تحول اختطاف ثلاثة أميركيين في العراق إلى جرس إنذار يؤكد تنامي عمليات الخطف والجريمة المنظمة، وعدّها سياسيون حادثًا يكمل سلسلة حوادث الخطف، وأبرزها حادث اختطاف الصيادين القطريين، ما يضعف ثقة الدول الصديقة والحليفة بالعراق.

&
محمد الغزي: ثلاثة سيناريوهات مفترضة تحدد مسار خاطفي الأميركيين الثلاثة من شقة في منطقة الدورة في جنوب بغداد، وتطرح احتمالات الجهات التي يعتقد انها متورطة بالحادثة، فيما أكدت عصائب أهل الحق أن لا علاقة لها بما حصل، بل إن المنطقة التي إقتيد منها الثلاثة لا وجود للعصائب فيها.
&
السلطات الأميركية، التي أكدت عملية الاختطاف، أعلنت أنها فعّلت مساعيها الحثيثة من أجل الإفراج عنهم، وذلك في وقت انتشرت فيها قوات أمنية في أكثر من منطقة لتنفذ عمليات دهم وتفتيش بحثًا عن المختطفين الثلاثة، وهم رسل فرهاد ووائل المهداوي وعمر محمد يعملون لمصلحة شركة (General Dynamic Information Technology) وهي شركة متعاقدة مع وزارة الدفاع العراقية وفق نظام يعرف بـ (FMS).
&
من إحدى هذه الشقق تمت عملية خطف الاميركيين الثلاثة (الصورة خاصة بإيلاف)
اختلفت الروايات بشأن أصول الثلاثة، ففي الوقت الذي لفتت فيه مصادر إلى أن بينهم اثنين من أصول عراقية، بينما الثالث مصري، قالت مصادر أخرى إن أحدهم عراقي، ومعه مصريان، وقالت مصادر جديدة إن الثلاثة من أصول عراقية يحملون الجنسية الأميركية، كما تعددت سيناريوهات اقتيادهم.
&
السيناريو الأول&
يفترض السيناريو الأول، بحسب مصادر أمنية، وهو مطابق لما قالته الحكومة العراقية، ومتوافق مع رواية مسؤولين أميركيين، اختطاف الأميركيين الثلاثة من منزل مترجمهم في بغداد، حيث كانوا في سهرة وصفت بالحمراء، وأنه بعد دعوتهم إلى منزل مترجمهم في حي الصحة في الدورة في جنوب بغداد تم اقتياد الثلاثة ومضيفهم إلى جهة الرصافة في بغداد مرورًا، إما بمنطقة بغداد الجديدة وعبر شارع القناة، ليقصدوا بعد ذلك مدينة الصدر، ثم انقطعت الاتصالات معهم تمامًا، أو عبر الكرادة، ثم شارع سلمان فائق، فزيونة، ليعبروا إلى شارع القناة، والمناطق هذه جميعها شهدت حملات تفتيش مكثفة خلال يومين.
&
الأميركيون الثلاثة كانوا داخل شقة تحمل الرقم 2 في عمارة رقم &206، في مربع سكني، كان يقطنه منذ سنوات فلسطينيون وسوريون معارضون لنظام الأسد، ويطلق عليه تسمية (الحارة)، وهو تابع لشقق حي الصحة في منطقة الدورة، بحسب روايات الأهالي، ووفقًا لمصادر في استخبارات الداخلية فإنه غالبًا ما كان الأهالي يشكون من تلك الشقة والحفلات التي كانت تقام فيها، بل إنها كانت توصف بـ"الماخور".
&
لا يبدو الأمر سارًا ولا سهلًا حين تحاول معرفة تفاصيل الحادث، وكيف تم اقتياد الأميركيين الثلاثة من الشقة غير البعيدة عن نقطة تفتيش ثابتة وأمام الجيران وسكان الحي، الذي يبدو فقيرًا، حيث يلوذ الأهالي بالصمت، وكأن الجهة التي نفذت عملية الاختطاف كعبها أعلى من كعب الأجهزة الأمنية، وهو ما سهّل حتى عبورها نقاط التفتيش بسهولة، على الرغم من كثرتها في أي من الطريقين الذي يفترضه السيناريو الأول.
&
السيناريو الثاني&
لا يختلف السيناريو الثاني عن الأول في تحديد الجهة التي قامت بالاختطاف، بالإشارة إلى أنها فصيل مسلح تابع للحشد الشعبي، يرتدي زيًا أمنيًا ترتديه بعض الفصائل، ويستقل عناصره ثلاث سيارات دفع رباعي تتيح لهم تجاوز نقاط التفتيش، بافتراض عدم إيقافها، حيث تفيد مصادر أمنية في الشرطة العراقية بأن المختطفين اقتيدوا من سيارتهم على الطريق السريع في الدورة في جنوب غرب بغداد، بينما كانوا في طريقهم إلى مطار بغداد الدولي.
&
يقول هذا السيناريو إن عملية الاختطاف تمت يوم السبت، بمعنى أن المختطفين قضوا ليلة في منزل مترجمهم، لكنه يطرح فرضية أن يكون الخاطفون، إما قد سلكوا طريق المطار باتجاه كرخ بغداد صوب مناطق ذات نفوذ لفصائل الحشد الشعبي، وأبرزها الشعلة أو الحرية، أو أن يكونوا سلكوا طريقًا في جنوب بغداد عبر المحمودية، ومنها إلى بلدات إما في بابل أو محافظات الفرات الأوسط.
&
تأتي هذه الحادثة قبل ساعات من توجيه هيئة الحشد الشعبي في محافظة بابل، باعتقال كل من يرتدي الزيّ العسكري خارج مناطق القتال وحاملي الرتب العسكرية من عناصر الحشد الشعبي، فيما أمرت بإغلاق مقر أي فصيل غير مسجل رسميًا، وعدم السماح للعجلات غير المسجلة بالتجوال في المحافظة.
&
السيناريو الثالث&
يخالف هذا السيناريو، ارتباط عمليات الخطف بجماعات تحاول الاستفادة من زيّ الحشد الشعبي وعجلاته، وما يتيح لها التجول بحرية، وهي جماعات تنفذ الجريمة المنظمة وعناصر غير منضبطة في الحشد الشعبي، كما تؤكد الحكومة العراقية ووزارة الداخلية، وحتى قيادات الحشد الشعبي، ليطرح فرضية أن يكون الخاطفون عناصر من خلايا نائمة مرتبطة بداعش، هي من نفذت اختطاف الثلاثة، وبانتظار تأمين وصولهم إلى منطقة مستقرة، ليتم الإعلان عن هذه العملية، كما يعكف التنظيم، ولا يجيب صراحة عن إمكانية حدوث هذا السيناريو إلا تنظيم داعش، بإعلان تبنيه، لكن المتحدث باسم عصائب أهل الحق نعيم العبودي قال لـ"إيلاف" حيال اتهامات وجّهت إلى العصائب تفيد بتورطها في هذه الحادثة: "ليس لنا رد عليها.. بل أقول لا علاقة لنا بها، فالكل يعرف أن منطقة الدورة تتواجد فيها خلايا نائمة، وبعض المتطرفين، وليس لنا أي وجود فيها".
&
يلفت هذا السيناريو، بحسب محققين عراقيين، إلى أن مضيف الأميركيين الثلاثة، واسمه رامي أبو ماريا، من أصول فلسطينية، لكن الخبير في شؤون الفصائل والميليشيات المسلحة مهند الغزي، أكد لـ"إيلاف" أن أبو ماريا هو نفسه رامي، وهو صاحب الشقة، التي كان فيها الأميركيون الثلاثة، لكنه لفت إلى نفوذ عصائب أهل الحق، ومعها كتائب حزب الله ومنظمة بدر، وأنه تم تهجير نازحين من الأنبار قصدوها قبل نحو عام.
&
رسائل سيئة &
رئيس مجلس النواب سليم الجبوري اعتبر أن تزايد حالات خطف الأجانب في العراق يضيف تعقيدًا جديدًا إلى المشهد العراقي، ويبعث برسائل سيئة، وأشار إلى أن اختطاف الأميركيين الثلاثة، وقبلهم القطريون، يسيء إلى علاقات العراق مع الدول الشقيقة والصديقة والحليفة.
&
الجبوري، الذي يستعد لافتتاح مؤتمر اتحاد البرلمانات الإسلامية، قال إن تزايد حالات خطف الأجانب يشير إلى تنامي عمل العصابات المنظمة في العراق، بل إنه يسيء إلى علاقات العراق مع حلفائه. وأضاف أن دوافع إجرامية تتداخل مع أهداف هذه العمليات المنظمة والمرفوضة، وهي تعبّر عن تنامي المجاميع المنفلتة.
&
تنسيق
السفارة الأميركية، التي أكدت علمها بتقارير اختفاء أميركيين ثلاثة في العراق، قدمتها شركتهم، قالت إنها تعمل مع السلطات العراقية للعثور عليهم، وهذا في وقت بدأت في الفوج الرئاسي منذ يوم الأحد عملية تفتيش واسعة النطاق في منطقة الدورة، وتحديدًا في حي الصحة وحي أبو دشير وشارع الجمعية.
&
الناطق الرسمي باسم السفارة الأميركية في بغداد سكوت بولز رفض "تحديد صفة المختطفين الثلاثة، وما إذا كانوا مستشارين عسكريين أو مدنيين"، لكنه أكد في تصريح صحافي أن "حماية الأميركيين في العراق جزء من أولوياتنا، ونحن حاليًا ننسق مع الحكومة العراقية لاسترجاعهم".
&
عجز&
الخبير في شؤون الجماعات هشام الهاشمي قال لـ"إيلاف" إن الحكومة تبدو"عاجزة عن إيجاد حل لعمليات الخطف"، ويضيف إنه "عند التعمق في تفاصيل خطف الأميركيين تجد أنها تهديدات حقيقية تكاد تهز تماسك منظومة الحشد الشعبي، والأصعب من ذلك تعذر الحلول الحقيقية للوقوف في وجه هذا الخطر، ذلك أن أي تعامل مباشر مع هذا التهديد قد يجر إلى مشاكل إضافية للحكومة، التي وقفت عاجزة أمام أي حل قانوني في حوادث خطف الأتراك والتصادم مع عمليات بغداد وسجون جرف الصخر والرزازة وخطف القطريين وحوادث المقدادية وتهديد القوات الأمنية في البصرة، وآخرها خطف الأميركيين".
&
وأكد أنه "من دون محاصرة التهديد الرئيس أو تحجيمه، وهنا على الكبار أن يجلسوا لحل هذه العمليات السائبة التي وصفتها المرجعية بـ(العمليات الإرهابية) ووصفها السيد مقتدى الصدر بـ(الميليشيات الوقحة) والتي حذّر منها السيد عمار الحكيم".
&
الهاشمي نبّه إلى أن "انتصارات الحشد وتضحياتهم أكبر من أن تفسدها هذه الجماعات المسلحة السائبة، التي ينبغي أن تقدم إلى القانون، وربما هذا وقت الفرصة الأخيرة".
&
مكاسب ومساومات
وكان عضو لجنة الأمن والدفاع ماجد الغراوي أكد لـ"إيلاف" أن وراء الحادث، الذي نفذته فصائل لم يسمِّها، "مكاسب سياسية ومساومات مادية"، فيما قال زميله إسكندر وتوت لـ"إيلاف" إن اللجنة ستجتمع لبحث تنامي حوادث الخطف، وخاصة الأجانب، والجريمة المنظمة، وأثر ذلك على سمعة البلد، خاصة في المناطق التي يفترض أن تكون آمنة، ولا تشهد قتالًا مع داعش".
&
وقال إن الحكومة تعمل عبر أجهزتها المختصة على تحديد مكان تواجد المختطفين الثلاثة، الذين كانوا في حي الصحة، تلبية لدعوة وجّهت إليهم. وقال النائب محمد الكربولي عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي لـ"إيلاف" إن "الثلاثة كانوا مدعوين لحفل خاص في منطقة الدورة في جنوب بغداد".
&
ولم يتعرّض أميركي لخطف في العراق منذ سنوات، وكان آخرهم عيسى سلومي، وهو أميركي من أصل عراقي فقد في بغداد في كانون الثاني (يناير) 2010، وتم الإفراج عنه لاحقًا.
&