ هاغ داخل الميكرويف لفترة 3 دقائق، فتحتفظ بالحرارة الكافية لتدفئة الطفل طوال ساعات. هذا الابتكار لا يغني عن الكهرباء، وهدفه التدفئة وليس التنظيم الحراري.
&
يتجاوزون التأخر المعرفي
سبق للأمم المتحدة أن رصدت زيادة نسبة ولادة الخدج على المستوى العالمي، التي يمكن عزوها إلى عوامل صحية واجتماعية وبيئية. وغالبًا ما تثير هذه الولادات قلق العائلة بالنظر للتخلف العقلي المحتمل الذي يرافقها. إلا أن دراسة جديدة تثير الأمل في قلوب عوائل الخدج قليلي الوزن عند الولادة، لأنها تشير الى نجاح نسبة كبيرة من الخدج في تجاوز التخلف الجسدي والعقلي في سن المدارس.
ومعروف أن نسبة كبيرة من الخدج قليلي الوزن تعاني من مشكلة التأخر المعرفي في السنوات الأولى إلا أن معظم هؤلاء الأطفال يستطيعون تجاوز هذا التأخر في سن المدارس وفي سنة الثامنة من عمره كمعدل. وجاء التأكيد على هذا الموضوع في بحث نشر في دراسة أميركية حديثة.&
&
تأخر معامل الذكاء
ويشير الباحثون إلى أن نسبة 1-2% من الخدج ينخفض وزن الواحد منهم عن 500 غم. ويعاني 20-50% من هؤلاء الأطفال من اضطراب في التطور العصبي يرافقهم في سنوات الحياة الأولى. وتقول الدراسة التي أعدها فريق من الباحثين بقيادة لاورا مينت من جامعة ييل في نيوهافن - كونيكتيكوس، إن الأطفال الخدج يكتسبون ما فقدوه بسبب عمرهم ووزنهم الصغير في سن الثامنة عمومًا. فحص الباحثون خدجًا تتراوح أوزانهم عند الولادة بين 600و1250 غراماً. وتساوى الأطفال في سن المدارس من ناحية التطور الجسدي والمعرفي رغم أوزانهم المختلفة عند الولادة. وتم التأكد من ذلك من خلال الفحوصات التي أجريت على هؤلاء الأطفال في سن المدارس.
واستخدم الأطباء فحوصات تخص تطور الطفل، جسديًا ومعرفيًا وعقليًا، وثبت لهم أن الخدج بدأوا بالتحسن بين عيد الميلاد الثالث والثامن، وقفزت النتائج التي حققوها من 88 إلى 90 نقطة. وتطور معامل الذكاء لديهم خلال نفس الفترة من 90 إلى 95 نقطة.&
ومن ناحية الذكاء نال 71% من الخدج شبه المتخلفين عقليًا (معامل ذكاء 70-80) من عمر 3 سنوات معامل ذكاء اعتياديًا وهم في سن 8 سنوات. وفي مجموعة الأطفال من عمر 3 سنوات، ويعانون من التخلف العقلي (معامل ذكاء أقل من 70) نجحت نسبة 50% منهم في سن 8 سنوات بتجاوز هذا التخلف.&

فرص حياة مرتفعة
وأثبتت الدراسة، من ناحية أخرى، أن فرص الحياة لدى الخدج قليلي الوزن يمكن أن ترتفع 85% من خلال الرعاية والعلاج الحديثين، رغم تحذير الباحث غلين ايلوورد، من جامعة ساوث ايلنيوي في سبرنغفيلد، من أن الطب لم يجد حلولًا لكافة مشاكل الخدج القليلي الوزن بعد. ولا تزال نسبة 15-20% من هؤلاء الأطفال تعاني من مختلف الأمراض العصبية وخصوصًا التخلف العقلي والصرع وفقدان البصر واضطراب الحواس المختلفة وخصوصًا السمع.
وتصيب هذه المضاعفات، على وجه الخصوص، الخدج الذين يولدون بوزن جسم منخفض تمامًا. هذا يعني أن حضن الخدج بشكل جيد، إلى حين بلوغهم وزنًا مناسبًا، يمكن أن يقرر مستوى تطورهم بعد سنوات في المدارس. وهنا يأتي أيضًا دور الحاضن المحمول "امبريس"، الذي يمكن أن يطمئن قلق آلاف العائلات نحو مستقبل أطفالهم الخدج.
&