نصر المجالي: جرت في مقر منتدى الفكر العربي في العاصمة الأردنية عمّان، مساء الأحد، مناقشات فكرية حول قضايا حرية العقل وحرية الفكر والعلاقة بين السلطة والدين، وذلك بمشاركة عدد من المفكرين والباحثين والمهتمين.

واستضاف المنتدى حفل إشهار ومناقشة كتاب "الحريات الأسيرة بين استبداد الحكم واستغلال الدين - الأصول وطريق الخلاص" لأستاذ القانون والوزير الأردني الأسبق الدكتور محمد الحموري، الصادر حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. 

وشارك في التعقيب على الكتاب المفكر والكاتب ووزير الصحة سابقاً الدكتور زيد حمزة، وأستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية وعضو المنتدى الدكتور علي محافظة، ومدير مركز دراسات الأمة والمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين سابقاً سالم الفلاحات، وأدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام للمنتدى والوزير السابق الدكتور محمد أبوحمور.

السلطة والدين

ويبحث المؤلف في فصول الكتاب الأربعة في قضايا حرية العقل وحرية الفكر والعلاقة بين السلطة والدين أو محور الصراع الماثل في مسألة سلطة الحكم، من خلال ما سمّاه "الإسلام السلطاني" والاستبداد والإرهاب، وتزاوج الفكر المستورد مع الموروث وإنجاب "المولود السلطوي" الغريب، الذي أدى إلى انفجار ثورات الربيع العربي. كما يتناول الحرية، وديمقراطية الشورى بين الإسلام القرآني وبين الحاكمية وفقه السلاطين، ويقدم دراسة حول الإسلام وموضوع محاسبة السلطة وعصمة الحكام، وما ينبغي أن يعرفه الناس من أجل السير على طريق الخلاص.

أشار الدكتور أبوحمور في كلمته إلى أن الكتاب يتناول القضية الأهم والأبرز في تاريخ الفكر الإنساني، وفي التاريخ السياسي العالمي، وعلى الساحة العربية والإسلامية الآن. 

وقال: إن الكتاب يمثل خلاصة غنية لخبرات المؤلِّف د. الحموري وتجاربه الفكرية الطويلة في كشف حقائق الفكر الاستغلالي والمتطرف، الذي ألقى بالأمة في مهب الريح، ونشر خلال السنوات الأخيرة بشكل خاص حالة من عدم الاستقرار على كل المستويات، مما أنتج حروباً ونزاعات وأشكالاً مأساوية من العنف وإراقة الدماء.

غلاف الكتاب محور النقاش 

 

الصراع

وأضاف د. أبوحمور أن المؤلِّف وضع يده على معضلة الصراع الجاري حالياً من خلال بحثه وتفنيده لدوافع وغايات الجهات المتصارعة على الوصول إلى سلطة الحكم، فيما الضحية الأمّة نفسها والدين الإسلامي وحقيقة مفهوم الشرع. وقال: إن تغييب الفكر التنويري الإصلاحي كان من أهم أسباب تفاقم الأزمة الفكرية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وفي تغلغل الفكر المتطرف؛ وأن دور المثقف والمفكر ومؤسسات الفكر يكتسب أهمية كبيرة في وقف التراجع والانهيار والتفتت، الذي نشهده على الساحة العربية والإسلامية.

ومن جهته، دعا مؤلِّف الكتاب الدكتور محمد الحموري إلى توعية الناس حكاماً ومحكومين بالقيم المشتملة عليها السور والآيات القرآنية في ما يتعلق بالعدل والاستقامة، والإرشاد إلى شفافية التشريعات، وعدم محاباتها لجهة دون أخرى وعدم الاعتداء على الحقوق والحريات، وحماية المال العام، والوقوف بالمرصاد لكل من يمكن أن يتدخل في شؤون القضاء والتأثير عليه.

الخطاب المعتدل

كما دعا أصحاب الخطاب الإسلامي المعتدل الذين يؤمنون بأن الشعب هو مصدر السلطة، إلى الأخذ في مبدأ الشورى بأدوات ووسائل الديمقراطية التي طورها العقل البشري، وأصبحت ملكاً للبشرية. ووجه خطابه إلى أتباع التنظيمات التكفيرية من المغرر بهم، سواء لأسباب دينية أو لاعتبارات تتعلق بأحوالهم في أوطان ضاقت بهم، إلى العودة لإسلام القرآن الكريم، وما فيه من سماحة ونقاء سريرة وصدق سلوك.

وقال د. الحموري: إن على السلطات القابضة على حريات الناس في كل أرض عربية أن تبادر بإصلاحات حقيقية في المجالات كافة، وإلى إقامة الدولة المدنية ذات القيم الإسلامية، وفقاً لديمقراطية الشورى، ودولة القانون الذي يحكم المواطن والمسؤول على حدٍ سواء، وتجفيف منابع الإرهاب؛ مشيراً إلى أن أهل الفكر وأصحاب الطروحات يشكلون المشاعل التي تنير طريق الأمم والشعوب، وفتح أبواب المعرفة للتحرر من الظلم والاستبداد والفساد. 

تعقيب زيد حمزة

من جهته، قال د. زيد حمزة في تعقيبه: إن القارىء يكتشف منذ السطور الأولى في هذا الكتاب لا بل من العنوان نفسه "بين استبداد الحكم واستغلال الدين" أنه أمام كاتب ثوري لا يريد ان يهادن بل يشهر سلاحه في وجه الطغاة، ويهدي كتابه إلى الباحثين عن أصول الاستبداد الذي تعاني منه الأمة وعن جذوره الدينية في الفتاوى السلطانية التي أعطت صاحب السلطة رداءً من الشرع لتكون السماء مصدراً لسلطانه المطلق، ويروي كيف تراكم هذا التراث الغيبي عبر الماضي الطويل ليشكل أساساً لنهج الاستبداد اليوم، كما يهدي كتابه إلى المناضلين من اجل تخليص حقوق الانسان العربي وحرياته من الأسر.

كما أشار إلى أن كتاب د. الحموري يحلل الثورة الحديثة التي انطلقت في عام 2011 في أكثر من دولة عربية ويتحدى بانحيازه لها كل اولئك الذين شمتوا بانتكاساتها او استبشروا بنجاح المخطط التآمري الغربي القاضي بتدميرها، مؤكداً أن جذوتها لا بد ان تعود للتوهج من جديد.

عرض علي محافظة 

وعرض أ.د. علي محافظة لأهم ما تضمنه الكتاب من مباحث وقضايا مثل فتاوى رجال الدين وحرية العقل، وأحوال أوروبا في مطلع العصور الحديثة وبداية تشكل دولها القومية، وأحوال أميركا الشمالية وتمردها على بريطانيا وحصولها على الاستقلال، وأحوال العرب منذ عهد النبوة وحتى نهاية الحكم العثماني وإلغاء الخلافة العثمانية سنة 1924، وأسباب نشوء المنظمات الإسلامية التكفيرية.

ومن أبرز ما تناوله د. الحموري في كتابه أيضاً مقارنة بين الحرية وديمقراطية الشورى، وبين الإسلام القرآني وفكر الحاكمية وفقه السلاطين، ومحاسبة السلطة في ظل الدساتير الحديثة في الدول العربية. وقدم حلولًا لنظام الحكم المناسب في الوطن العربي، وما ينبغي أن يعرفه الناس عن الإسلام والديمقراطية والعناصر الأساسية التي ينبغي أن تكون مطالباً للناس لقيام ديمقراطية الشورى.

واعتبر د. محافظة أن الربط بين الشورى والديمقراطية أمر لا فائدة ترجى منه، ورأى أن الشورى لم تأخذ طريقها إلى التطبيق في تاريخنا ولم تتطور كأداة للحكم بل طواها النسيان منذ نهاية الحكم الراشدي إلى القرن العشرين، وربطها بالديمقراطية يعيدنا إلى ربط الدين بالسياسة، وهذا هو سبب التخلف السياسي.

الفلاحات: الحريات الأسيرة 

وناقش الأستاذ سالم الفلاحات عدداً من النقاط المتعلقة بأهمية كتاب "الحريات الأسيرة" ومحتواه وخريطة الطريق التي اقترحها المؤلِّف، وتطرق إلى الإجابة عن السؤال لماذا لم تنهض أمتنا بعد، وأوجه استغلال الدين في أوروبا في العصور الوسطى لصالح الاستبداد، واستغلال الفتاوى السلطانية لصالح الأمراء والحكام بعد نهاية عهد الخلفاء الراشدين. كما عرض لمواقف العلماء المسلمين في التاريخ الإسلامي، ومنهم العز بن عبد السلام في عهد المماليك، الذي انتصر لحقوق الناس، مؤكداً دور القضاء والقضاة في وقف التغول على الحقوق والحريات.