إيلاف من الرياض: أنتج مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي فيلمًا وثائقيا قصيرًا بعنوان "رحلة إلى الرياض" عن رحلة المبعوث البريطاني لويس بيلي إلى الرياض، ولقائه الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله في عام 1865.

استند هذا الفيلم الوثائقي، وطوله 19 دقيقة، إلى تقرير الكولونيل لويس بيلي الطويل إلى التاج البريطاني، يروي فيه تفصيلات زيارته إلى الرياض واجتماعه بالإمام فيصل بن تركي - يلقبه بيلي أحيانًا بالأمير - مرتين والنقاش الذي دار بينهما، مع توصيف دقيق لشخصية الإمام وصفاته الجسمانية وشمائله.


&
تفصيلات الرواية

في الرواية التاريخية، كانت بريطانيا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر في حاجة إلى التواصل مع الإمام فيصل بن تركي الذي كان وقتها أكبر حاكم في الجزيرة العربية. وكانت الأوضاع السائدة في جنوب شرق الجزيرة العربية، وتدمير الأساطيل في الخليج، والقضاء على الممالك العربية في شرق أفريقيا، والتوتر مع سلطان عمان، من أهم الأسباب التي دفعت البريطانيين إلى التواصل مع الرياض. إضافة إلى أن القلق البريطاني من تنامي نفوذ الفرنسيين، والتقارير التي تؤكد أنهم كانوا يسعون إلى التواصل مع السعوديين، عاملان عجّلا&في حصول هذا اللقاء.

رشّح الكولونيل لويس بيلي نفسه لمهمة الاجتماع بالأمير فيصل بن تركي في الرياض. وفي ديسمبر 1864، بدأ بيلي يرتب لهذه المبادرة بعد نيله موافقة حكومته. وانتظر في الكويت أسابيع ريثما يأتيه قبول الإمام باستقباله. واصطحب معه ضابطًا بريطانيا عالمًا بالمساحة وآخر بالنباتات، ومترجمًا عراقيا مسيحيًا من الموصل قدم نفسه على أنه مسلم.

هدفت هذه الزيارة إلى الحصول على معلومات عن وسط الجزيرة العربية ومنطقة العارض، وبناء علاقات ودية بين السعوديين والحكومة البريطانية. أراد بيلي أن يكون أول من يثبت قدرة الإنكليزي على السفر من دون التعرض للأذى في نجد. وهو ثاني رحّالة بريطاني يصل الرياض، لكنه أول من قابل الإمام فيصل بن تركي.



&&

كفيفًا في ثمانينياته

تناول الوثائقي شكوى الإمام فيصل من قلة الموارد المائية في مناطق حكمه، ما يحول دون استقرار أغلبية رعاياه من البدو الرحل، مشيرًا إلى رغبته في التوسع شمالًا وشرقًا، علمًا أن الإمام فيصل كان كفيفًا في ثمانينياته حين قابله المبعوث البريطاني. وتوفي الإمام بعد هذا اللقاء بأشهر قليلة.

وفي أكثر المشاهد تأثيرًا، يشرح الإمام فيصل بن تركي للكولونيل البريطاني سياسته في الحكم وجمعه الشدة والحزم، وإصراره على الدفاع عن أرضه ضد الأتراك وغيرهم مهما كلفه الأمر.

ويقدم الوثائقي وصفًا للقصر ومجلس الأمير المتواضع، وشكاوى بيلي المتكررة من "محبوب" مرافق الامام وشخصيته المتقلبة، إذ عانى بيلي الرقابة اللصيقة التي فرضت حوله.

قام بدور الأمير فيصل بن تركي الممثل السعودي مشعل المطيري، وبدور لويس بيلي الممثل السوري أدهم منذر، وبدور محبوب الممثل محمد القس


وقائع تحت الضوء

عن وثائقي "رحلة إلى الرياض"، قال منصور النقيدان، المدير العام ورئيس التحرير في مركز المسبار، إنه ضمن سلسلة الأفلام القصيرة الوثائقية التي ينوي المركز إصدارها في الفترة المقبلة، "والتي تسلط الضوء على وقائع وحوادث وتحولات سياسية واجتماعية ودينية في تاريخ الدولة السعودية منذ القرن الثامن عشر إلى عصرنا الحالي، وعلى نقاط يغفل عنها الكتاب أو الباحثون بينما يعرفها المؤرخون والباحثون في تاريخ وسط الجزيرة العربية تساعد على فهم أسباب بعض الظواهر الدينية والسياسية، وعلى التحولات السياسية في تلك الفترة، وقناعة البريطانيين بأن السعوديين هم الأقدر على فرض الاستقرار في المنطقة في فترة اتسمت بالاضطرابات".

أضاف: "تضمن الوثائقي إشارة إلى بعض السلوكيات الاجتماعية لأفراد المجتمع النجدي في ذروة رسوخ الطواعة التي نتجت من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب واعتناقها وفرضها سياسيًا، مثل صدق الالتزام الديني والتوافق بين الظاهر والباطن، وهذا ما يمكن العمل عليه مستقبلًا في عمل آخر".