عبد الاله مجيد: سحبت المحكمة العليا البريطانية بساط إطلاق عملية الخروج من الاتحاد الاوروبي من تحت رئيسة الحكومة تيريزا ماي، وحكم ثلاثة قضاة فيها بأن ذلك من صلاحية برلمان بريطانيا ذي السيادة، لا الحكومة وحدها.

وكانت حجة حملة بريكسيت أن الوقت حان لتستعيد مؤسسات بريطانيا سيادتها من محاكم الاتحاد الاوروبي وهيئاته غير المنتخبة. وبالتالي، كانت هناك مفارقة في حقيقة أن مؤيدي بريكسيت احتجوا غاضبين في 3 نوفمبر الجاري عندما قرر ثلاثة قضاة في المحكمة العليا البريطانية أن إطلاق عملية الخروج من الاتحاد الاوروبي&من صلاحية برلمان بريطانيا ذي السيادة، لا الحكومة وحدها.&

ويساهم غموض الدستور البريطاني غير المكتوب في بلبلة احدثها القرار الذي يمكن أن يؤخر تنفيذ عملية الخروج بضعة اسابيع، لكنه لا يهددها. وإذا رفض القضاء اعتراض الحكومة على قرار المحكمة في ديسمبر، سيتعين عليها أن تطلب موافقة البرلمان قبل تفعيل المادة 50 من معاهدة الاتحاد الاوروبي الخاصة بإنهاء العضوية. ونظريًا، يستطيع نواب البرلمان أن يصوتوا ضد تفعيل هذه المادة، لكنهم لن يفعلوا ذلك لأنهم لا يريدون أن يتجاهلوا نتيجة الاستفتاء الذي أسفر عن تأييد الخروج على الرغم من أن أغلبيتهم تريد البقاء.&

يؤكد دوره

لكن قرار القضاة يمنح البرلمان فرصة تأكيد دوره الذي همشته الحكومة في مفاوضات بريكسيت. ففك ارتباط بريطانيا بالاتحاد الاوروبي عملية تستغرق سنوات وتتضمن مئات الخيارات الصعبة، وتفاصيل هذا الطلاق يجب أن يتفق عليها ممثلو الشعب البريطاني المنتخبون علنًا لا أن تقررها رئيسة الوزراء غير المنتخبة وحدها.&

وإذا كانت نتيجة الاستفتاء حسمت المناظرة بين الخروج والبقاء، فإنها أثارت اسئلة كثيرة: بقاء في السوق الاوروبية الموحدة أو خروج منها؟ بقاء في الاتحاد الجمركي الاوروبي أو الخروج منه؟ ما شكل الحدود مع الجمهورية الايرلندية؟ إلى عدد لا يحصى من القضايا الأخرى، من حماية براءات الاختراع إلى استكشاف الفضاء.&

نتيجة الاستفتاء وحدها لا تساعد في حل أي من هذه المسائل، ولا الوعود التي اطلقها مؤيدو بريكسيت كإحتفاظ بريطانيا بامتيازاتها التجارية مع أوروبا، وفي الوقت نفسه إنهاء حرية حركة الأفراد. فبريطانيا لا يمكن أن تنتقي الأولى وترفض الثانية.&&

إلى أين؟

يُفترض بأن تقدم رئيسة الوزراء تيريزا ماي إجابات عن هذه المسائل. لكنّ البريطانيين ما زالوا يجهلون إلى أين تقودهم ماي. فهي لم تنشر خطة ولا بيانًا يحدد الأهداف، وتشير تصريحاتها إلى انها اختارت التركيز على ضبط الهجرة حتى إذا كان هذا يعني الانسحاب من السوق الاوروبية الموحدة. ولا يُعرف إذا كان البريطانيون مع هذا الخيار. وبحسب مجلة إيكونومست، فإن استطلاعًا أخيرًا أظهر أن أغلبيتهم تفضل البقاء في السوق الاوروبية الموحدة على ضبط الهجرة.&

بصرف النظر عن نتائج الاستطلاعات، يجب إخضاع طريق بريكسيت لنقاش علني شفاف، والبرلمان هو المنبر المناسب لمثل هذا النقاش، لكن حكومة ماي رفضت اعطاء البرلمان كلمة في رسم استراتيجيتها أو حتى ممارسة دوره الرقابي عليها. ويرى محللون أن احد اسباب هذه المقاومة هو الخوف من حدوث تمرد. فمؤيدو بريكسيت يرون مؤامرات في كل مفصل من مفاصل الدولة، من بنك انكلترا الذي حاولوا تقييد يده إلى المحكمة العليا التي وصفوا قضاتها بأنهم "اعداء الشعب".& وعلى هؤلاء أن يتخلوا عن الفكرة القائلة انه حتى مناقشة الطرق الممكنة لتنفيذ عملية بريكسيت تطعن في نتيجة الاستفتاء. فالاستفتاء لم يضع خطة محددة وجميع الخيارات مطروحة للنقاش.&

البرلمان هو المنبر

السبب الآخر الذي تقدمه الحكومة لتبرير تكتمها هو أنها لا تريد أن تكشف أوراقها في المفاوضات، لكن التفاوض في شأن بريكسيت ليس كمن يبيع سيارة مستعملة لا يريد أن تُعرف مواطن الخلل فيها. ويجب أن يجري إنهاء اتحاد سياسي واقتصادي عمره 40 عامًا مع اوروبا القارية والمفاوضات التجارية التي ستعقبه بصورة علنية.

في اميركا، يطالب الكونغرس بعرض مفصل لخطة الرئيس قبل أن يسمح له بالتفاوض لعقد اتفاقيات تجارية يتعهد بعدم تعديلها لاحقًا. وللمفوضية الاوروبية في بروكسل صيت ذائع بتسريب ما يدور في غرفها. يضاف إلى ذلك أن المفاوضات لا تعتمد على مواقف احتياطية سرية يمكن الانكفاء اليها عند الحاجة، بل هي عملية تدريجية هدفها التوصل إلى حل توافقي.&

بريطانيا لم تصوت لصالح استعادة السيطرة على مقدراتها من اوروبا لكي تسلمها إلى رئيسة وزراء لا تمثل ارادة الشعب بتفويض انتخابي بل باجتهاد شخصي. والبرلمان هو المنبر الذي تُحسم فيه التفاصيل المعقدة لعملية بريكسيت، ومن ينكرون على البريطانيين هذا الحق هم اعداء الشعب.&

&

أعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف نقلاً عن « ايكونوميست ». المادة الأصلية منشورة على الرابط التالي :&

http://www.economist.com/news/leaders/21709952-voting-was-just-start-long-process-determine-what-brexit-means-job