إيلاف من لندن: ملفات مهمة يبدو ستفتح واحداً واحداً على نحو سريع وغير مسبوق في الإدارات الأميركية السابقة "الجمهورية منها والديمقراطية"، ولعل ابرزها تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط، من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وصولاً إلى الأمن الإقليمي الشامل وتثبيت أسس العلاقات الاستراتيجية مع الحلفاء التقليديين إن لم يكن دفعها بجرعة أكثر ثباتاً واستمراراً.&

وما بين حملته الانتخابية الرئاسية الساخنة، وإعلان فوزه ليكون الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، فإن التعهدات والوعود التي أطلقها دونالد ترامب عن قضايا عالمية مهمة طرأ عليها بعد التعديلات أو "التطويرات والتحويرات" للتناسق مع معطيات التطبيق والتنفيذ خدمة للمصالح القومية للولايات المتحدة بالدرجة الأولى تنفيذاً لشعار "أميركا أولاً" كزعيمة للعالم.&

اهتمام غير مسبوق

اللافت في شكل مثير، هو أن الرئيس الأميركي أعطى ملف الشرق الأوسط اهتماماً لم يصدر عن أي من أسلافه عبر سنوات الصراع العربي ـ الإسرائيلي ومسار مفاوضات السلام التي تراوح مكانها منذ ولاية الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون.&

وفي خطواته العملية تنفيذاً لتعهداته في الملفات الشرق أوسطية، كان ترامب كما سرّبت مصادر وثيقة الصلة بفريقه السياسي على اتصال مستمر مع قيادات يثق بقدرتها وعمق فهمها لواقع الحال عبر تجربة العقود الطويلة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ومعها المنظومة الخليجية ومصر والأردن والمغرب، وعلى الطرف الاخر بالطبع إسرائيل سواء بسواء.&

تفاهم تاريخي&

وخلال تلك الاتصالات اتضح التأكيد على تلاقي مصالح الولايات المتحدة ومحاولات استعادة دورها في العالم في عهد الإدارة الجديدة، ومصالح تلك الدول الإقليمية الحليفة، من خلال "تفاهم تاريخي" على حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي بما يكفل الحقوق الوطنية المشروعة الفلسطينية وأمن إسرائيل.

دور الصهر

لقد بادر الرئيس الأميركي الجديد وللتعبير عن نهج عملي وواقعي في التعاطي مع الملف الشرق أوسطي، إلى أخذ زمام المبادرة بيده ووضع هذا الملف بيد البيت الأبيض من خلال الممثل الشخصي للرئيس ترامب وزوج ابنته جاريد كوشنر وثيق الصلة بداهية السياسة الأميركية هنري كيشنجر.

وكان ترامب عين كوشنر وسيطا للتوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط، مؤكدا أنه " سيساهم كثيرا في تسوية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين لأنه يعرف المنطقة جيداً".

ويبلغ جاريد كوشنر من العمر 35 عاما، وهو من عائلة يهودية ثرية، وكان يعمل في مجال الإستثمار والتطوير العقاري قبل أن يستقيل لينتقل إلى منصبه الجديد في الإدارة الأميركية الجديدة.

استثناء عباس

على أنه يلاحظ من جانب آخر، أن أي اتصالات وشيكة محتملة في مرحلة قريبة مع الأطراف الفاعلة في الصراع قد تستثني الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو أنها ستتجاوزه، وكانت مجلة (فورين افيرز) الأميركية من جانبها توقعت أن الأشهر القادمة ستجلب المزيد من التحديات الجديدة من الخارج إلى الرئيس عباس، وذلك بالإضافة إلى المشاكل والأزمات التي يعانيها وتعانيها السلطة الفلسطينية على المستوى الداخلي.

وهنا أشارت مصادر قريبة من فريق ترامب إلى أن عباس حاول جاهدا الاتصال بالرئيس الأميركي أو أي أحد من فريقه لكن هذه المحاولات "باءت بالفشل" ولم يرد ترامب على أي اتصال.

كما أن الرئيس الأميركي تجاهل رسالة التهنئة التي بعث بها رئيس السلطة الفلسطينية ولم يرد عليها، كما فعل مع الزعماء الذين أرسلوا له البرقيات.

على أن عباس، من ناحيته سرّب معلومات بأنه تمكّن من فتح قناة اتصال مع صهر الرئيس الأميركي، من خلال رجل أعمال فلسطيني اميركي على علاقة بشريك تجاري لجاريد كوشنر.&

رجل الصفقات

كما أن ترامب وضع أيضاً الملف ذاته مع ملفات إقليمية دولية أخرى مهمة بيد "رجل الصفقات" الشهير ريكس تيلرسون الذي برّر الرئيس الأميركي ترشيحه لمنصب وزير الخارجية "لاستعادة مصداقية العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، وتعزيز الأمن القومي لبلادنا".

ومعروف أن رجل النفط الشهير رئيس شركة (اكسون موبيل النفطية)، على علاقة ممتازة مع جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق في عهد الرئيس الجمهوري الأسبق جورج دبليو بوش، فضلا عن علاقاته مع كيسنجر.&

وقال مسؤول في فريق ترامب إنه اختار تيلرسون (64 عاما) بعد أن دعمه عدد من الجمهوريين وبينهم وزيرا الخارجية السابقان جيمس بيكر وكوندوليزا رايس، ووزير الدفاع السابق روبرت غيتس.

صلابة وخبرة

وكان ترامب قال في بيان أصدره فريقه الانتقالي عن تيلرسون "إن صلابته وخبرته الواسعة وإلمامه بالأمور الجيوسياسية تجعله خيارا ممتازا لمنصب وزير الخارجية، سيروّج (تيلرسون) للاستقرار الإقليمي ويركز على المصالح الأساسية للأمن القومي للولايات المتحدة".

وأثنى ترامب على تيلرسون في بيان، قال فيه إنه واحد من أبرع مبرمي الصفقات في العالم، وإنه سيساعد في تغيير مسار سنوات من السياسة الخارجية الخاطئة، والأفعال التي أضعفت أميركا. وقال الرئيس الأميركي إن "المسار الوظيفي لريكس تيلرسون يجسد الحلم الأميركي".

وأضاف أن "صلابته، وخبرته الواسعة، وإلمامه بالأمور الجيوسياسية، تجعله خيارا ممتازا لمنصب وزير الخارجية. وسيروج (تيلرسون) للاستقرار الإقليمي ويركز على المصالح الأساسية للأمن القومي للولايات المتحدة".

علاقات واشنطن ـ القاهرة&

وإلى ذلك، فإن تطوير العلاقات المصرية ـ الأميركية التي شهدت انهيارًا في عهد ادارة أوباما ستكون من الملفات المهمة ذات الأولوية القصوى عند الإدارة الجديدة، وكان ترامب دشن لمرحلة استعادة العلاقات الى سابق عهدها خلال لقائه وهو يخوض معركته الانتخابية العام الماضي في نيويورك مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.&

واضح أن مسار العلاقات المصرية الأميركية يتطور بسرعة وواشنطن ترغب في دعم الموقف المصري من قضايا حساسة وكثيرة تتعلق بعلاقاتها الإقليمية والدولية وأمنها القومي المهدد من الإرهاب.&

أكثر وضوحا&

ولما للعلاقات المستقبلية وتشكيلها على أسس أكثر وضوحا بين مصر ومحيطها وخصوصا المملكة العربية السعودية وهي الشريك الاستراتيجي في الإقليم، فلا يستبعد أن تتدخل إدارة ترامب لغلق ملف جزيرتي تيران وصنافير بين القاهرة والرياض لما له من انعكاسات على العلاقات بينهما، وما يترتب على ذلك سلبياً في شؤون الإقليم كله وهو مقبل على ترتيبات جديدة.

ومنذ اعلان فوز ترامب، فإن الحكومة المصرية تترقب شكل العلاقات التي ستجمعها بالولايات المتحدة في عهده وحجم الدعم الذي ستقدمه إدارته لها، فالرئيس الأميركي الجديد تعهد خلال تواصله مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، دعم جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها القاهرة، في وقت تواجه فيه مصر تحديات صعبة في التعامل مع تهديدات إرهابية جدية على أكثر من جبهة، خاصة في سيناء.

وتكبد هذه التحديات مصر الكثير على صعيد الجهد العسكري والاقتصادي، ما يلقي بأعباء كبيرة على اقتصاد يعاني بالفعل منذ سنوات.

قدرات تسليحية

ويتطلع خبراء أن يسهم تعهد ترامب بالدعم الأميركي في تحسين القدرات التسليحية والتدريبية للقوات المصرية، بما يساعدها في حسم المواجهة مع التنظيمات الإرهابية.

وقد يكون التصدي للتهديدات الإرهابية على المستوى الداخلي في مصر أو على المستوى الإقليمي، أهم دوافع تقارب أميركي مصري محتمل في الفترة المقبلة، كما يرى مختصون.

أول مكالمة

كما أن مكالمة ترامب مع الرئيس السيسي، التي كانت أول مكالمة للرئيس الأميركي منذ دخوله البيت الأبيض لزعيم في الشرق الأوسط، مستقبلا يصفه الدبلوماسيون بالمبشر على صعيد العلاقات المصرية الأميركية.

وكشف ترامب خلال محادثته الهاتفية مع نظيره المصري، عن نية بلاده دعم خطة الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الحكومة المصرية، التي وصفها بالشجاعة.

ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسين هريدي، أنه "خلال الأسابيع القليلة المقبلة سيتم الإعلان عن قيام السيسي بزيارة رسمية إلى البيت الأبيض، وستكون مرحلة جديدة في تعامل الإدارة الأميركية مع ملفات منطقة الشرق الأوسط".

مع هذه التطورات التي تراها القاهرة إيجابية، تتطلع مصر ربما لخطوات أبعد في ما يتعلق بموقف الإدارة الأميركية الجديدة من جماعة (الإخوان)، التي تصنفها مصر جماعة إرهابية، فيما تعاملت معها إدارة أوباما السابقة من منظور مختلف كشريك سياسي يمكن التعامل معه.

موقف الرياض

وإذ ذاك، فإن الرياض هي الأخرى متفائلة إزاء تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سدة الرئاسة خلفا لأوباما الذي طالما توترت العلاقات مع إدارته حول ملفات اقليمية صعبة، وغداة فوز ترامب، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الاثنين إن المملكة العربية السعودية "متفائلة" معلنا أنه "يتشوق للعمل" مع الإدارة الأميركية الجديدة.

وكان الجبير خلال لقاء عقده في باريس مع عدد من الصحافيين غداة فوز ترامب: "عندما نشاهد الخطوط العريضة للإدارة الأميركية الجديدة" من الطبيعي القول إن "مصالحنا تتلاقى".

الدور الأميركي&

وأضاف الجبير أن السعودية تشيد بالرغبة المعلنة لإدارة ترامب "لاستعادة الدور الأميركي في العالم، والعمل على إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية داعش، واحتواء إيران ومنعها من الأذية عبر سياساتها السلبية في المنطقة، والعمل مع الحلفاء (حلفاء الولايات المتحدة) ودعمهم".

وأضاف الوزير السعودي "نحن متفائلون إزاء الإدارة الجديدة ونتشوق للعمل معها في المجالات حيث المصلحة مشتركة".

وأكد الجبير قوله " إن مصالحنا تلتقي أكان بالنسبة إلى سورية أو إيران أو العراق أو اليمن أو ليبيا، والإرهاب ومسائل الطاقة والقضايا المالية"، مضيفا "لدينا الأهداف نفسها، مع أنه يمكن ألا نكون متفقين حول كل السبل للوصول إليها".

وفي الأخير، أكد الجبير على "الروابط العميقة" التي تربط بين البلدين "منذ الحرب العالمية الثانية" في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والمالية.