الرباط: بحضور أكثر من 200 مشترك يمثلون 30 دولة حول العالم، بحث خبراء مغاربة وأجانب التحديات التي تواجه شباب العالم والقارة الافريقية بالخصوص، وتحول دون تحقيق طموحاتهم والرقي بالمجتمعات التي ينتمون إليها، وذلك أثناء انعقاد الدورة التاسعة للمؤتمر الدولي لقادة الألفية، تحت شعار "إلهام أفريقيا"، بمركز الاستقبال والندوات التابع لوزراة التجهيز والنقل بالعاصمة الرباط أمس الخميس.

المغرب يحتضن الشباب

قالت نور الهدى صرف، المديرة التنفيذية للمؤتمر في تصريح لـ"إيلاف المغرب" إن هذه التظاهرة الدولية تروم تسليط الضوء على قضية التنمية ليس فقط في دول الشمال، ولكن كذلك في الجنوب، عبر استضافة خبراء ومختصين دوليين، من أجل دراسة الأوضاع الراهنة".

أضافت: "إنجاز كبير قمنا بتحقيقه ويتمثل في نقل المؤتمر من الولايات المتحدة، حيث كان ينظم بشكل سنوي، لينتقل للمرة الأولى خارجها وبالتحديد في المملكة المغربية، حيث جميع الإمكانيات متوفرة لإنجاحه، بحضور عدد كبير من المشاركين من العالم، مع إعطاء الأولوية للشباب المغربي الذي يمثل مختلف المدن والأقاليم المغربية".

عن السبب وراء اختيار أفريقيا شعارا للدورة الحالية، أوضحت الكاتبة العامة للجمعية المغربية لقادة الألفية أن القارة السمراء هي المستقبل، وأساس التنمية المستدامة، في إطار مبادرة جنوب - جنوب التي جاء بها الملك محمد السادس من أجل تنمية القارة.

حوارات الأطلسي

قال كريم العيناوي، المشرف على مركز السياسات التابع لمؤسسة المكتب الشريف للفوسفات إن منتدى حوارات الأطلسيالذي ينظمه مركز السياسة التابع للمؤسسة بشكل سنوي يصب في إطار الاهتمام بالقضايا الكبرى التي تعيشها القارة الأفريقية، والتي ترتبط أساسا بتحقيق التقدم والازدهار، و تناول تعبئة التمويلات اللازمة لتنمية مختلف القطاعات الحيوية.

واعتبر أن المنتدى يشكل فرصة حقيقية لتوفير مناخ ملائم للحواروالتفكير والمبادرة الجماعية من أجل إيجاد حلول لمختلف قضاياالبلدان المطلة على المحيط الأطلسي، وفتح آفاق جديدة أمام هذهالدول وخاصة دول الجنوب، وكذا تقاسم الرؤى وبحث الحلول إزاءالتحديات التي تطرحها العولمة على هذه الدول خاصة دول إفريقياوأمريكا الجنوبية.

أفاد العيناوي أن القارة الأفريقية أضحى بإمكانها التقدم والتطور بوتيرة متصاعدة خلال السنوات الأخيرة، مما يؤهلها لاحتلال المكانة التي تستحقها بين دول العالم، إلى جانب عملها بشكل مشترك مع القارة الأوروبية من أجل مستقبل أفضل للشعوب.

وأضاف: "يجب علينا أن نطور العلاقات فيما بيننا في إطار رؤية تشاركية، ما يهمنا حاليا هو استثمار طاقة الشباب، أفكارهم، مواهبهم ونظرتهم لمختلف المجالات، بهدف التلاحم وخلق جو من الحوار و التسامح وتقبل الآخر".

دعم الشباب

عن السبب وراء دعمهم لتنظيم المؤتمر بالمغرب، أشار هيلموت ريفيلد، ممثل مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية أن الأمر يعود لمساندتهم لمبدأ الديمقراطية الذي تسير عليه الدولة المغربية، وهو ما جعل المؤسسة تتبنى فكرة دعم الشباب والنساء وجعلهم من أولوياتها خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى التركيز على النساء الشابات ودورهن في تأطير الأحزاب السياسية.

ونادى بضرورة النهوض بالمنظومة التعليمية كأساس يمكن الارتكاز عليه من أجل التوصل لحلول ناجعة، تمكن من تقليص الفوارق المجتمعية والظواهر السلبية التي تعوق أي مسيرة تنموية للدول.

من جانبها، قالت ستيفاني ميلي، القائمة بالأعمال بالسفارة الأميركية بالرباط إن المؤتمر يوفر فرصة للتقارب بين شباب مختلف القارات، من اجل التباحث ومناقشة أفكارهم ومشاكلهم في جو من التفاهم والإنصات للآخر.

واعتبرت أن أكبر تحد يواجه هؤلاء الشباب الذين يمثلون نسبة كبيرة من مجموع ساكنة العالم هو توفير تعليم جيد والحصول على فرص عمل، تمكنها من العيش بكرامة واستقرار.

وذكّرت بالتقارب الحاصل بين المملكة المغربية والولايات المتحدة، على اعتبار أنهما يشتغلان بتاريخ مشترك، من خلال العلاقات الوطيدة التي تجمعهما لحوالي 140 سنة، خاصة أن المغرب يعد أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة.

ترى ميلي أن المغرب لعب دورا أساسيا في العديد من القضايا العالمية، أبرزها مؤتمر "أنفا" سنة 1943 الذي شهد حضور كل من الملك الراحل محمد الخامس والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت و رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، لمناقشة مجريات الحرب العالمية الثانية، لتتحول مدينة الدارالبيضاء إلى مدينة عالمية اتخذت فيها قرارات سياسية كبيرة رسمت ملامح مرحلة دولية جديدة.

وطالبت ميلي الشباب المشارك في المؤتمر بضرورة التحرك وتوظيف كل ما يملك من طاقات ومدارك من أجل غد أفضل، وفي ظل العديد من الإرهاصات التي تؤرق مختلف شعوب المعمور، والمتمثلة في تفشي الفقر والجوع وانعدام الأمان.

تبادل الخبرات

تناولت آن فاسارا، سفيرة فنلندا في المغرب أهمية التعليم و دوره في نضج المجتمع و تحقيق المساواة بين مختلف الفئات والطبقات، فضلا عن مساهمته في تحقيق الرخاء والنمو لأبناء الوطن الواحد.

وأشادت فاسارا بالفكرة التي يحملها المؤتمر الدولي لقادة الألفية، والتي تهم بالأساس فرض نوع من الاحتكاك بين شباب الدول المختلفة، و الذين أصبح بمقدورهم تبادل خبراتهم وتجاربهم في فضاء مفتوح، يساعدهم في بث أفكارهم و سرد رؤيتهم في القضايا التنموية.

واستعرضت السفيرة تجربة بلادها بهذا الشأن، من خلال عملها على إيلاء أهمية قصوى للتعليم والتكوين لفائدة الأطفال والشباب، إلى جانب إشراكهم في المشاريع والمبادرات التي تقوم بها الدولة على نطاق واسع.

التحديات الكبرى

حذر السفير الأميركي الاسبق سكوت دليزي، من التحديات الكبرى التي تواجه الجيل الحالي، والمتمثلة في تهريب السلاح، والإرهاب، والحروب، والدمار الذي تخلفه على جميع المستويات.

يضيف: "لذا يهمني الوجود في ملتقيات مماثلة، أنا هنا لأتابع مشوار التعلم من شباب العالم، خدمة لبلدي وكل الدول، الاهم هو العزيمة والإرادة كيفما كانت مستوياتكم والمراتب التي تحتلونها، خاصة أن أغلبكم هنا يؤمن بالتغيير و بقدرته على القيادة في المجال الذي يتخصص به ويجذب انتباهه، العالم يتغير و هو مايفرض علينا أن نتغير لكي نستطيع مجاراته".

طالب دليزي بمنح النساء فرصا أكبر لإبراز قدراتهن و العمل في آفاق أوسع، تعود بالنفع عليهن وعلى المجتمعات التي يعشن بها، في ظل التطور العالمي الحاصل.

وأضاف أن الملتقيات التي تجمع الشباب العالمي تشكل فرصة كبيرة لإسماع أصواتهم عاليا في كل المحافل والمناسبات الدولية، حتى لا تظل مقتصرة على دولة بعينها.

من جهته، أشار سام فكال، المدير التنفيذي للمنظمة الأميركية "شبكة قادة الألفية" إلى أن التغييرات التي ينشدها الشباب لا يمكن أن تحصل بين ليلة وضحاها، بل هي مسألة وقت، يمكن بلوغ أهدافها عن طريق التعاون والالتقاء بين مختلف مكونات المجتمع المدني، بالتعاون مع المسؤولين والمواطنين، دون أن يعول على دور الحكومات لوحدها.

وعن الأهداف التي ينبغي العمل عليها من أجل السير في طريق النمو، اضاف سام فكال: "من الضروري أن نعمل جاهدين من أجل التقليص من مشكل الفقر والجوع الذي يهدد ملايين المواطنين عبر العالم، علينا أن نشجع الاستثمار وأن نخلق فرص عمل للشباب تتوافق مع مؤهلاتهم وقدراتهم، إضافة إلى تنمية المدن والمجتمعات و الحرص على توظيف الطاقات النظيفة".

الهجرة غير الشرعية

عن دور الشباب في التنمية، نوه فتحي دبابي، مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام بدور جمعيات المجتمع المدني خاصة تلك التي تولي أهمية لفئة الشباب، عن طريق دعمهم وخلق أنشطة ومبادرات، رغم ما تعترضها من مشاكل على المستوى الإداري.

في المقابل، حذر دبابي من مشكل الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، والذي اتخذ شكلا جديدا، عن طريق نشر المهاجرين السريين ليومياتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يفاقم من خطورة هذه الظاهرة التي تجني على أجيال بكاملها. شباب مثقف ومؤهل لخدمة بلده لكنه لا يجد فرصة عمل مناسبة، وهو ما يستدعي إعادة النظر في استراتيجية الحكومة وبرامجها، في ظل وجود العديد من الكفاءات التي لا يتم توظيفها بالشكل المناسب، لذا، أضحى من الواجب توفير فرص عمل للشباب واستثمار قدراته في بناء وتنمية الوطن على المدى البعيد.

العزوف السياسي

وحول العزوف السياسي لدى الشباب، قال سلوبودان ميليك، خبير دولي في الحكامة إن الظاهرة لا تخص المغرب لوحده، بل تشمل العديد من الدول التي فقد مواطنوها خاصة من فئة الشباب الثقة في سياسييهم، ولم تعد لديهم الرغبة في التعامل معهم أو الانصات لهم، خاصة في المناسبات الانتخابية، وذلك بسبب بعد هؤلاء المسؤولين عن القضايا الحقيقية التي تهم شعوبهم، واحتكامهم في أغلب الأحيان لمصطلحات ومفردات معقدة لا تصلح للتعامل اليومي مع المواطنين.

واعتبر ميليك أن الشباب أضحى تواقا للتغيير أكثر من قبل، و أثبت أنه قوة وطاقة فعالة في المجتمع، وليس فقط فئة ضائعة من المدمنين على وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الحديثة كما يحرص البعض على تسويقه.

وقالت أنا فونسيكا، مكلفة بمهمة في المنظمة الدولية للهجرة "نهدف لتكوين قادة شباب لأنهم يمثلون أغلبية سكان العالم، و يمتلكون بعد نظر و أكثر قابلية لتقبل وجهات النظر والآراء مقارنة مع بقية الفئات العمرية الأخرى".

تناولت فونسيكا قصصا مؤثرة لمعاناة مهاجرين سريين، اضطرتهم الظروف القاسية لترك اوطانهم والبحث عن آفاق جديدة، ليصطدموا لاحقا بواقع مرير، فيصبحون عرضة للضياع، الاضطهاد أحيانا، العنف الجسدي والنفسي وهو ما يجعل فتيات يعمدن لقص شعرهن وتغيير ملامحن الأنثوية حتى لا يصبحن عرضة للتعنيف و الاغتصاب.

وناشدت الخبيرة الدولية الشباب الذين يفكرون في خوض هذه المغامرة الخطيرة إلى التأني ومحاولة إيجاد حلول بديلة، عن طريق تسوية ملفاتهم والهجرة بشكل قانوني، أو على الأقل التفكير بطريقة مغايرة والتمتع بروح المسؤولية والذكاء الكافي من أجل العزوف ولو جزئيا عن الظاهرة.

وينظم"المؤتمر الدولي لقادة الألفية" في دورته التاسعة من طرف الجمعية المغربية لقادة الألفية، بشراكة مع المنظمة الأمريكية"شبكة قيادة الألفية" ودعم مؤسسة"كونراد أديناور" والمكتب الشريف للفوسفات.

يشار الى أن شبكة قادة الألفية، منظمة غير ربحية مقرها بوسطن، وتلتزم بدعم جهود القادة الشباب العاملين من أجل التنمية على الصعيد العالم، كما يعد مؤتمرالحرم الجامعي، حدثا سنويا ينظم بالولايات المتحدة، وتشارك فيه المنظمات العاملة على أهداف الألفية الإنمائية.