يرى المعارض السوري عمار عبد الحميد أن ما يجري اليوم في سوريا محاصصة مناطقية دولية، أو تقسيم ليّن، معلقًا الأمل على تسوية تخرج من مفاوضات جنيف-3.


بهية مارديني: اعتبر المعارض السوري عمار عبد الحميد أن العودة إلى الوراء مستحيلة، "فبشار الأسد لن يستمر إلى الأبد، بل تحول منذ بداية الثورة إلى جثة متحركة، زومبي، وسيتخلص منه حلفاؤه عاجلًا أم آجلًا، لكن المشكلة التي تواجهنا لا تتلخص بالأسد ومصيره، فالقضية مصير وطن بل مصير منطقة واسعة من العالم بكل ما تحويه من شعوب، فقد تتغير الحدود وتتكاثر الدول في قادم السنين، لكن، لا مناص من إيجاد صيغة للتعايش، مؤكدًا أن ما يجري في سوريا عملية محاصصة مناطقية في هذه المرحلة، أو تقسيم ليّن، أكثر منها عملية استنزاف للروس أو الإيرانيين، وما يزال المجال مفتوحًا أمام تركيا وإيران والسعودية لقلب بعض هذه الحسابات، أو لتغييرها جذريًا، ما لم يتم تحقيق تقدم حقيقي من خلال المفاوضات المزمعة في جنيف.

وعبد الحميد معارض سوري معروف منذ ما قبل الثورة، يعيش في الولايات المتحدة الاميركية، ويرئس "مؤسسة ثروة"، وهو من ضمن المعارضين الذين ظهروا على الاعلام في بداية الثورة وشاركوا في بعض المؤتمرات ثم باتوا مقلين في ظهورهم الاعلامي.
&
التفاعل الأميركي الروسي

قال عبد الحميد لـ"إيلاف": "في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى تأمين المناطق الساحلية وبعض المناطق المحيطة بها، تنشغل إدارة أوباما ببسط نفوذها بشكل هادئ وتدريجي في الحسكة والقامشلي، فيما يستمر الحوار حول مصير حلب، وتتم محاولة تهدئة الأوضاع في دمشق".

وعن رأيه في الموقفين الأميركي والروسي والتكامل بينهما، قال المعارض السوري: "مر التفاعل الأميركي-الروسي مع الثورة السورية منذ اندلاعها في مرحلتين رئيستين: في البداية، رفض الروسي تمامًا أي تدخل خارجي في سوريا، ومعنى ذلك رفض أي تدخل أميركي-غربي خصوصًا عندما لا يحظى هذا التدخل بتأييد مجلس الأمن، وبدا واضحًا في هذه المرحلة أن الموقف الروسي المتعنت ناتج من إسقاط نظام القذافي في ليبيا، ما شكّل تجاوزًا واضحًا لمحتوى قرار مجلس الأمن 1973 الذي سمح بإقامة منطقة حظر طيران في ليبيا لمنع سقوط مدينة بنغازي في القبضة القذافية من جديد، وما قد يتبع ذلك من مجازر".

أضاف: "وفي المرحلة الثانية، تطور هذا التفاعل لينتج مسارات متوازية عدة، سمح بعضها بالتعاون بين الطرفين بخصوص قضايا معينة، مثل قضية الأسلحة الكيماوية وضرورة احتوائها، وقضية مكافحة انتشار داعش والنصرة وغيرهما من الحركات الإسلامية المتشددة، فيما استمرت المواجهة - وبالتالي الحوار - بخصوص مجموعة من القضايا الأخرى، منها مصير الأسد ومصير دمشق ومؤسسات الدولة".
&
محاصصة مناطقية

رأى عبد الحميد أن هناك ارتباطًا واضحًا بين مصير الأسد ومصير دمشق، "فقد نجح الروس والإيرانيون أخيرًا في استغلال إصرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على تحجيم البعد العسكري في تعاملها مع الملف السوري وغيره من الملفات، فأقنعوا الإدارة الأميركية بضرورة بقاء الأسد ريثما يتم الاتفاق على تفاصيل المرحلة الانتقالية، بما في ذلك كيفية إدارة الدولة وطبيعة العلاقة بين المناطق والمكونات المختلفة. وفي الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى تأمين المناطق الساحلية وبعض المناطق المحيطة بها، تنشغل أميركا ببسط نفوذها بشكل هادئ وتدريجي في الحسكة والقامشلي، فيما يستمر حوارهما حول مصير حلب، وتتم محاولة تهدئة الأوضاع في دمشق".

ووصف عبد الحميد العملية بأنها "عملية محاصصة مناطقية في هذه المرحلة، أو تقسيم ليّن، أكثر منها عملية استنزاف للروس أو الإيرانيين، وما يزال المجال مفتوحًا أمام تركيا وإيران والسعودية لقلب بعض هذه الحسابات، أو لتغييرها جذريًا، ما لم يتم تحقيق تقدم حقيقي من خلال المفاوضات المزمعة في جنيف في العاشر من الجاري".
&
فرصة حقيقية

وحول توجه المعارضة السورية إلى المفاوضات في جنيف-3 ، أكد عبد الحميد أن العملية السياسية بشكل عام، ومفاوضات جنيف-3 بشكل خاص، فرصة كبيرة للمعارضة كي تتفاعل مع المجتمع الدولي وتكسب ثقته، وكي تستخدم التغطية الإعلامية المكثفة التي تحظى بها هذه العملية لكسب تعاطف أكبر في ما يتعلق بقضية المساعدات الإنسانية، وقضية اللاجئين، وقضية السجناء والمعتقلين، وضرورة عملية العدالة الانتقالية، علاوة على مشروعية الثورة السورية ككل".

قال: "في هذه المرحلة، هناك فرصة صغيرة لكن حقيقية للتوصل إلى اتفاق ناجع، بفضل النجاح النسبي لاتفاق وقف إطلاق النار، وعودة ظاهرة الاحتجاجات السلمية إلى الساحات، وجدية الحوار الأميركي-الروسي في هذه المرحلة، ورغبتهما المشتركة في وضع حد لهذا النزاع. على المعارضة أن تكرس كل جهودها في المرحلة القادمة لإنجاح جنيف".

وعن موقعه وسط هذا كله، قال: "لا أجد مساحة حقيقية لي للمشاركة الفاعلة في العملية السياسية المتعلقة بسوريا في هذه المرحلة، سوى عقد لقاءات من هذا النوع بين الحين والآخر ونشر المقالات، فأنا أنظر إلى القضية السورية كجزء من صيرورة إقليمية وعالمية أكبر، ينبغي على السوريين المشاركة فيها أينما كانوا وحلوا، لكنهم بالطبع ليسوا اللاعبين الوحيدين على الساحة. ستمتد هذه العملية عدة أجيال، ويعتمد نجاحنا على المساهمة الفاعلة والإيجابية فيها كسوريين بحسب قدرتنا على تحليل الأمور بشكل موضوعي، بعيدًا عن الأيديولوجيات ورومانسيات اللحظة. لقد زرعنا بذرة مهمة خلال الأعوام الخمسة الماضية، وعلينا أن نعتني بها ونحميها، ونوفر لها الظروف المناسبة للنمو. لكن موعد الحصاد لم يأت بعد".