بوتين

المتنافسان بوتين واردوغان

المنظر خارج مقر السفارة الروسية في العاصمة التركية انقرة. 4 نسوة روسيات يحملن بأيديهن زهورا حمراء يقتربن من رجال الشرطة المسلحين الذين يحرسون الطوق الامني المقام حول مبنى السفارة. كانت النسوة مصممات على وضع زهورهن تذكارا خارج المبنى.

كانت النسوة الروسيات الاربع يعرفن السفير القتيل اندريه كارلوف حق المعرفة، وكن يحاولن اخفاء مشاعرهن بصعوبة.

قالت احداهن، لاريسا لوتكوفا توركان التي تعمل في جمعية ثقافية روسية في انقرة، "كانت فاجعة كبرى بالنسبة لنا جميعا، لكل الشعب الروسي، فقد كان انسانا جيدا ودبلوماسيا فذا."

سألتها إن كانت تتفهم الغضب الذي يشعر به بعض الاتراك ازاء الحكومة الروسية.

سكتت لبرهة، ثم قالت "اعتقد اني اتفهمه، ولكن من الصعب علي ان اتكلم الآن."

مارينا

ارملة السفير القتيل مارينا تبكي زوجها في انقرة قبل نقل جثمانه الى روسيا

مما لاشك فيه ان اغتيال كارلوف، ذلك الدبلوماسي المخضرم الذي يصفه زملاؤه بأنه كان هادئا ودبلوماسيا محترفا، سبب خضة في تركيا وروسيا على حد سواء.

ولكن اغتياله لم يؤد الى نشوب ازمة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين كما كان يخشى البعض.

بل بالعكس، استخدم الرئيسان التركي رجب طيب اردوغان والروسي فلاديمير بوتين الخطاب ذاته، فقد وصفا عملية الاغتيال بأنها "استفزاز" يستهدف تقويض العلاقات بين البلدين وأكدا ان هذا المسعى لن ينجح ابدا في نيل مبتغاه.

وفي الحقيقة، قد يؤدي حادث الاغتيال الى توحيد تركيا وروسيا ضد عدوهما المشترك - الارهاب - ويشجع على اقامة تعاون اوثق بين بلدين اتسمت العلاقات بينهما دائما بالتعقيد.

جيرة مضطربة

لقد حارب البلدان احدهما الآخر عبر قرون اربعة. والآن، وقد مضت مئة سنة على آخر حرب بينهما، تواصلت الخلافات إذ تخندقت كل من انقرة وموسكو في معسكرين متضادين في سوريا.

فبينما ساند الاتراك المعارضين الذين يحاربون الرئيس السوري بشار الاسد وحكومته، كان للتدخل العسكري الروسي الى جانب الاسد دور حاسم في مساندة حكومته. وكانت الخصومة التركية الروسية وصلت ذروتها في العام الماضي، عندما اسقط الطيران الحربي التركي مقاتلة روسية عند الحدود التركية السورية.

إذ ذاك، وصف الرئيس بوتين اسقاط الطائرة بأنه عبارة عن "طعنة في الظهر نفذها متواطئ مع الارهاب." وقالت موسكو إن اسرة الرئيس اردوغان اغتنت بالاستفادة من عمليات تهريب النفط التي يقوم بها تنظيم "الدولة الاسلامية."

مقاتلة

نفت موسكو ان تكون المقاتلة الروسية قد انتهكت الاجواء التركية

ادى حادث اسقاط الطائرة الروسية الى احتمال حقيقي بوقوع مواجهة عسكرية بين الطرفين، واستمرت المشاعر بالغليان الى ان بعث الرئيس اردوغان برسالة اعتذار الى نظيره الروسي كان الدافع من ورائها جزئيا على الاقل الرغبة في اعادة السائحين الروس الى شواطئ تركيا الدافئة التي هجروها بأمر من حكومتهم.

والآن كذلك، تقف سوريا وراء التقارب الحاصل حاليا. فبفضل انهيار نفوذ الغرب في الحرب السورية، تخلت الدول الغربية عمليا عن المنطقة تاركة انقرة وموسكو وآخرين احرارا لتحقيق اهدافهم فيها.

اما هذه الاهداف فهي بالنسبة لتركيا دحر تنظيم الدولة الاسلامية والمتمردين الاكراد اضافة الى تعزيز النفوذ التركي في شمالي سوريا، اما بالنسبة لروسيا فهي اعادة مدينة حلب الى سيطرة الحكومة السورية وتأمين مستقبل هذه الحكومة مع كل ما يعني ذلك بالنسبة لدورها ونفوذها القوي في سوريا. وبينما ينفي المسؤولون الاتراك وجود صفقة بهذا المفهوم بين موسكو وانقرة، تشير التكهنات الى وجود تفاهم كهذا لاسباب ليس اقلها صمت تركيا ازاء القصف الروسي لحلب.

ولذا لا يرغب اي من الرئيسين بوتين واردوغان ان يؤدي اغتيال السفير كارلوف الى تقويض التقارب بين بلديهما.

"لا تنسوا حلب"

اما مكمن الخطر بالنسبة للرئيس اردوغان فهو ان بعض الاتراك لا يؤيدون تقارب بلدهم مع روسيا، وهو موقف تجلى اثناء عملية اغتيال السفير عندما هتف القاتل "لا تنسوا سوريا، لا تنسوا حلب - فطالما هم (السوريون) محرومون من الامان لن تذوقوا انتم الامان."

يقول سنان اولغين، المحلل السياسي لدى معهد EDAM للدراسات، إن "تركيا كانت في طليعة الذين تصدوا للنظام السوري، وكانت الحكومة التركية تستخدم خطابا ملتهبا للتعبير عن موقفها، مما جعل الكثيرين من الاتراك يعون بقوة المأساة المعتملة في سوريا."

ومضى للقول "ولكن بابتعاد تركيا عن سياستها المتشددة ازاء سوريا وتبنيها موقفا اكثر واقعية ودخولها في تفاهمات مع روسيا وايران، يسبب ذلك ردود فعل سلبية من جانب اولئك الذين يتعاطفون بقوة مع معاناة السوريين."

كارلوف

كان السفير كارلوف يزور معرضا للصور الفوتوغرافية عندما اغتيل

اما كيف يمكن لعملية الاغتيال ان تؤثر على العلاقات التركية الروسية فسيقرره جزئيا على الاقل التحقيق المشترك الجاري حاليا.

فاذا توصل التحقيق الى وجود ارتباط بين القاتل والمعارضة السورية، فقد يوقظ ذلك التوترات بين البلدين حول سوريا.

يقول سنان اولغين بهذا الصدد "في هذه الحالة، ستتوقع روسيا من تركيا ان تفعل المزيد فيما يتعلق بوقف الدعم الذي تقدمه للمعارضة السورية. سيتوقع المواطنون الروس والاتراك ان تتحلى الحكومة التركية بالمزيد من الانضباط فيما يخص التصدي لتسلل هذه الجماعات(المعارضة السورية).

اذا هناك جبهة موحدة - ولكنها هشة - بين موسكو وانقرة، في الوقت الراهن على الاقل.

اما العامل الاساسي الذي يشجع على استمرار التقارب بين البلدين وازدهاره فيتلخص في ان الرئيسين اردوغان وبوتين يفتقران الى الكثير من الاصدقاء على المسرح الدولي حاليا، ولذا فهما يحتاجان احدهما للآخر.