بيروت: أجرى باحثون من جامعة ولاية نورث كارولينا وجامعة كولورادو بولدر إحصاءات حول الحشرات المخيفة الموجودة في مئات المنازل السكنية في البلاد، ووجدوا أنّنا نعيش مع أكثر من 600 نوع من الكائنات المفصلية.&

والمفصليات هي شعبة مهمة من الحيوانات اللافقارية، التي تتألف أجسامها من أجزاء وحلقات متعددة مغطاة بهياكل خارجية، وهي تشمل الحشرات والعناكب والقشريات وكل أنواع المخلوقات المتعددة الأرجل.

علاقة وثيقة معنا

وقد لا تشعر بالرغبة في لقائها قبل العشاء مثلاً، مع أنّك في الواقع على علاقة حميمة معها، فهي تعكس بيئتك وتؤثر على صحتك حتى لو كنت لم تلاحظها يوماً. وفي هذا السياق، تقول عالمة الأحياء آن مادن، وهي المؤلفة الرئيسة لتقرير الإحصاء المنشور في مجلة Molecular Ecology: "ثمة مجموعة كبيرة من المفصليات المختلفة، لا نعلم أنّها تشكّل جزءاً من بيئتنا المنزلية، لكنّها حاضرة...هي رفيقاتنا في الغرفة غير أنّنا نتجاهلها غالباً".&

الغبار عالم بحدّ ذاته

قامت مادن وزملاؤها بجمع عيّنات من أكثر من 700 منزل في الولايات الـ48 المجاورة، حيث طُلب من كلّ مساهم تقديم كمية صغيرة جداً من الغبار، مسحة واحدة بطرف قطن الأذن لغبار من داخل المنزل وأخرى من الخارج. ولكن على الرغم من صغرها، فهذه العينات الغبارية تحتوي عالماً من المعرفة. فالغبار ليس مجرد غبار، فهو عبارة عن المخلفات المجهرية للنظام الإيكولوجي، أي منزلك، ويتضمّن القليل من أرجل الحشرات، وحراشف أجنحة العث، وتقشرات جلدك وجلد حيواناتك الأليفة، وبعض البراز. ومن خلال ترتيب تسلسل الحمض النووي للمواد العضوية في كل عينة، تمكّن الباحثون من إجراء إحصاء جيني للمخلوقات التي تقطن هذا البيت.

شبكات متنوعة مترابطة

في هذه الدراسة ركّزت مادن على المفصليات، فقد كانت مهتمة على الأخص بتحليل تنوع الحشرات واختلاف المخلوقات العجيبة التي تعيش بيننا. وبعض المنازل التي عاينتها ضمّت حوالى 45 نوعاً (ولكن لا ينبغي الخلط بين مفهومي التنوع والكثرة، فإذا شمل المسكن تشكيلة واسعة من الحشرات، هذا لا يعني أنّها تغزوه وتملأه).

وقد سمحت هذه النتائج للباحثين بفهم التفاعلات المعقّدة التي تجري تحت أقدامنا أو داخل جدراننا. فعلى سبيل المثال، احتوت عيّنات متعددة على حمض نووي تابع لحشرة المن آكلة النبات، والدعسوقة التي تأكلها، والدبابير التي تضع بيضها فيها. وتلفت مادن إلى أننا نرى شبكات غذائية كاملة، من طفيليات وحيوانات مفترسة وفرائس، كلها في الغبار.&

للمفصليات ذوقها السكني الخاص

كما أنّ مادن وزملاءها تمكّنوا من تمييز بعض التوجهات في توزيع المفصليات وأنواع البيوت التي تستهويها. فالصراصير مثلاً تفضّل العيش في المناخات الدافئة الجنوبية، بينما تحبّ الدعاسيق أن تسكن في المنازل الشمالية، أما عث الغبار فيبحث عن الرطوبة. وتجدر الإشارة إلى أنّ المنازل التي تربّى فيها حيوانات أليفة، وتلك التي تتضمّن أقبية، تميل إلى احتواء مجموعة أكثر تنوعاً من الحشرات.

تصنيفها قد يساعد الطب

وبحسب مادن، هذه البيانات قد تساعد الأطباء على فهم بعض الأمور مثل الحساسية، فمن المعروف أنّ عث الغبار سبب شائع للربو، وكذلك مخلفات الصراصير.&

وتضيف قائلة: "من الجيد معرفة الأنواع غير المتوقعة من المفصليات التي نتفاعل معها، حتى نحدد كيف من الممكن أن تؤثر على صحتنا في المستقبل". فبعض حشراتنا قد تجعل من منازلنا أماكن أفضل من دون أن ننتبه، مثل العناكب التي تأكل الحشرات المؤذية. وبعضها الآخر قد يكون دخيلاً عرضيّاً، وجد نفسه بالصدفة في منزلنا بعد أن حطّ على أكمام ثيابنا أو على قدم كلبنا، ويتوق إلى الهرب من سجوننا المغطاة بالسجاد بقدر ما نتلهّف إلى طرده، بينما نجد قسماً من هذه الكائنات يعيش حياته كاملة معنا ولا يفارقنا، من دون أن نلاحظ حتى.&

وتشير مادن إلى أنّه من المسلّي أن نكشف عن ألغاز لم نكن نعلم في الأصل أنّها ألغاز، وفيما نعتقد أنّ منازلنا هي ملاجئنا الحميمة التي حفظناها عن ظهر قلب، ما زال أمامنا الكثير لنعرف حقاً ما يجري في داخلها.

أعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف نقلاً عن «واشنطن بوست». المادة الأصلية منشورة على الرابط التالي:

https://www.washingtonpost.com/news/speaking-of-science/wp/2016/11/02/scientists-just-completed-a-census-of-the-creepy-crawlies-that-live-in-our-homes/?wpisrc=nl_science&wpmm=1