إيلاف من برلين: تنتمي"الذبابة المنيرة" (Chrysopidae) إلى عائلة الحشرات الشبكية التي تضم نحو 2000 نوع ينتشر منها نحو 70 نوعاً في وسط أوروبا. ويبلغ طول الذبابة الأوروبية منها، وتسمى"العين الذهبية أيضاً، نحو3-6 مليمترات، لكنه يرتفع إلى 56 ملم في الأنواع الاستوائية منها. وسميت بالشبكية لأنه ذات اجنحة رقيقة تشبه شبكات العنكبوت في تركيبتها.

تنتج الذابة المنيرة نوعاً من الحرير المكون من بروتين طبيعي الشديد المتانة من نوع بيوتينت". وتنسج الحشرة خيوط البيوتينت بسمك لا يزيد على&15 ميكروميترا (الميكروميتر جزء من مليون جزء من المتر)، لكنه من المتانة بحيث انه يحمل بيوضها على وجوه أوراق الاشجار. وتفعل الحشرة ذلك بمثابة اجراء وقائي ضد الحشرات الأخرى والطيور التي قد تفترس البيوض والأوراق.

وعادة تنتج"الذبابة المنيرة" هذا البروتين الطبيعي بشكل سائل كثيف يلصق البيوض على الوجه العلوي لاوراق الاشجار، لكنه سرعان ما يتصلب ويحمل البيوض كما المصابيح على الأعمدة الكهربائية بعيداً عن الحشرات الزاحفة. ويطلق العلماء على هذه الأعمدة اسم "أعمدة البيوض"، وهي سر بقاء واستمرار الذبابة المنيرة.

وقد جلب هذا البروتين (بيوتينت) انتباه الباحثين من معهد فراونهوفر الألماني لأبحاث البوليمر التطبيقي بسبب خفة وزنه ومتانته العالية في آن واحد. وقد كانت المشكلة هي إنتاج هذه المادة بكميات تجارية من حشرات بالغة الصغر، لكن العلماء الألمان تجاوزوا هذه العقبة عن طريق تقنية جديدة "بيوتقنية" ستؤهلهم لإنتاج البيوتنت بميات صناعية ستدخل الصناعة من أوسع أبوابها.

بكتيريا تنتج البيوتينت

وذكر الباحث مارتن شميدت، من معهد فراونهوفر في بوتسدام، ان"حرير" الذبابة المنيرة يتميز بخفة الوزن والمتانة والمرونة، وهو ما يجعله مستقبلاً مادة مهمة في الصناعة التي تحتاج إلى هذه المواصفات. وهذا ينطبق على صناعة السيارات والطائرات والمواد والأجهزة الطبية والأطراف الاصطناعية وغيرها.

وأشار شميدت إلى نجاح فريق عمل مشترك، مع جامعة بايرويت لألمانية، في إنتاج البيوتينت بكميات كبيرة وبدرجة عالية من النقاوة. ويعود الفضل في تطوير تقنية إنتاج هذا الحرير الطبيعي إلى البروفيسور توماس شايبل رئيس قسم المواد البيولوجية في جامعة بايروت، الذي نجح في تكثير نوع من البكتيريا القادرة على إنتاج البيوتينت بكميات كبيرة.

ويعمل معهد فراونهوفر مع شركة"المزيك" لإنتاج المواد الطبيعية من البوليمرات على تطوير طريقة انتاج حرير الذبابة المنيرة من البكتيريا بشكل سائل. وطبيعي لن تتمكن الطريقة من بلوغ مرحلة إنتاج السوق ما لم تتمكن من إنتاج حرير الذبابة المنيرة بكلفة واطئة. ويستخدم الطرفان طريقة بيوتقنية سبق للبروفيسور توماس شايبل ان استخدمها في إنتاج خيوط عنكبوت متينة في المختبر باستخدام البكتيريا أيضاً.

وأكد مارتن شميد ان المادة الصناعية الجديدة صالحة لكل لإنتاج كل الاشياء التي تتطلب المتانة وخفة الوزن، ويشمل ذلك صناعة الفضاء(المركبات الفضائية) والطائرات ومواد البناء والاثاث...إلخ.

حديد بيولوجي

ويتحدث العلماء الألمان الآن عن قرب البدء بانتاج خيوط عنكبوت تتمتع بمتانة تتفوق على الحديد. وويعود الفضل في ذلك، كما ذكرنا، إلى البروفيسور توماس شايبل.

وكان شايبل، الذي ينهمك في الدراسات حول خيوط العنكبوت منذ 2001، تحدث عنفرصة سانحة، لأول مرة، لأنتاج خيوط عنكبوت استثنائية في قوتها وبكميات قابلة للتسويق.&

وحسب تقدير شايبل، فإنه من الممكن استخدام هذه الخيوط القوية في الصناعتين المدنية والعسكرية. فهناك امكانية لصناعة خيوط مناسبة للعمليات الجراحية في الميدان الطبي، إضافة إلى انتاج أعضاء اصطناعية يجري زرعها في جسم الإنسان، بالاستفادة من خاصية معينة في هذه الخيوط وهي ان جهاز المناعة في جسم الإنسان لا يرفضها بسهولة. ومن الممكن، في الميدان العسكري، صناعة سراويل عسكرية تقي الجنود من الألغام، و صناعة صدريات ضد الرصاص، أو انتاج شبكات لاصطياد الطوربيدات.

وواقع الحال أن شايبل تولى تطوير المادة البيولوجية تاركاً الانتاج إلى شركة"المزيك" البافارية، المتخصصة بإنتاج المواد البيولوجية الحديثة. واطلقت الشركة على خيوط العنكبوت الجديدة اسم"الحديد البيولوجي" تعبيراً عن قوته التي تقارن بصلابة الحديد. وبعد سنوات من العمل تم اختبار متانة الخيوط فاتضح انها تفوق متانة أسلاك الحديد بـ 25 مرة.

الجدير بالذكر ان شايبل وزميله البروفيسور اندرياس باوش، من معهد الأبحاث الحديثة، يبحثون على خيوط العنكبوت، وأسرار قوتها منذ عام 2008. وتوصل العلماء إلى كشف التركيبة البيولوجية للبروتينات الحيوانية التي تشكل قوام خيوط العنكبوت عام 2010، ثم كشفوا اسرار متانتها في العام 2011.