واشنطن: تدور معركة التصدي للنفوذ الإيراني التي تقودها السعودية على جبهات متعددة بينها سورية واليمن، وأخيرًا جبهة الأزمة الدبلوماسية مع قطر. لكن الصراع وصل شواطئ الولايات المتحدة في حرب كلامية تشهدها واشنطن. 

أحد ميادين هذه الحرب موقع "تويتر" حيث رد المصرفي السعودي السابق علي شهابي الذي اطلق "مؤسسة الجزيرة العربية" في واشنطن على تغريدات تشيد بالانتخابات الإيرانية قائلًا في تغريدة مضادة: "إيران شهدت ثورة، قُتل فيها مئات الآلاف من مواطنيها، والانتخابات تجري على مناصب بلا سلطة في حين يمسك المرشد الأعلى غير المنتخَب مقاليد الحكم بيده". 

فعاليات وفعاليات مضادة

يرتدي الصراع أشكالًا أخرى غير مباشرة في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حين استضافت واشنطن سلسلة معارض وفعاليات تروج للفن الإيراني والسينما الإيرانية في ظل حكم الملالي، وصفها أميركيون متعاطفون مع العرب بأنها دعاية لمساعدة الإيرانيين على تزيين صورتهم في الولايات المتحدة. وحين تُنشر مقالات لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في صحيفة نيويورك تايمز، بما في ذلك ما نُشر له بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السعودية مباشرة، يرى أصدقاء للعرب ودبلوماسيون في واشنطن أن في ذلك تحيزًا يغذيه إرث انفتاح الرئيس السابق باراك أوباما على إيران وابتعاده عن السعودية. 

رد السعوديون على التحرك الإيراني في العاصمة الأميركية بفعاليات مختلفة: إقامة ندوات ثقافية مع السعودية منى خزندار، اول امرأة تتولى إدارة معهد العالم العربي في باريس، ومؤتمر عن التحولات التي تشهدها السعودية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية نظمه معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وفعاليات أخرى. 

يتمحور السجال الدائر في الولايات المتحدة بشأن المفاضلة بين السعودية وإيران حول أي البلدين أكثر تأهلًا لقيادة المعركة ضد التطرف. لا يفوّت ظريف فرصة تذكير العالم بأن 15 من اصل 19 نفذوا هجمات 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمي كانوا سعوديين. وذهب الحرس الثوري الإيراني إلى حد اتهام السعودية بالمسؤولية عن الهجوم المزدوج الأخير على البرلمان الإيراني وضريح الخميني وسط طهران. رد السعوديون بتوجيه الأنظار إلى الدعم الإيراني لميليشيات شيعية في العراق ترتكب انتهاكات صارخة لحقوق الانسان، وجماعات مسلحة مثل حزب الله مسؤولة عن عمليات إرهابية. 

الأقرب إلى الغرب

تلاحظ مجلة فورين بولسي أن السعوديين تحدوا ظريف في لعبته ذاتها، ولم يكتفوا بفضح العربدة الإيرانية في المنطقة فحسب، بل شرعوا في إيصال رسالة عن ثراء الثقافة السعودية والاصلاحات التي تُنفذ في المملكة، مدفوعة بمبادرات ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

كان السؤال الذي يدور في واشنطن متخطيًا المعركة ضد التطرف يتمثل في ما إذا كانت إيران أو السعودية هي التي يمكن أن تكون "الأقرب إلى الغرب" على المدى البعيد. 

وحتى الآونة الأخيرة كان مسؤولون أميركيون، لا سيما في إدارة أوباما، يذهبون في مجالس خاصة إلى أنه في بلد مثل إيران، بانتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية ومجتمع مدني حيوي وتاريخ حضاري عريق، يمكن أن يتيح الاتفاق النووي لشعبه الذي يحب أميركا أن يمارس ضغطًا أشد على نظامه الاستبدادي. 

لكن مسؤولين آخرين في إدارتي أوباما وترمب يرون متعذرًا كسر القيود التي تمنع الانفتاح السياسي في إيران، مشيرين إلى أن الحرس الثوري الإيراني اخترق جميع نواحي الحياة السياسية وأحكم قبضته على الاقتصاد، وأن للمرشد الأعلى الكلمة الأخيرة في كل شيء تقريبًا، وفكرة "تصدير الثورة" منصوص عليها في الدستور الإيراني نفسه. وبالتالي، فالتغييرات المطلوبة لتحويل إيران إلى لاعب مقبول على الساحة الدولية لا تلوح في الأفق. 

حقبة إصلاحية جديدة

في المقابل، تعمل السعودية على تنفيذ مشروع طموح للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، يقول ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إنه سينقل البلد إلى حقبة جديدة تطوي صفحة النزعة الدينية المتزمتة التي بدأت في عام 1979.

ينوه محللون أميركيون بأن الحكومة السعودية تحركت في العام الماضي للحد من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

وبحسب فورين بولسي، لدى الأمير محمد بن سلمان خطة لمواجهة أي رد فعل من رجال الدين الذين لا يرضون عن الاصلاحات. وشهدت المملكة في الأشهر الأخيرة حفلات موسيقية وعروضًا كوميدية ومعارض فنية أثارت معارضة بعض رجال الدين وسعوديين اعتياديين عبروا عن موقفهم المعارض على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وايًا تكن المعارضة التي يواجهها الأمير محمد بن سلمان اليوم، فإنه تمكن من الاستمرار بمشروعه. ونقلت فورين بولسي عن مصدر في داخل العائلة المالكة في السعودية قوله إن هناك توجسًا من أن يكون التغيير أكبر مما ينبغي وأسرع مما ينبغي، لكن الهدف هو تحقيق انجازات قصوى وكسب أكبر عدد من السعوديين. وإذا تمكن الأمير الشاب من الاستمرار، فإن التغيير من القمة في السعودية يمكن أن يتخطى المجهود البطيء لإضعاف قبضة المرشد الأعلى على إيران، على حد تعبير فورين بولسي.

أعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف عن "فورين بولسي". الأصل منشور على الرابط:
http://foreignpolicy.com/2017/06/12/the-saudi-iran-war-comes-to-washington/