الرباط: أبرم المغرب وفرنسا الخميس في الرباط 17 اتفاقية تعاون جديدة في مجالات متنوعة، وذلك في ختام الإجتماع رفيع المستوى الذي انعقد خلال اليومين الماضيين تحت الرئاسة المشتركة لرئيسي حكومتي البلدين، وبمشاركة وزراء من الحكومتين ومسؤولين كبار. 

وقال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، خلال لقاء صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي،" اتفقنا خلال هذا الاجتماع على إعطاء دفعة جديدة ونفس قوي للعلاقات الممتازة بين البلدين". وأوضح العثماني أن الإتفاقيات المبرمة همت مجالات متنوعة منها التكنولوجيا الرقمية، والموانئ، والرياضة، والشباب، وتدريس اللغة العربية وتاريخ المغرب في المؤسسات التابعة للبعثة الفرنسية، والسياحة، والإدارة، والتعاون بين الجهات، والتعليم، والطاقات المتجددة، والماء.

وأضاف العثماني أن الاجتماع رفيع المستوى شكل فرصة لتعميق الحوار الاستراتيجي بين المغرب وفرنسا وتعزيز التشاور في العديد من القضايا السياسية الدولية والإقليمية، مشيرًا على الخصوص إلى تحديات الهجرة والأمن. كما تناولت المباحثات، حسب العثماني، الطابع الاستراتيجي لشراكة المغرب مع الإتحاد الأوروبي ورغبته في تعميق "الوضع المتقدم" الذي يتمتع به في إطار هذه الشراكة وفتحها على آفاق جديدة.

ونوّه العثماني بالموقف الفرنسي الداعم للمخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء، مشيرًا إلى أن ئيس الحكومة الفرنسية أكد مجددا هذا الموقف خلال المباحثات التي أجراها معه.

 

 

وردا على سؤال حول موقف المغرب إزاء القمة المرتقبة للإتحاد الأوروبي والإتحاد الإفريقي نهاية الشهر الحالي في أبيدجان، والذي يثير جدلاً بسبب احتمال مشاركة جبهة البوليساريو، قال العثماني "هذه القمة مهمة بالنسبة لنا. ولكن حضور جبهة البوليساريو يعتبر بمثابة تشجيع أوروبي للنزعة الانفصالية التي يسعى المجتمع الدولي بكامله لمحاربتها حفاظًا على وحدة الدول الوطنية ووقاية لها من التفكك".

من جهته ، أكد إدوار فيليب، رئيس الحكومة الفرنسية أن الموقف الفرنسي واضح وثابت من قضية الصحراء. وقال خلال اللقاء الصحافي: "أجدد التأكيد على أننا ندعم البحث عن حل عادل ودائم ومتوافق عليه، تحت إشراف الأمم المتحدة، وطبقًا لقرارات مجلس الأمن. كما أننا نعتبر أن المقترح المغربي جديّ وذو مصداقية".

وقال فيليب إن التعاون بين البلدين في إفريقيا شكل أحد المحاور الأساسية لاشغال الإجتماع الرفيع المستوى. وفي سياق إجابته عن سؤال حول الكيفية التي ستدعم بها فرنسا السياسة الإفريقية للمغرب، قال فيليب: "الأمر لا يتعلق بدعم فرنسي لسياسة المغرب في إفريقيا. ما نقوله هو أن لدينا أفقًا مشتركًا ومصلحة مشتركة في إفريقيا، وأن التعاون الثنائي في هذا المجال سيجعلنا معًا أقوياء في مواجهة المنافسة، وسيزيد من قدرات النسيج الإقتصادي لكلينا على التدخل".

 

 

في غضون ذلك ، عرف منتجع الصخيرات، في الضاحية الجنوبية للرباط، صباح الخميس تنظيم منتدى مغربي - فرنسي للأعمال على هامش الإجتماع الرفيع المستوى بين حكومتي البلدين، والذي حضره 400 رجل أعمال من الجانبين.

وعبر رئيس الحكومة الفرنسي، في افتتاح المنتدى عن قلقه من تراجع حصة فرنسا في التجارة الخارجية للمغرب خلال السنوات الأخيرة، ودعا رجال الأعمال من البلدين إلى المساهمة في إيجاد حل لهذه الإشكالية، خصوصًا عبر إفساح المجال أمام المشاريع الصغرى والمتوسطة والمشاريع الجديدة ومساعدتها على التوسع الدولي.

وقال فيليب "إن فرنسا تبقى الشريك الأول للمغرب، والشركات الفرنسة سعيدة بالاستثمار في المغرب"، مشيرًا إلى أن هناك 900 شركة فرنسية مقيمة بالمغرب وتشغل فيه زهاء 100 ألف عامل. ولكن، يضيف فيليب، {حصة فرنسا من السوق المغربية سائرة في التدهور، وهذا الوضع يحتم علينا أن نطرح الأسئلة الجيدة لمعالجته". 

وتوجه فيليب إلى رجال الأعمال المشاركين في المنتدى داعيًا إياهم للمساهمة في إيجاد الحلول لهذه الإشكالية. وقال فيليب "أنتم الذين تعيشون يوميا في زخم هذه المبادلات، أنتم في وضع جيد لإعطاء الإجابات، فأنتم الخبراء في هذا المجال. لذلك أتوجه إليكم من أجل معالجة الوضع، أولا عبر إفساح المجال أمام الشركات الصغرى والمتوسطة من البلدين".

وقال فيليب إن العلاقات الإقتصادية بين المغرب وفرنسا في المجال الإقتصادي علاقات ناضجة وذات منظور طويل الأمد، مشيرًا إلى أنها عرفت قصص نجاح ، وتميزت بالحضور القوي للمجموعات الصناعية الفرنسية الكبرى، مثل رونو وبوجو في صناعة السيارات ، وسفران في صناعة الطائرات. كما أشار إلى أن فرنسا ساهمت أيضًا في المشاريع البنيوية الكبرى للمغرب، مثل ميناء طنجة المتوسط ومشروع القطار فائق السرعة، الذي يعتبر الأول من نوعه في إفريقيا. 

غير أنه أشار إلى أن المنطق الإقتصادي يتطلب المرور إلى مرحلة جديدة يفسح فيها المجال إلى الشركات والمشاريع الصغرى والمتوسطة، داعيًا الشركات الصناعية الكبرى إلى مصاحبة ممونيها والمناولين الفرنسيين الصغار ودعم خطواتهم الأولى في مجال التوسع الخارجي، وتمكينهم من الإستفادة من خبرة الكبار في مجال التنمية الدولية.

ودعا فيليب إلى بحث آفاق جديدة للأعمال والاستثمار في المغرب، ونسج شراكات بين رجال أعمال البلدين من أجل غزو الأسواق الإفريقية، مشيرا إلى أن علاقات المغرب وفرنسا في إفريقيا قوامها التكامل والتعاضد من أجل الدفاع عن مصالحهما ومواجهة المنافسة على هذه الأسواق.

وقال فليب "إن الصحة الجيدة للعلاقات المغربية - الفرنسية لا يجب أن تحجب عنا النظر إلى أنفسنا وجهًا لوجه، وأن نبحث في كل المجالات التي يمكننا أن نقوي فيها هذه الروابط".

من جانبه ، دعا سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية المشاركين في المنتدى "إلى تعميق النقاش، في جو من الثقة والتكامل، حول قضايا النمو والتشغيل، وبلورة حلول مبتكرة ومبدعة قصد إعطاء نفس جديد لشراكتنا الاستراتيجية وتقوية جسور التعاون بين بلدينا". 

ودعا العثماني المشاركين في المنتدى أيضا "إلى استحضار البعد الجهوي" في خططهم الإستثمارية وأعمالهم، مشيرًا إلى أن الحكومة المغربية تعتبر تطبيق "الجهوية دعامة أساسية للرفع من النمو والتقليص من الفوارق المجالية والاجتماعية والاقتصادية". وأضاف في هذا السياق أن الحكومة ستعمل على "مواصلة تفويت المزيد من الصلاحيات ورصد الموارد البشرية والمالية اللازمة لإنجاح الجهوية، وهو ما من شأنه أن يوفر فرصًا مهمة أدعوكم إلى استثمارها في إطار تعزيز التعاون الثنائي بين بلدينا".

كما دعا العثماني المشاركين إلى استغلال فرص التعاون الثلاثي التي توفرها السياسة المغربية اتجاه إفريقيا واستثمار التكاملات بين القطاعات الإقتصادية المغربية والفرنسية من أجل المساهمة في تنمية إفريقيا.
ونظم المنتدى على هامش الدورة 13 للإجتماع رفيع المستوى بين المغرب وفرنسا في الرباط تحت رئاسة رئيسي حكومتي البلدين.

وقالت مريم بنصالح شقرون، رئيسة الإتحاد العام لمقاولات المغرب، "إن هذا المنتدى يشكل امتداداً للإجتماع الرفيع المستوى وسط القطاع الخاص". وأوضحت أن أزيد من 400 من رجال الأعمال وممثلي الشركات والمجموعات الإقتصادية من البلدين يشاركون في هذا المنتدى الذي يهدف إلى إعطاء زخم جديد للعلاقات الإقتصادية. 

وأشارت بنصالح إلى أن أشغال المنتدى تمحورت بالأساس حول الآفاق الجديدة للتعاون، وعلى الخصوص في مجالات التكنولوجيا والمدن الذكية والمشاريع الشابة. وقالت "عرفنا نجاحات مهمة في العديد من القطاعات كصناعة السيارات وصناعة الطائرات والزراعة والصناعات الغذائية. واليوم نريد أن نؤسس على هذه النجاحات ونثمنها ونتخدها ركيزة للمرور إلى قطاعات أخرى للشراكة والتعاون. كما أننا في هذا المنتدى جعلنا من محور التعاون بين المغرب وفرنسا في إفريقيا محورًا مركزيًا".