قبل عقد ونصف عقد، أطلق عثمان العمير مركبة إعلامية اسماها "إيلاف" لتحط فوق ارضية كوكب لم يكن مأهولاً، ولا يعرف احد غيرهطبيعة تضاريسه وتجاويفه. 

لم تكن عملية الإطلاق مخاطرة او مجازفة ، فالرائي المستقبلي، عثمان، عود أصدقاءه وزملاءه العديدين، ان يرنو دائما ببصره الى فضاءات ابعد وأرحب. يشرئب نحو مداها، مستكشفا ما يمور ويتفاعل فيها من موجات فكرية وثقافية ومبتكرات تكنولوجية يدفعه التوق المعرفي الغريزي الى البحث عن "موقع" قدم له فوق أمكنة غير مرتادة ، ليصبح جديرًا بنعت "الرائد" الذي لا يكذب اهله. 

صاحب وناشر "إيلاف" ليس اعلاميا عاديا. أقولها من دون مجاملة او تزلف. ولكي اطمئن من قد يتهمني بنفاق لا أتقن صناعته، فاني اصرح ان عثمان العمير، ليس مدبرا استثنائيا فقط بل هو أيضا إعلامي "صارم" لا يرحم من اختار متعة وشرف العمل معه رفيقا وزميلا يقاسمه مخاطر المهنة ونشوتها. 

لا يقبل العمير، على سبيل المثال، ان يكون صحافي تحت سلطته او إمرته بالمعنى التراتبي للعلاقات الإدارية. أشد ما يكره الرجل، المكوث طويلا في مكتب وعلى مقعد رئيس التحرير. إنه يصطفي ان جلس وارتاح مكانه في غرفة التحرير، ليشاهد على الطبيعة كيف يعمل الطاقم ويلاحق المستجدات. لا يمارس عليهم دور الرقيب وإنما يحفزهم ويشجعهم على اقتحام المسالك الوعرة. 

عثمان العمير، ليس متسامحا او رحيما في العمل، حتى لا أصفه بالمستبد العادل . أقولها صراحة وبحكم العلاقة والتجربة. لا يطلب من الصحافي عملا الا اذا كان متأكدا من مؤهلاته وقدرته على انجازه؛ وبالتالي فإنه يتجنب قدر الإمكان احراج المتكاسلين القانعين بالحد الأدنى؛ لا يتوقف عن البحث والتنقيب عن "المواهب"، وعن أجود العناصر، حيثما كانت، ليرعاها ويفتح أمامها الافاق. 

ومثلما ان الجندي ملزم بالعيش في حالة تأهب دائمة، كذلك ينبغي ان يكون الصحافي من وجهة نظر واعتقاد العمير: يقظًا، متابعًا، مستفسرًا عن المعلومة الصحيحة والمعطيات الدقيقة، مصغيًا لكل من يفيد من اي جهة او مصدر كان. 

لا يؤمن ناشر ومبدع "إيلاف" في العمل الصحفي بتقسيم الوقت الى ليل للنوم والراحة ونهار للعمل حسب الجهد والطاقة. فاذا كنت، أيها الصحافي رعاك الله، من هذا الطراز من الخلق، فلا تسع الى الاشتغال ضمن كتيبة "عثمان" الإعلامية. ستصطدم به حتما. لماذا ؟ لانه سيوقظك من النوم في أية ساعة، فهو لا ينظر الى ساعته، اذا علم بحدث، وهو في قارة اخرى، لا يهتم بالفرق في التوقيت بين موقع الصحافي ونقطة وجوده، حتى يراعي مواعيد الاستيقاظ والنوم. 

قم، تابع الحدث، اتصل بالمصادر، تحقق من الروايات، لا تنحز الى جهة حتى ولو تعلق الامر بقضية جنائية. هذه بعض كلماته ووصاياه لأي محرر. يردد باستمرار: القارئ متعطش الى الحقيقة قبل الإثارة. 

لا ينسى عثمان، ان ينصح اي محرر بتطريز مادته او تغطيته لظاهرة ما ، باللغة الواضحة السلسة والاسلوب الرشيق. وهو عندما يعثر على مادة مشوقة في "إيلاف" أو غيرها ، يرسل عبارات الثناء والاستحسان لمن أنجزها، وقد يبلغك التحية ولو بعد شهور، شخصيًا أو عبر مرسول. 

لم أتردد، حين دعاني ذات يوم، الى اللحاق بمركبة "إيلاف" الفضائية على اعتبار انها دائمة التحليق، ترصد عن بعد وقرب، الاجرام ومجرات الحوادث وتوالي الليل والنهار وما يحفلان به. ذلك دأبه الان في "إيلاف" وقبلها في "الشرق الأوسط" حيث وجدت نظامًا صارمًا، لا يتساهل مع اي تقصير مهني، لنتذكر انه صاحب الشعار الذي زين واجهة جريدة العرب الدولية لما وسمها بـ"الصحيفة التي لا تتثاءب"، لان التثاؤب في زمن المنافسة والسبق يعنى "الموت". 

فاعلم ايها الصحافي الراغب، انك اذا رضيت بالعمل ضمن مجموعة عثمان العمير، فإنه ليس مسموحا لك ان تتثاءب أو ان تغط في نوم عميق، قبل الانتهاء مما هو موكول إليك ومطلوب منك بإتقان، بعد ذلك، يحق لك الاستمتاع بالراحة والعطلة وتلقي الإطراء والثناء. 

لا تنس ايضا، ان الصحافة الجديرة بالبقاء، ليست تلك التي يملك فيها رئيس التحرير السوط لترهيب المحررين، وإنما القدوة ومن يزرع فيهم روح الفضول والتحري والسبق والاستباق.

كيف ستكون "إيلاف" ولها راع يصونها من الشطط والغُلو والموالاة الزائفة، يتحلى دون ادعاء بالمواصفات والمناقب المهنية التي أتيت على بعضها؟ لنسترجع صورة المشهد الاعلام الالكتروني باللغة العربية قبل 15 عاما، اذ ذاك فقط سندرك حجم الصرخ الذي شيده "العمير" واستثمر فيه رأسماله الرمزي والمادي. 

أتصور "إيلاف" وهي في حللها البهية، شجرة إعلامية باسقة سامقة يانعة ذات فروع وأغصان، مشدودة بجذور الى تربة الواقع، ترتوي من المصداقية والموضوعية ، من دون محاباة او لغو وغلو. 

فتحية للعاملين فيها والمتصفحين لها، وأيضا الناقدين لها العاتبين عليها من موقع الغيرة وليس الضغينة .. كل هؤلاء يشكلون جزءًا من وقودها وطاقتها وقدرتها على السمو والارتقاء دائما نحو الأعالي. 

*كاتب صحافي من المغرب