‎تصاعدت وتيرة الغضب في جنوب سوريا من محاولات غير مفهومة للعمل على وثيقة قيل إنها تؤسس لتقسيم حوران، وتمهد للناس انفصالًا آتيًا عبر التلاعب بالمصطلحات، مما حدا بناشطين سوريين إلى انتقاد وثيقة العهد في حوران أو ما أطلق عليها اسم " المبادرة"، الأمر الذي يزيد من إشكالية كيفية التعامل مع المناطق المحررة في سوريا وطرق تنظيمها.

‎إيلاف: أكد نصر فروان الحريري، الباحث السياسي السوري، في لقاء مع "إيلاف" حول الوثيقة وأسباب ظهورها هذه الفترة، أنه بغضّ النظر عن نوايا الأشخاص الذين طرحوها وأهدافها، فهي "تدل على مراهقة سياسية، وعدم معرفة بالنظم السياسية وبالقوانين الدستورية". لذلك اعتبر أن "الوثيقة أسست إشكالية ومدارًا لجدل واسع".

إدارية.. لا سياسية
‎وأوضح ردًا على سؤال "هل تؤسس لحكم ذاتي في الجنوب" أنه لقد طُرح في سوريا وفي محافظة درعا عدد من الرؤى والتصورات والمشاريع الإدارية من قبل هيئات ومنظمات مجتمع مدني، "ولكن هذه الوثيقة هي الأكثر إثارة للجدل وللشك وللريبة ولاقت انتقادات حادة، لكونها حوت على مصطلحات، لا أقول إنها تدلل على حكم ذاتي أو فيدرالية، ولكن سوء صياغتها إضافة إلى هواجس الناس وخوفهم من التقسيم، يجعلهم يرفضون أي طرح يقترب من بعيد أو قريب من ذلك".

أضاف: "الوثيقة بعناوينها الرئيسة طرحت اللامركزية الإدارية، ولم تطرح اللامركزية السياسية، وهي بذلك تشكل نوعًا من الإدارة المحلية. ولكن الإشكالية في تفصيلاتها، وبشكل عام، أستطيع القول إن المشكلة ليست بالفكرة، بل بطريقة صياغة الوثيقة، وهذا ما سبّب الجدل الواسع، فالبناء الأساسي للوثيقة هو دستور دولة تم تغيير مصطلحاته، فمثلًا استبدلوا المجلس النيابي بمجلس الممثلين والسلطات الثلاث بالهيئات، والدستور بالوثيقة، وهكذا فبدت الوثيقة كأنها مسخ، وتدلل على عدم معرفة، كما ذكرت، وعلى مراهقة سياسية".

‎إشكالية تمييزية
ما أثار المخاوف أيضًا، بحسب الحريري، بعض المواد التي احتوتها الوثيقة، والتي كانت مثارًا للشك والريبة، فمثلًا "تكلمت عن منطقة حوران كإقليم جغرافي وعن أهالي حوران كشعب بدلًا من &درعا كمحافظة، وأعتقد أن لهذا دلالاته، كما ذكرت الوثيقة في الفصل الثالث، أن أهالي حوران والمقيمين فيها في المحافظات السورية الأخرى متساوون في الحقوق والواجبات، وهذا يدلل على التفريق بين أهالي حوران وغيرهم من أبناء المحافظات الأخرى".&

كما بدا لافتًا أن الوثيقة تتحدث عن مبادئ دستورية وتفصيلات قانونية تتعلق بالملكية والقضاء والأحوال الشخصية والحريات العامة والسجون والتربية والتعليم ومصدر التشريع، كما أعطت لمجلس الممثلين صلاحيات تشريعية.

أسباب الانسحاب
‎هذا وبعد الإعلان عنها، انسحب مؤسسون من الوثيقة المعلنة، ومنهم الدكتور إبراهيم الجباوي، مدير الهيئة السورية للإعلام، والشيخ ناصر الحريري عضو مجلس الشعب المنشق عن نظام بشار الأسد، والمحامي مثقال أبازيد، بينما بقي قسم يتمسك بالوثيقة، ومنهم رجل الأعمال وليد الزعبي، والمحامي حسان الأسود، والدكتور عبد الكريم الحريري.

‎وحول أسباب انسحاب البعض، أكد نصر فروان الحريري أن من يقرأ الوثيقة بتمعّن يجد أنها "تشير إلى توجهات مناطقية وتشجّع على النزعة الانفصالية، بذلك تتجاوز سقف أو حدود الإدارة المحلية، أي تكون أقرب إلى الحكم الذاتي منها إلى الإدارة الذاتية أو الإدارة المحلية، أي أقرب إلى اللامركزية السياسية منها إلى اللامركزية الإدارية. لذلك هذه الوثيقة مصيرها الفشل، لأنها ولدت ميتة، ومؤشرات فشلها بدت واضحة، حيث إنها لم تلقَ قبولًا، لا من المؤسسات والهيئات القائمة، ولا من الأفراد، خاصة الشخصيات الاعتبارية، فجميعهم أصدروا بيانات إدانة، كنقابة المحامين الأحرار ونقابة الأطباء الأحرار وهيئة الإصلاح ومجلس شورى حوران وغيرها".

لتنظيم ملائم
‎وبرأي الباحث السوري، الذي ينحدر من هذه المنطقة، فإن "هذا المشروع وغيره من المشاريع الأخرى التي طرحت اعتبرها من الوسائل والاستراتيجيات التي طبّقت بهدف احتواء الثورة. فهم يقولون إن هدفهم هو التنظيم، نعم نحن مع التنظيم، ولكن تنظيم يتناسب مع المرحلة، فهناك مرحلة الثورة، والمرحلة الانتقالية، ومرحلة الاستقرار، ولكل مرحلة تنظيم ونظم تختلف عن الأخرى. ربما هذا الشكل من التنظيم يناسب المرحلة ما بعد الانتقالية، ولكن المرحلة الآن تتطلب مركزية شديدة وديكتاتورية مقيتة، فنحن نعلم أن دولة قائمة في حالة الحرب أو الاضطرابات تعلق عمل المؤسسات والهيئات والعمل بالقوانين وحتى بالدستور. كيف ووضعنا وحالتنا الآن، وهم يغرقوننا بالمشاريع الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني". ‎وشدد الحريري في الختام على أن "منطق الحركات الثورية لا يتفق مع ذلك".