تتسع احتجاجات الجامعات العراقية في ما أطلق عليها طلبتها "ثورة القمصان البيضاء" لإقالة وزير التعليم العالي حسين الشهرستاني وتحسين الواقع التعليمي في الجامعات، حيث امتدت الاحتجاجات على مدى الساعات الأخيرة إلى جامعات في الشمال والجنوب، إضافة إلى العاصمة، فيما بدأت تتلقى دعمًا من ناشطين ومفكرين وزعماء سياسيين.


&أسامة مهدي: يطالب الطلبة الجامعيون باقالة الشهرستاني واطلاق سراح اساتذة وطلاب معتقلين وصرف منحتهم المتأخرة لأشهر عدة وإيجاد حلول لأزمة البطالة التي يعانيها متخرجو الجامعات، اضافة الى تحسين الواقع التعليمي في الجامعات العراقية.

وانطلقت احتجاجات الطلبة في 25 من الشهر الماضي خلالِ زيارة وزير التعليم العالي والبحث العلمي حسين الشهرستاني إلى جامعة المثنى (280 كلم جنوب بغداد) لافتتاح عدد من الكليات فيها، لكن طلبتها فجروا غضبهم ضده، ما أدى إلى منعه من دخول الجامعة، ورشق موكبه بالحجارة احتجاجاً على تردي الواقع العلمي وعدم صرف المنح المالية للطلبة وعدم توفير المستلزمات الدراسية، الامر الذي زعم مسؤول في الوزارة اثر ذلك بأن الوزير قد تعرض الى محاولة اغتيال.&

واليوم تجددت التظاهرات في العديد من الجامعات، مجددة مطالبها، ورافعة شعارات "ثورة القميص الابيض".. و"نطالب بتغيير الوزير والتظاهرة لن تخمد الا بإقلاعه"، داعين ايضا الى اطلاق منحهم الدراسية. &

لحظات طرد وزير التعليم العالي حسين الشهرستاني من جامعة المثنى

الصدر يدعم الطلبة للاستمرار في احتجاجاتهم
واليوم تلقى الطلبة دعما من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي قال ان الحكومة تحاول "ثني الطلبة المتظاهرين عبر الترهيب لمنعهم من الاصلاح".. داعيا الطلبة الى "الاستمرار&في شجاعتهم رغم الارهاب الممنهج من الحكومة".

وأشار الصدر في رد على سؤال وجّهته مجموعة من اتباعه حول اجراءات اتخذت ضد الطلبة المتظاهرين في الجامعات الى ان "كل هذا الترهيب لثنيكم عن التظاهر وعن عزمكم للتظاهر مع الاصلاح فاستمروا على شجاعتكم وثباتكم، وعلى الحكومة معاقبة ما يصدر من ارهاب ممنهج ضدكم". واضاف "لكن ارجو ان يكون ما تطلبون من اصلاح هو اصلاح جدي، ولا يكون بداية لتسافل السلك التعليمي من الناحية العلمية والاخلاقية".

وكان الصدر قد اعتبر في الاول من الشهر الحالي طرد طلبة جامعة المثنى للشهرستاني أمرًا مشرفًا.. واصفا قيام الوزير باعتبارها عملية اغتيال بأنه "الظلم بعد الفساد".. وطالب رئيس الوزراء حيدر العبادي بـ "معاقبته فوراً".

اعتقالات&
وقد دفعت حركة الطلبة ضد الوزير الى اعتقال الاستاذ الجامعي باسم السماوي على خلفية مشاركته في التظاهرة، وهذا بدوره دفع الطلبة إلى التهديد باعتصام مفتوح في حال عدم الإفراج عن السماوي، ثم صعدوا من مطالبتهم بإقالة رئيس الجامعة. لكن السلطات اضطرت الى اطلاقه اثر قيام الطلبة بغلق بوابة الجامعة بالإقفال، ومنعوا الدوام الرسمي فيها الى حين اطلاقه. & &

إثر ذلك كلف رئيس مجلس النواب سليم الجبوري لجنة التعليم النيابية بزيارة جامعة المثنى والوقوف على مطالب الطلبة والتظاهرات التي نظموها وتقديمها الى المجلس.

لكن الاحتجاجات توسعت بشكل سريع، ما دعا الطلبة الى اطلاق اسم "ثورة القمصان البيضاء" على احتجاجتهم، حيث نظم طلبة جامعة القادسية في جنوب البلاد تظاهرة كبيرة أمام مبنى رئاسة الجامعة للمطالبة باقالة الشهرستاني، ورئيس الجامعة.. ثم تبعتها جامعات الكوفة وبابل والبصرة وكربلاء وجامعتا بغداد والمستنصرية في العاصمة، اضافة الى جامعات القادسية في محافظة الديوانية والكوفة في محافظة النجف.. وجامعات القادسية وواسط وبتوسع الاحتجاجات، فقد توسعت المطالب الى إيقاف الإجراءات "التعسفية" التي تتخذ ضدهم لدى نشرهم آراء سياسية على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك".

تنسيق احتجاجي.. والتعليم العالي تبرر
وقد بدأ الطلبة ينسقون حراكهم في مختلف جامعات البلاد، مؤكدين ان احتجاجاتهم متواصلة ضد كل من تسبب بدمار التعليم الجامعي بحسب قولهم. من جهتها اشارت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الى أن غالبية مطالب الطلبة المتظاهرين في جامعة المثنى ترتبط بالأزمة المالية التي تشهدها البلاد وانها ليست طرفاً فيها.. مدعية أن هناك جهات "تدير صفحات وهمية في مواقع التواصل الاجتماعي تسعى إلى إرباك الوضع الأمني والاجتماعي في العراق".&

وقالت انها ستجري المعالجات اللازمة لحصول الطلبة على استحقاقاتهم في حال تقديم تلك المطالبات بصيغة واضحة المعالم بحسب قولها.
&
احتجاجات.. وفساد.. وقطع طرق
لكن تبرير الوزارة لم يثن الطلبة عن حراكهم، الذي تصاعد خلال الساعات الاخيرة بشكل لافت، حيث تظاهر طلبة جامعة كركوك الشمالية، داعين العبادي الى إقالة وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بعد التصرفات التي حصلت ضد طلاب جامعات الوسط والجنوب بمنعهم من دخول الحرم الجامعي.&

واستنكر الطلاب في بيان صدر بتوقيع اكثر من تسعة آلاف طالب "تعامل وزير التعليم العالي بطائفية مع الطلاب بتنفيذ اجندات حزبية والتغاضي عن الفساد المستشري في الوزارة ومؤسساتها وتبذير المال العام بصرفها على رشاوى المسؤولين".. فيما تظاهر في الوقت نفسه طلاب جامعات بغداد وبابل وواسط. &&

ثورة القمصان البيضاء تعبير عن التيار العام المحتقن
من جهته قال المفكر العراقي فخري كريم رئيس تحرير جريدة "المدى" الصادرة في بغداد اليوم انه يُخطئ من يعتبر دخول الطلبة في المحافظات المحتقنة على خط التظاهرات مجرد إضافة كمية تُعظُّم قوة المتظاهرين وتضاعف عديدهم، فالطلبة " تكوين" خاص متميز، رغم اختلاف أصولهم ومنحدراتهم الطبقية والاجتماعية، حيث كان لمثل هذا الانحياز الطلابي وتبلور مواقف هذا القطاع المجتمعي في مراحل الكفاح الوطني أهمية لا تقل عن استقطاب الحركة العمالية والفلاحية من وجهة نظر الأحزاب والقوى الوطنية تاريخياً. منوها بان طلبة الجامعات يتميزون عن أقرانهم بدورهم القيادي في حفز طلبة الثانويات والابتدائيات أيضاً في مراحل التأّزم السياسي وصعود الحركات المطلبية وارتقائها الى المطالبة بالتغيير السياسي.

واشار الى ان الجامعات العراقية تشهد منذ اسابيع مثل هذا التحول، الذي يعكس في جانبٍ منه رصيد التجربة التاريخية لنضالات الطلبة والأساليب التي اعتمدتها في التعبئة وتوسيع دائرة حراكها من جامعة الى أخرى ومن مدينة الى سواها ومن مطلبٍ محددٍ لإصلاح أحوالهم وظروفهم الدراسية الى بلورة برنامجٍ شاملٍ لإصلاحٍ التعليم الجامعي، وهو ما قد يتطور الى إصلاح التعليم في مراحله المختلفة.

واعتبر فخري كريم في الختام ان تظاهرات الطلبة موجّهة الى "من لا يتّعظ بدروس التاريخ وعبرها، فلا يجوز النظر اليها أو التعامل معها باعتبارها صرخة عابرة أو تنفيساً عن غضبٍ مكبوت، ولا حتى &تحذيراً او لفت إنتباه، إنما هي إنذارٌ بتحول في المزاج العام في المجتمع لم يعد مقتصرًا على مكونٍ او تيارٍ او شريحة تعبّر عن مطالب معزولة عن التيار العام المحتقن في المجتمع ومحاولة الإلتفاف عليها او إجهاضها قد تؤدي الى تداعياتٍ ينبغي تجنبها بالإحتكام للمطالب الجماهيرية الداعية إلى الاصلاح والعبور الى نظام المواطنة الحرة".