برشلونة: أعلن برلمان كاتالونيا الجمعة ان الاقليم بات "دولة مستقلة تتخذ شكل جمهورية" في قطيعة غير مسبوقة مع اسبانيا بعد أزمة سياسية حادة، في خطوة لم تعترف بها واشنطن وبرلين وباريس ولندن. 

وبعيد ذلك، أجاز مجلس الشيوخ الاسباني وضع كاتالونيا تحت وصاية مدريد.

وعقد رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي جلسة طارئة للحكومة الاسبانية بعد الظهر وسارع الى الرد عبر موقع تويتر بأن مدريد "ستعيد الشرعية" في كاتالونيا.

وسجلت أسهم مصارف كاتالونيا هبوطا اضافيا الجمعة في بورصة مدريد بعد اعلان برلمان الاقليم الاستقلال وبلغت خسائر ثالث مصرف اسباني "كايشابنك" نسبة 5%.

وتم تبني قرار البرلمان في غياب المعارضة التي غادرت الجلسة وبتأييد سبعين عضوا واعتراض عشرة وامتناع اثنين عن التصويت. وتشكل الاحزاب الانفصالية من اليسار المتطرف الى يمين الوسط غالبية في البرلمان (72 من اصل 135).

ثم ادى النواب النشيد الانفصالي وهتفوا "لتحيا كاتالونيا".

وخارج البرلمان، احتفل عشرات الالاف من مؤيدي الانفصال بقرار البرلمان بالتصفيق والهتاف.

وكتب نائب رئيس كاتالونيا اوريول خونكيراس على تويتر "نعم، لقد ربحنا حرية بناء بلد جديد".

"لا ولن نعترف"

وفي أول رد فعل اوروبي على قرار برلمان كاتالونيا اعلان الاستقلال، أكد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أن مدريد "ستبقى المحاور الوحيد" للتكتل وكتب عبر موقع تويتر "لا شيء تغير بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. ستبقى اسبانيا المحاور الوحيد لنا".

وحذر رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر أن الاتحاد الأوروبي ليس بحاجة إلى "مزيد من التصدعات".

وتوالت على الفور ردود الفعل الدولية التي "لا تعترف" باعلان كاتالونيا استقلالها والمؤيدة لموقف الحكومة الاسبانية.

اعتبرت واشنطن أن كاتالونيا "جزء لا يتجزأ من اسبانيا" معربة عن دعمها اجراءات مدريد لإبقاء البلاد "قوية وموحدة"، حسب ما أكدت وزارة الخارجية الاميركية. 

وأعلن المتحدث باسم رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي أن بريطانيا "لا ولن تعترف" باعلان استقلال كاتالونيا. 

وأكد الناطق باسم المستشارة الألمانية انغيلا ميركل أن بلاده "لا تعترف باعلان الاستقلال".

ومن غويانا الفرنسية في اميركا الجنوبية، أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون "دعمه الكامل" لرئيس الوزراء الأسباني ماريانو راخوي من أجل "احترام" دولة القانون في اسبانيا.

تفاوض من اجل الاعتراف

وينص القرار على قيام "الجمهورية الكاتالونية بوصفها دولة مستقلة وسيدة و(دولة) قانون، ديموقراطية واجتماعية".

ويطلب القرار في حيثياته من حكومة كاتالونيا التفاوض حول الاعتراف بها في الخارج في حين لم تعلن اي دولة دعمها للانفصاليين.

وقبل التصويت، غادر نواب المعارضة الجلسة تاركين خلفهم اعلاما لكاتالونيا واسبانيا وضع الواحد منها بجانب الاخر في مقر البرلمان.

وكان النائب المعارض كارلوس كاريسوزا قال رافعا نص قرار اعلان الاستقلال ان "هذا النص الذي اعددتموه يقضي على التعايش" في كاتالونيا.

وتساءل اليخاندرو فرنانديز من الحزب الشعبي المحافظ بزعامة راخوي "كيف وصلنا الى هنا؟" لافتا الى انه "يوم أسود للديموقراطية".

وليست المرة الاولى تحاول كاتالونيا الانفصال عن الحكومة المركزية. لكن حكومتها لم يسبق ان وصلت الى هذا الحد. ويعود اخر فصل في هذا الاطار الى اكثر من ثمانين عاما.

ففي 1934، وتحديدا في السادس من تشرين الاول/اكتوبر، اعلن رئيس الحكومة الكاتالونية لويس كومبانيس قيام "دولة كاتالونية في اطار جمهورية اسبانيا الفدرالية".

وسارعت الحكومة الاسبانية الى الرد. اذ اعلنت القيادة العسكرية في كاتالونيا حال الحرب واسفرت المواجهات عن مقتل ما بين 46 وثمانين شخصا بحسب المؤرخين. 

ولا يمكن التكهن بنتائج اعلان الاستقلال ووضع كاتالونيا تحت وصاية مدريد.

وكانت اكثر من 1600 شركة قررت نقل مقارها المحلية خارج كاتالونيا التي تشهد منذ اسابيع تظاهرات مؤيدة للاستقلال ومعارضة له.

واصابت عدوى القلق ايضا اوروبا التي عبرت قبل اسبوع عن دعمها لحكومة راخوي عبر ارسالها جان كلود يونكر رئيس المفوضية الاوروبية وانطونيو تاجاني رئيس البرلمان الاوروبي ودونالد توسك رئيس المجلس الاوروبي لتسلم جائزة في اوفييدو شمال غرب اسبانيا.

وصرح تاجاني "علينا الا نقيم الحدود بين الاوروبيين"، محذرا من ان محاولة "تغيير الحدود" تحولت الى "جحيم من الفوضى".

واللافت ان اعلان الاستقلال لا يلبي رغبة عدد كبير من سكان كاتالونيا. اذ افادت الاستطلاعات ان نصفهم على الاقل يريدون البقاء ضمن المملكة الاسبانية.

إعلان "فارغ من المضمون"

لم يخالف برلمان كاتالونيا أي قانون بإعلان الاستقلال الجمعة ولكن "لن يعترف بدولة كاتالونية" أي من دول الاتحاد الأوروبي وفق مستشار القانون الدولي في بروكسل جان كلود بيريس وكان مديرا للخدمات القانونية في مجلس الاتحاد الأوروبي طوال 23 عاما.

سؤال: هل لدى كاتالونيا الحق في اعلان الاستقلال من طرف واحد؟

جواب: يحق لأي كيان أن يعلن استقلاله. ولكن لكي تصبح دولة، هذا يتطلب حيازة الأرض والشعب وسلطات ولكن خصوصا، وهو المهم هنا، اعتراف الأسرة الدولية.

الجميع لديهم الحق في إصدار إعلان بالاستقلال ولكن هذا لوحده ليس له تأثير على الصعيد الدولي. ومن المرجح جدا أن يعترف عدد قليل جدا من البلدان بدولة كاتالونية. أنا أضمن لكم أنها لن تحظى بأي اعتراف داخل الاتحاد الأوروبي.

وبالتالي، يبقى الأمر إعلانا فارغا من أي مضمون. فهم (الكاتالونيون) لن يمثلوا في المحافل الدولية ولن يكون لهم مقعد في الاتحاد الأوروبي ولن يتمكنوا من فعل شيء وسيبقون تابعين قانونيا لاسبانيا.

سؤال: هل اعلان الاستقلال من طرف واحد قانوني؟

جواب: لا يمكن أن نتصور أن تقرر محكمة دولية أن الحق في تقرير المصير ينطبق على الكاتالونيين. يقوم الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون الدستوري قبل كل شيء. غير أن الكاتالونيين ليس لديهم الحق في أن يقرروا تشكيل دولة.

مثل هذا الحق يطبق في حالة تعرض شعب للاضطهاد والاستغلال. مثل هذا الأمر انطبق على المستعمرات مثلما يفسره قرار المحكمة الدستورية في كندا في 1998 بشأن انفصال كيبك.

هذا فعلاً مخصص للشعوب المضطهَدة غير المشمولة بالنظام الديموقراطي وتتعرض لسؤ المعاملة. غير أن الأمر ليس كذلك في كاتالونيا التي تتمتع بكل الحقوق الديموقراطية.

سؤال: ماذا سيحدث الآن؟

جواب: المهم الآن هو ما سيحدث على المستوى الوطني وفي الشارع. هل ستنظم تظاهرات وتقام حواجز؟ هل سيقبل الناس بالرضوخ أم ستكون هناك أعمال عنف؟ هل ستكون هناك اعتقالات ومحاكمات؟ لا ينبغي أن ننسى أن اسبانيا شهدت حربا أهلية ليس منذ أمد بعيد، قبل الحرب العالمية الثانية.

ولكن قانون الاتحاد الأوروبي سيبقى ساريا في كاتالونيا وستبقى اسبانيا هي التي تمثلها. لن تكون هناك نقاط مراقبة حدودية بين كاتالونيا واسبانيا او كاتالونيا وفرنسا. سيواصل الكاتالونيون استخدام اليورو ويبقون طرفا في كافة الاتفاقات الدولية التي وقعتها اسبانيا.